الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب.. من حرق القاهرة؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
66 عامًا على الجريمة.. والفاعل ما زال مجهولًا
العاصمة تحترق.. والملك فى وليمة غداء مع ضباط الجيش بمناسبة «سبوع» الأمير أحمد فؤاد!

حقيقة اتهام أحمد حسين بالتحريض وفؤاد سراج الدين بالتقصير!

عندما يأتى يوم 26 يناير من كل عام يتذكر المصريون واحدا من أهم الحوادث فى تاريخ مصر الحديث قبل قيام ثورة 23 يوليو، ألا وهو «حريق القاهرة» الذى وقع صباح يوم السبت 26 يناير 1952.
وقد فاجأنى الصديق إبراهيم بغدادى الذى كان واحدا من الضباط الأحرار والمحافظ الأسبق برسالة قصيرة. اقترح فيها فتح ملف التحقيق فى قضية «حريق القاهرة» من جديد رغم مرور كل هذه السنوات. وإبراهيم بغدادى والذى عمل فترة طويلة فى جهاز المخابرات المصرية صاحب ولع بالقضايا التاريخية. وهو يخصص وقتا من أيامه للبحث فى حوادث تاريخ مصر. ويحاول تجميع المعلومات والصور والشهادات. وقد التقيت به بالفعل ودار بيننا حوار لعله يكون مدخلا لهذا الموضوع المهم.


■ سألت إبراهيم بغدادى: لماذا طرأت على بالك فكرة فتح ملف حريق القاهرة؟
- قال بحماس: أولا لأن يوم ٢٦ يناير من العام الجارى يكون قد مضى على الموضوع خمسون عاما بالتمام والكمال. وثانيا لاعتقادى بأن ملف حريق القاهرة لم يلق التغطية الكافية. رغم اقتناع الجميع بأن هذا الجزء من الأحداث كان له تأثيره على مجريات التطورات السياسية فى مصر فى ذلك الوقت. أحب أن أقول إن كل الدلائل تؤكد أنه لم يكن حادثا عفويا. وقناعتى تأتى من المراجع الثابتة تاريخيا ومن المقابلات الشخصية لشخصيات عاصرت ذلك التى ما زال بعضهم على قيد الحياة.
■ قاطعت إبراهيم بغدادى: لكن ماذا عنك أنت.. أين كنت؟ وماذا كنت تعمل فى ذلك اليوم؟
- يقول إبراهيم بغدادى: كنت ضابطا فى الجيش المصرى برتبة «يوزباشى» فى اللواء الأول مشاة بالكتيبة بالإسكندرية. لكنى كنت أتابع ما يحدث خاصة داخل الجيش لأن تنظيم الضباط الأحرار كان فى ذلك الوقت فى ذروة نشاطه. سواء من ناحية طبع توزيع المنشورات الثورية داخل الجيش أو متابعة ورصد الأحداث السياسية. أو المشاركة فى عمليات تدريب طلاب الجماعات ليشاركوا كفدائيين فى القتال ضد القوات البريطانية فى منطقة القنال. وأيضا انتقاء وتجنيد الضباط الأصغر رتبا للانضمام للضباط الأحرار. نحن كنا فى قلب الأحداث يوما بيوم وساعة بساعة وقد كنت مسئولا عن تدريب طلبة الإسكندرية كفدائيين.
■ نعود إلى حريق القاهرة.. ماذا لديك لتضيف من جديد؟
- يقول إبراهيم بغدادى: لا توجد إجابات جديدة. ربما الأمثلة هى التى يكون بعضها جديدا. وربما أيضا إلقاء الضوء على بعض الجوانب سيكون مفيدا للغاية، لأن كل الذين تولوا التحقيق فى الحادث سواء من رجال البوليس أو النيابة لم يكشفوا عن الفاعل الحقيقى. إن كانت التحقيقات تتفق فى نتائجها مع رغبة السراى فى إلقاء التهمة على أحمد حسين ومصر الفتاة بالدرجة الأولى. وكان الاتهام الأساسى الموجه لأحمد حسين هو التحريض. لكن التحقيقات التى اتسمت بالانحياز لم تتعمق للوصول إلى الفاعل. رغم الإشارات الواضحة للشهود والتوقيعات الزمنية للحرائق وعلاقتها بالمظاهرات.
