الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"أردوغان" يقاتل لكسب أرضية سياسية.. معارضته الحالية الأعنف منذ توليه السلطة.. وتشتيت الانتباه خطته للمواجهة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأت اليوم الأحد فى تركيا انتخابات مزدوجة رئاسية وبرلمانية، ورغم أن شعبية الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ما زالت مفضلة لدى البعض، فإنه يواجه أكبر موجة معارضة له منذ توليه السلطة فى أول فوز انتخابى له عام ٢٠٠٢.
وقبل أسبوع من بداية الانتخابات، أولى أردوغان اهتمامًا متزايدًا بما يسميه استنزاف الإرهاب فى مستنقع شمال العراق، والذى يأتى فى وقت غريب ومتأخر للغاية، خاصة بعد أن غض الطرف عن تلك المناطق لسنوات عدة ومعسكرات حزب العمال الكردستانى فى جبال قنديل، إلا أنه الآن يقدم على مواجهة تلك المناطق، المشكلة فى الأمر أن حزب العمال الكردستانى لم يعد موجودًا هناك، ولا يوجد لتركيا ما يمكن أن تكسبه عسكريًا من خلال قصف الجبال القاحلة، لكن من الواضح أن أردوغان يفعل الكثير والكثير لتحقيق مكاسب سياسية من خلال مدخل تشتيت الانتباه.


استراتيجية التحول
شهد يوم الـ١١ من يونيو ٢٠١٨، قيام الجيش التركى بالعديد من الضربات الجوية على ١١ هدفًا مستهدفًا قواعد حزب العمال الكردستانى فى جبال قنديل، جاءت هذه الضربات بالتزامن مع قيام أردوغان بحشد مسيرات مؤيدة له فى مساء اليوم نفسه فى نيجدة وسط الأناضول، ومدينة بورصا، وهى منطقة صناعية ذات كثافة سكانية عالية تبعد ٦٠ ميلًا عن إسطنبول؛ حيث شكلت تلك المناطق فى يوم من الأيام معقله الأساسى فى حشد الأصوات الانتخابية، إلا أن الآن يبدو الأمر غير مستقرًا بشكل متزايد تجاهه؛ حيث تراجعت نسبة تأييده فى تلك المناطق بسرعة كبيرة، خاصة بعد أن شهدت انتخابات نوفمبر ٢٠١٥، فوزه فى مدينة بورصا بأكثر من من ضعفى تصويت أقرب منافسيه، لكن عندما نقارن المسيرات الداعمة له الآن نجد أن حملته الانتخابية فى المدينة شبه فارغة.
فى السنوات الأخيرة، أصبحت تلك المشاهد مألوفة لحملات أردوغان، على الجانب الآخر، هناك تحالف علمانى آخر فى مواجهة أردوغان، بقيادة محرم إينجة والقيادية القومية السابقة ميرال أكشنار والتيار الإسلامى المعارض بقيادة كرم ملة أوغلو، مما يقلل من فرص مكاسبه السياسية، وفى استطلاع حديث أجرته إحدى شركات الاقتراع فى تركيا، أظهرت النتائج أن ٥١٪ من العينة أن الاقتصاد هو الشاغل الرئيسى، بحيث جاء الأمن فى المرتبة الثانية بنسبة ١٣.٤٪. 
وإذا كان أردوغان سيفوز، فإنه يعلم أنه بحاجة إلى تغيير حسابات الجمهور إذا استطاع أن يحقق الأمن فى مقدمة أذهان الناخبين، وبذلك يمكنه استعادة جزء من شعبيته الانتخابية أمام المعارضة فى الانتخابات الرئاسية، إلا أنه قد يخسر البرلمان وربما أيضًا الانتخابات الرئاسية، ومن ثم الرئاسة الإمبراطورية التى كان يطمح إليها بشدة.
إن عملية «قنديل» ما هى إلا عرض درامى لكيفية تحويل ثانى أكبر جيش فى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى أداة سياسية لتحقيق طموحاته.

