الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"المرجع" .. تواجه الإرهاب والإخوان في أوروبا بكل لغات العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى إطار أنشطة مركز «دراسات الشرق الأوسط» فى باريس، برئاسة النائب عبدالرحيم على، صدر عن المركز مجلة «المرجع» الشهرية، بأربع لغات، هى: العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، كمجلة فكرية متخصصة فى قضايا الإسلام السياسى، ولتكون أداة لتحليل وفهم التهديدات المعاصرة لجماعات الإرهاب.. وذلك فى إطار مشروع جديد لمركز دراسات الشرق الأوسط، يتضمن إلى جانب المجلة، موقعًا إلكترونيًا باللغات الأربع، وكراسة شهرية باللغات الأربع أيضًا، وقد صدرت الكراسة الأولى تحت عنوان «مخاطر الفكر الإخوانى على قيم الحضارة الغربية»، كتبها عبدالرحيم على، كما يستعد المركز لإصدار كتاب دورى باللغات الأربع كل 3 شهور، وذلك إلى جانب ندوات ومؤتمرات يعقدها المركز فى أنحاء الدول الأوروبية كافة.

وتنشر «البوابة»، على هذه الصفحة، افتتاحية العدد الأول، والذى شرح فيها رئيس مركز «دراسات الشرق الأوسط»، أهمية هذا المشروع المتكامل، كما تنشر دراسة الباحث والخبير الأمنى الفرنسى رولان جاكار، والتى جاءت فى العدد الأول من مجلة "المرجع"


رولان جاكار يكتب.. الإرهاب ما بعد «داعش»

انفجار الفقاعة السورية العراقية ينهى خلافة التنظيم الإرهابى الزائفة 7 مليارات دولار غنيمة التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق «الموجة العارمة 2» حرمت «داعش» من تهريب نفط بمليونى دولار فى اليوم

كلمة «داعش»، المصبوغة بسخرية صريحة، فى الأصل، هى مأخوذة من العبارة العربية المختصرة لاسم المنظمة الإرهابية «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وهذه الكلمة دخلت فى غضون عام واحد فقط فى اللغة الشائعة واليومية لمعظم دول العالم.

ومن خلال ضربتين، فى قلب باريس، ثم فى بروكسل، تمكنت هذه الذراع الجديدة للجهاد العالمى أن تجذب انتباه الناس، وتحتل واجهة المشهد الإعلامى الدولي.

إلا أن هذا الاقتحام المَهيب والمُرَوّع لحياة العالم ولغته، يعيد للأذهان تنظيمًا جهاديًا سابقًا شبه مُماثل، ظهر قبل أربع سنوات، ألا وهو «أقمي» وهو الاختصار لتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي.

وبنجاحها فى اختطافها الجريء لسبعة موظفين للشركة النووية الفرنسية العملاقة «أريفا» واحتجازهم كرهائن فى سبتمبر ٢٠١٠م، لقد احتل فرع منظمة بن لادن فى منطقة الساحل المغاربي، اللغات العالمية والعقول لشهور عدة إلى حد التغطية على التنظيم الأم.. «القاعدة».

وكما كان الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي، فإن «داعش» فى أعقاب أخذها لرهائن شركة «أريفا»، قد وصلت إلى ذروة سمعتها المرعبة، من خلال الهجمات الدموية التى ارتكبت فى باريس وبروكسل.

ولكن مثلها مثل تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى فى ذلك الوقت، ليست داعش سوى «فقاعة» عابرة ومبالغ فيها، وبهذا السبب فإن الخلافة الزائفة، التى أنشأها من خلال إعلان نفسه «الدولة الإسلامية»، هى مَهيبة ومُخيفة ومُكَبّرة؛ كما هو شأن أي «فقاعة» حسب تعريفها؛ إلا أنها مُؤقتة وخاطفة.