■ لماذا إذن لا نبدأ باستعراض لما كان يحدث فى مصر قبيل وقوع حادث الحريق؟
- إبراهيم بغدادى: هذا بالضبط ما يجب.. أولا بالنسبة للملك فاروق قبلها فقد كان قد تزوج من ناريمان. وكانت الصحف تنشر صوره وهو يقضى معها إجازته فى كابرى بإيطاليا. مرة وهو يرتدى مايوه السباحة ومرة وهو على مائدة العشاء أو فى نوادى القمار. كل هذه الأخبار أوجدت حالة من السخط لدى الشعب. لكن المؤكد أنه فى منتصف عام ١٩٥١ توحدت دون ترتيب الاتجاهات السياسية السائدة فى الشارع المصرى. ممثلة فى الحزب الوطنى والإخوان المسلمين وحركة أنصار السلام والتنظيمات الشيوعية واتحادات العمال واتحادات الطلبة والحزب الاشتراكى ومصر الفتاة والطليعة الوفدية. حدثت تحالفات بين العديد من هذه الاتجاهات المتباينة عقائديا لتتشكل ملامح حركة ثورة جديدة مستقلة عن القيادات التقليدية للأحزاب بما فيها قيادة الوفد. وكان الهدف الذى يجمع هذه التحالفات مواجهة الإنجليز والسراى. الإنجليز الذين اعتبروا منطقة قناة السويس والسويس والإسماعيلية وبورسعيد ملكا خاصا لا يحق للمصريين الدخول إليها إلا بتصريح خاص من سلطات الاحتلال. السراى المعروف موقفها المساندة للاحتلال البريطانى ومحاربة القيادات الوطنية.
مانشيتات الجرائد!
- ويضيف إبراهيم بغدادى: وعموما فقد كانت الأوضاع الداخلية منهارة. جاءت حكومة حسين سرى وأجريت انتخابات اكتسحها الوفد وتم إجبار الملك على أن يتولى الوفد الحكم. ومن ناحية أخرى كان هناك العديد من الأشخاص والاتجاهات وراء ذلك ومنه مثلا بعض ضباط المخابرات الحربية مثل كمال رفعت ووجيه أباظة وكان هناك أيضا الإخوان المسلمون والجماعات الشيوعية ومصر الفتاة ورغم اختلاف الانتماءات لكنهم جميعا وقفوا وراء راية مصر والكفاح المسلح فى القنال. وبعيدا عن الوفد ككتلة وحكومة لها ثقل. كان الإخوان المسلمون ضد السراى والإنجليز والحكومة لأنه كان قد تم حل الجماعة أثناء حكومة النقراشى بعد اغتياله وكان الرد اغتيال حسن البنا والقبض على الإخوان المسلمين كما حدثت عمليات قبض على الشيوعيين كانت هناك حالة من عدم الاستقرار الشامل داخل مصر وكان ضباط البوليس مستائين ولأول مرة عملوا إضرابا وتجمعوا فى حديقة الأزبكية. كما حدثت حزازات بين ضباط البوليس وضباط الجيش.
■ نعود إلى يوم حريق القاهرة.. كيف كانت مانشيتات الصحف الصادرة فى صباح ذلك اليوم؟
- إبراهيم بغدادى: كانت مانشيتات جريدة «الأهرام» يومها على الصفحة الأولى تقول «الإنجليز يهدمون محافظة الإسماعيلية ويعزلون المدينة - استشهاد ٦٤ ضابطا وجنديا مصريا وإصابة ٢٠٠ وأسر ٢٠٠» أما على الصفحة الثانية فقد كانت العناوين تقول: «تقام فى الساعة الأولى والربع اليوم المأدبة الرابعة التى أمر صاحب الجلالة بإقامتها. ابتهاجا بمولد صاحب السمو الملكى الأمير أحمد فؤاد ولى العهد وأمير الصعيد» و«وجهت الدعوة إلى نحو خمسمائة ضابط من القوات المسلحة ومائتى ضابط من البوليس وخمسين من رجال الحاشية العسكرية الملكية» وأيضا «سيجرى فى ميدان عابدين فى الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم عرض عسكرى لقوات الحرس الملكى ويوليس القصور الملكية».. كانت هذه هى المانشيتات والتى أعتقد أنه كان ينبغى نشرها حدادا على أسر شهداء ضباط وجنود البوليس بالإسماعيلية.
مظاهرة البوليس!