وفى يونيو ٢٠١٥، انهارت هدنة أردوغان مع حزب العمال الكردستانى، وساعدة فسخ هذا الاتفاق وعودة الأعمال العدائية من جديد إلى تحقيق فوز سهل فى الانتخابات التى أجريت فى يوليو ٢٠١٦، أى بعد خمسة أشهر من إعلان إلغاء الاتفاق مع الأكراد ومحاولة الانقلاب الفاشل الذى يعتقد أردوغان أنه تم تنظيمه من جانب رجل الدين التركى الموجود فى بنسلفانيا فتح الله جولن، حليفه القديم الذى تحول إلى عدو، تبع ذلك إعلان أردوغان عن عملية درع الفرات داخل سوريا كامتداد لتوظيف تدخلاته العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية.
وفى يناير ٢٠١٧، قبل ثلاثة أشهر من الاستفتاء الرئاسى، كامتداد لعملية درع الفرات العسكرية فى سوريا، استخدم أردوغان نفس الحيلة مرة أخرى، وهذا يعنى أن هذه العمليات لم يكن لها أى ميزة لحماية الأمن القومى التركى، بيد أن توقيتها وتنفيذها يمكن أن يتم تحديده من قبل الحسابات السياسية لأردوغان أكثر من كونه ضرورة عسكرية.
وبالنظر إلى الجهود التى بذلها أردوغان منذ فترة طويلة للسيطرة على الجيش، فإن هذه العمليات لم تكن مفاجأة، فابتداءً من أواخر عام ٢٠٠٠، بدأت تركيا حملة تطهير جماعى مع محاكمتى إيرجينيكون وباليوز، والتى اتهم فيها تحالف من كبار الضباط العسكريين ووسطاء السلطة العلمانيين بالتآمر للإطاحة بالحكومة المنتخبة فى البلاد.

وهناك العديد من الأمور الناقدة لمثل هذه التصرفات فى وصف هذه المحاكمات بالاستعراضية على النمط السوفييتى، فى حين هاجمهم العديد من الخبراء القانونيين هذه الإجراءات بأنها ملفقة بالأدلة المريبة، ومع ذلك حُكم على مئات من العلمانيين البارزين فى تركيا بما يتضمن أيضًا ضباطًا مثل رئيس هيئة الأركان السابق «إيكلر باسبوج» بالسجن فى أكثر من اثنتى عشرة لائحة اتهام مختلفة، كما تم فصل وسجن العديد من جنرالات الجيش والبحرية والقوات الجوية.
الجدير بالذكر، أن أردوغان وجولن كانا معًا فى ذلك الوقت أثناء حملة أردوغان ضد المؤسسة العسكرية التى لم تكن لتنجح أبدًا دون جولن، حيث المحققون الموالون له هم من يديرون التحقيقات، والذين كان لهم الدور الكبير فى كتابة لوائح الاتهام وقرارات القضايا، ثم بدأ التحول الآن فى موقف أردوغان الذى اعتاد أن يتهم كل من ينتقده بأنه يتبع حركة جولن فى تلك الأثناء.
الغريب فى الأمر، أن هذا لم يحدث إلا فى أواخر عام ٢٠١٣، بعد أن أصدر المدعون العامون، وهم نفس الأشخاص الذين ترأسوا محاكمتى إرجينكون وباليوز، مذكرات توقيف بحق عشرات المشتبه بهم فى قضايا فساد متعددة؛ حيث وجهوا الاتهامات إلى من هم فى دائرة أردوغان الداخلية بمن فى ذلك أولاده وأربعة من وزرائه والمديرون التنفيذيون للبنوك المملوكة للدولة.
غيَّر أردوغان لحنه تجاه جولن بعد أن كان يطارد العلمانيين وأفضل صديق لجولن، إلا أنه وعندما جاء من أجله أصبح أسوأ عدو لهم على عكس ما كان عليه جولن قبل ذلك فى وجهة نظر أردوغان.
كل ذلك لم يحدث فى الغرف المغلقة، ولم يكن سرًا؛ حيث كان هناك العديد من التحذيرات من ذلك، ففى عام ٢٠١١، حيث استقالت القيادة العليا التركية بالكامل، مثل الجنرال إيزك كوسانير، رئيس هيئة الأركان العامة، بالإضافة إلى قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية، بسبب مواقفهم من هذه المحاكمات الشكلية بعد ذلك بعامين استقال الأدميرال نوسرت جانر، احتجاجًا قبل أسابيع فقط من ترقيته إلى المنصب الأعلى فى البحرية، كما فعل العديد من ضباط البحرية الآخرين.
خارج الثكنات؛ حذرت العديد من الشخصيات مثل رئيس المخابرات السابق فى الشرطة حنفى افسى والصحفى أحمد سيك ونشروا العديد من الأوراق المتعلقة بتعاون أردوغان وجولن للقضاء على خصومهم العلمانيين، ليجدوا أنفسهم خلف القضبان، فكل هذه التحذيرات سقطت على آذان صماء فى ظل التهليل باعتقادهم الزائف بأن أردوغان يدفع الجيش فقط للخروج من العملية السياسية، ولكن فى الواقع كان هدفهم جعل الجيش أداة لتفضيلاتهم السياسية.