■ أسأل إبراهيم بغدادى: كيف كان الموقف على أرض الواقع فى ذلك الصباح؟
- يقول: المؤكد أنه حدثت مظاهرات من رجال البوليس من ميدان محطة مصر اتجهت إلى حديقة الأزبكية. وقامت مظاهرة من عساكر بلوكات النظام من الجيزة التحمت بمظاهرات طلبة الجامعات والمدارس احتجاجا على أحداث ٢٥ يناير - اليوم السابق - بالإسماعيلية وانضمت إليها جماهير المواطنين اتجهت المظاهرات إلى رئاسة مجلس الوزراء. ومن لم يتظاهر من رجال البوليس اتخذ موقفا سلبيا من المظاهرات أما الجيش فقد كان داخل أسوار معسكراته وقياداته مدعوة للغداء الملكى فى قصر عابدين. وقد بدأ أول حريق فى كازينو بديعة بميدان الأوبرا حوالى الساعة ١٢ و٢٧ دقيقة. ثم اندلعت الحرائق متتالية بعد ذلك. وقد بلغ مجموع الحرائق التى نشبت والمحال التى دمرت والتى أحصتها النيابة ٧٠٠ محل تم حرقها فى ٨ ساعات فقط.
- يضيف إبراهيم بغدادى: اللافت للنظر أنه فى خلال ١٥ دقيقة فقط بين الساعة الواحدة والربع والساعة الواحدة والنصف. تم إحراق ١٠ محلات فى ربع ساعة فى مربع واحد بالقاهرة محصور بين شارع سليمان باشا وشارع ألفى بك. ومن بينها سينما مترو وسينما ريفولى وسينما ميلى وسينما ديانا ومطعم كورسال الباريزيانا ويكرفى كلوب وأجانس فورد المفوضية السويدية بشارع عدلى بنفس المربع.. أيضا بعد إخماد الحرائق تم العثور على صفائح بنزين وعلب بنزين صغيرة مما يستخدم فى تنظيف الملابس وملء الولاعات فهل كانت الغوغاء - كما يقال تحمل هذه الصفائح بالإضافة إلى البلط التى تم تحطيم أبواب المحلات والفاترينات بها. وأيضا لم يتم القبض على أى شخص من الذين اشتركوا فى عملية الحريق أما الذين تم القبض عليهم فقد حدث ذلك بسبب التحريض أو التجمهر.
■ أسأل إبراهيم بغدادى: مظاهرة البوليس. هل الذين قاموا بها كانوا من ضباط البوليس؟
- يقول: لا.. كانوا طلبة كلية البوليس الذين حطموا حجرة السلاح واستولوا على البنادق وقاموا بمظاهرة فى كلية البوليس من العباسية إلى حديقة الأزبكية والصحف لم تغط هذا الحادث وقتها بسبب الرقابة لكنى حققت فى هذه الواقعة مع الضابط النوبتجى فى كلية البوليس يومها وهو اللواء ممدوح سليم زكى وقد اتصلت به وأكد هذه الواقعة.
مقالات أحمد حسين
■ ماذا قال لك اللواء ممدوح سليم زكى؟
- قال: نعم طلبة كلية البوليس أخذوا السلاح وخرجوا فى مظاهرة بسبب شهداء ضباط البوليس فى الإسماعيلية فى اليوم السابق. قد اتصلت أيضا باللواء أحمد الوتيدى قائد نفس الواقعة وقال إن عساكر بلوكات النظام طلعوا مظاهرة تعاطفا مع شهداء بلوكات فى حادث الإسماعيلية من ميدان محطة مصر لغاية ميدان الأوبرا وكانوا شايلين على أكتافهم المرحوم اليوزباشى عبدالهادى نجم الدين قد أخذ رجال البوليس فى الشارع موقفا سلبيا تماما تجاه هذه المظاهرات قال لى واحد إنه رأى بعض الناس تهجم على محل «جاتينيو» وعساكر البوليس تتفرج عليهم بل إن البعض كان يمزق خراطيم المياه الخاصة برجال الإطفاء.