أردوغان وجولن 
سمح التقارب الذى يرعاه أردوغان لضباط جولن بالتمكين كما لم يحدث من قبل، وعندما اختلف الاثنان، واجه الضباط العديد من المشكلات من حيث الولاء؛ حيث إنهم أصبحوا فى مواجهة معضلة الاختيار بين أردوغان وجولن، خاصة بعد ترقية العديد من القيادات العسكرية والذين يصل عددهم ٦٣ من أصل ١٢٣، خاصة بعد عمليات التطهير التى قام بها أردوغان لمواجهة العلمانيين، هذه الأرقام ليست سوى غيض من فيض، فهناك العديد من الضباط الآخرين المنتسبين إلى جماعات إسلامية أخرى.
ضباط إسلاميون حاربوا ضباطًا علمانيين للسيطرة على الجيش التركى، وفازوا، ثم انقلبوا على بعضهم البعض، وظهر أردوغان على القمة الآن، ما تبقى وراء ذلك هو أن العسكريين مدينون بالكامل لأردوغان، حيث إن كبار قادتهم يديرون مهماته السياسية، كما كان الحال من قبل عندما استدعى رئيس الأركان العامة «خلوصى أكار»، للتحدث مع الرئيس السابق «عبدالله جول» عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولا يمكن لأى جنرال الحكم على أفضل ما يمكن لتركيا دون النظر أيضًا فى أفضل ما يمكن لأردوغان ليس إلا إذا كانوا يبحثون عن التقاعد المبكر. وهذا ما يفسر العلاقة بين الجيش التركى وأردوغان وما يتضح الآن من المضى قدمًا جنبًا إلى جنب مع خطط أردوغان، ولم تعد قضية جبال قنديل هدف أردوغان حول ما يتعلق بمهاجمة مقر حزب العمال الكردستانى، والذى انتقلت معظم قواته شرقًا منذ فترة طويلة فى المناطق التابعة لها أو فى الشمال السورى والحدود العراقية السورية.

الأكراد والولايات المتحدة
يعتبر الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة فى سوريا، وكان الأكراد فى طليعة القتال بجانب واشنطن ضد الدولة الإسلامية، ورغم إعلان واشنطن وقف دعم المقاتلين الأكراد، لكن من الصعب قطع العلاقة بينهم نهائيًا، خاصة فى ظل عدم التحقيق الكامل لأهداف الولايات المتحدة فى المنطقة؛ حيث لا يزال الأكراد يشكلون جزءًا كبيرًا من خططها لتحقيق تلك الأهداف، وعلى ذلك فإن تركيا متخوفة من تلك العلاقة خاصة فيما يتعلق بطموحات إقامة دولة كردية على الحدود الجنوبية لها.
فى الوقت نفسه، لا بد من مواجهة الحقائق خاصة المتعلقة بتخلى واشنطن عن الأكراد لمجرد أن أنقرة طلبت منها ذلك، ولن يتخلى الأكراد السوريون عن تطلعاتهم لإقامة دولة عندما يتمتعون بالفعل بحكم ذاتى فعلى فى أكثر من ربع الأراضى السورية، ويسيطرون على العديد من حقول النفط الرئيسية، مثل تاناك وعمر وشادادى والسويداء،
علاوة على ذلك، لو كان أردوغان جادًا بشأن التشدد على حزب العمال الكردستانى، لكان استهدف الأماكن التى يسيطرون عليها، إلا أنه قام بتفجير الجبال القاحلة، ذلك لأن النجاح الذى يسعى إليه سياسيًا، وليس عسكريًا، كما يهتم أردوغان أكثر من ذلك بالفوز فى صناديق الاقتراع أكثر من اهتمامه فى ساحة المعركة.