■وماذا عن اتهام أحمد حسين بالتحريض؟
- إبراهيم بغدادى: من سير تحقيقات النيابة والنائب العام تم توجيه الاتهام لأحمد حسين بالتحريض على الثورة واتهام فؤاد سراج الدين بوصفه وزيرا للداخلية بالتقصير فى التحقيق الذى أجرى بمعرفة النائب العام مع فؤاد سراج الدين بعد إعفاء حكومة الوفد، ذكر أن اللواء إبراهيم إمام رئيس البوليس السياسى لم يتصل به طوال اليوم لإخباره بتطورات الموقف رغم وجوده فى الشارع وبالرغم من أنه كان قبل ذلك دائم الاتصال به ليل نهار ولاتفه الأسباب وخلص إلى أن البوليس السياسى كان يخفى الحقيقة عن وزير الداخلية وحمل فؤاد سراج الدين بمسئولية عدم التصدى للمظاهرات بل ومنع رجال البوليس من التصدى لها. لكن فى الحقيقة كانت التحقيقات تستهدف إدانه أحمد حسين لكنه أثبت بشهادة الشهود أنه كان فى بيته طوال اليوم واستشهد بالراحل على ماهر. الذى اتصل به تليفونيا فى منزله وبشهود كانوا ضيوفا عليه فى بيته. وأنه لم يغادر بيته إلا فى الساعة الرابعة و٤٥ دقيقة بعد الظهر وأن الأقوال التى وردت على لسان بعض الشهود بأن أحمد حسين كان يتجول فى عربة سيتروين سوداء تحمل علم مصر أقوال غير صحيحة ملفقة من البوليس السياسى وإن كان هذا لا ينفى أن أحمد حسين بمقالاته النارية الثورية ضد الاستعمار والاستغلال والإقطاع والفساد كان لها أثر كبير فى إثارة الجماهير ضد الإنجليز والسراى وحكومة الوفد وقد برأت المحكمة أحمد حسين من تهمة التحريض على الحريق والقتل والإتلاف بسبب ما نشر فى صحف الحزب.
الشهود الأحياء
■ أقول لإبراهيم بغدادى: وماذا عن الملك فاروق؟
- يقول: كان ينبغى على المحيطين به أن يخبروه بأن الأحوال تستدعى تأجيل مأدبة الغداء مراعاة لمشاعر الشعب ومشاعر ضباط الشرطة وحدادا على أرواح الشهداء. لكن الذى حدث أن الملك ظل قاعدا فى غرفة الضباط. ولم تعلن حالة الطوارئ إلا بعد المغرب واحتراق القاهرة. بعدها نزل الجيش إلى الشوارع وفرضت الأحكام العرفية وأقيلت حكومة الوفد. فهل كان الملك فى حاجة لإحراق القاهرة ليقيل حكومة الوفد؟ طبعا لا لأنه أقالها قبل ذلك ثلاث مرات أو أكثر بدون أن يضطر لحرق القاهرة لكن المؤكد أنه كان سيئ التقدير لما يحدث فى البلد. وغير معقول أن أحدا لم يخبره فى الوليمة بأن القاهرة تحترق خاصة مع وجود بوليس السراى الذى كان يرأسه الأميرال أحمد كامل. وغير معقول ألا يسمعوا بخبر حريق القاهرة وبين عابدين وميدان الأوبرا مائة متر. من المؤكد أن الملك عرف بحريق القاهرة خلال المأدبة. فلماذا إذن لم يتخذ الإجراءات الفورية؟ هذا سؤال مهم. لأن المؤكد أنهم طلبوا من ضباط الجيش بعد انتهاء المأدبة العودة إلى ثكناتهم ومنازلهم من ناحية شارع حسن الأكبر والشوارع الخلفية بعيدا عن المرور بوسط البلد. وقد سمعت أن الذى أعطى هذا الأمر كان عثمان باشا النادى رئيس الأركان ومن ناحيتى أحاول الآن الاتصال ببعض ضباط الجيش الذين حضروا هذه المأدبة الشهيرة وما زالوا على قيد الحياة للتأكد من علم الملك أو عدم علمه بحريق القاهرة وماذا حدث فى سراى عابدين بالضبط!
■ أسأله: من هم الشهود الأحياء الذين يمكنهم إلقاء الضوء على حريق القاهرة؟
- يقول إبراهيم بغدادى: كثيرون.. منهم ضباط جيش وضباط بوليس.. ومنهم اللواء أحمد الوتيدى واللواء ممدوح سليم زكى والسفير صلاح شعراوى.. وأننى أطلب من هؤلاء ومن غيرهم من الشهود الأحياء الإدلاء بشهاداتهم حول هذه الواقعة الخطيرة فى تاريخ مصر. لأن واجب كل مواطن مصرى المساهمة فى كتابة التاريخ الحقيقى لبلاده.