الخلافة الزائفة

من يتذكر أو يهتم اليوم بالقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، الذى كان تنظيمًا مُرْعِبًا، بعد خمس سنوات من صعوده المثير وأسطوله المكون من «أمراء الصحراء»، والذى كان على كل لسان فى الفترة ما بين عام ٢٠١٠م وعام ٢٠١١م

من سيتذكر فى المستقبل تنظيم الداعش البغيض وجحافله المشبهة «بالخمير الأحمر الجهادي» بعد انفجار الفقاعة السورية العراقية، عملت كحاضنة للموجة الجهادية المتدفقة من جميع أنحاء العالم لتنضم إليه، ولزيادة عدد صفوفه؟

واستفاد «داعش» بالتأكيد بشكل كبير وعلى نطاق واسع، من الفوضى التى ولدت من ثورات «الربيع العربي»، ووضعت يدها على أراضٍ واسعة وخصبة، غير متناسبة مع الشريط الساحلى الصحراوى الواسع الذى احتلته القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. كما وضعت يدها على ترسانة كبيرة من المعدات الحربية، بما فى ذلك مئات من قطع المدفعية والدبابات وحتى الطائرات المقاتلة، وأيضًا على مبالغ مالية ضخمة، التى لم تحصل عليها من قبل أى منظمة إرهابية، ووصلت الغنيمة التى جمعها داعش منذ الاستيلاء على الموصل بالعراق وإعلان خلافته المزعومة تقدر بـ٧ مليارات دولار.

ومع ذلك فإن الهجمات فى باريس يوم ١٣ نوفمبر ٢٠١٥م، التى أعطت داعش هالته العالمية، هى تلك التى نالت من خلافته الزائفة المزعومة!

لا خلاف أن هذه المُفارقة تذكر بالنكسة القاتلة التى تعرضت لها القاعدة ببلاد المغرب الإسلامى، فى أعقاب عملية الاختطاف المجيدة للرهائن من شركة «أريفا»، والتى أشاد بها أسامة بن لادن نفسه.

وفى الواقع، فإن الشُهرة الإعلامية الهائلة والمكاسب المالية غير المتوقعة التى حصلت عليها الكتائب الساحلية التابعة للقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، من خلال عملية أخذ رهائن شركة «أريفا»، قد عززت مركزها فى تنظيم القاعدة الأم، وذلك على حساب التسلسل الهرمى المباشر لها، والتى تأخذ مقرها فى شمال الجزائر، وهذا قد غذى لدى «أمراء الصحراء» طموح غزو أراضٍ أكبر، والاستيلاء عليها.

وهكذا فقد شنوا هجومهم على مدينة «باماكو» عاصمة «مالي» فى يناير ٢٠١٣م؛ ما أجبر فرنسا على الرد بالعملية العسكرية المعروفة بـ«سيرفال»، التى من شأنها أن تؤدى إلى القضاء على الحرم الجهادى للمُنظمة فى منطقة الساحل.

وبالشكل نفسه، فإن الهجمات التى وقعت فى ١٣ نوفمبر ٢٠١٥م أدت بالتأكيد إلى إبراز صعود تنظيم داعش، وساعدت على توسيع صفوفه بمئات عدة من المُجندين الجهاديين، خاصة الذين جاؤوا من أوروبا والمغرب العربي، لكن لها أيضًا تأثير مضاعف فى كسب الولاء من قِبل مُجاهدى الجماعات الجهادية من جنسيات مختلفة، والذين اختاروا الانضمام إلى الخلافة الزائفة لداعش؛ ليُقدموا من تلقاء أنفسهم أراض جديدة للجهاد.


عولمة داعش

هذه التجمعات التلقائية لم تستغرق وقتا طويلًا لتوجد داخل داعش الطموح، بأن يصبح ذو طابع عالمي، وهكذا أخذ أبوبكر البغدادي، الخليفة المزعوم الذى نصَّب نفسه بنفسه، يثبت أذرعه فى المناطق النائية، دون التواصل الجغرافى مع دار الخلافة (فى الشام والعراق).

وتلك الأراضى تمتد من نيجيريا إلى إندونيسيا، مرورا بـ«القنبلة الليبية»، التى شهدت إعلان داعش الرسمي لإمارته الثانية فى سرت، ومن هذه الأراضى أيضًا القوقاز؛ حيث «جُند الخلافة» الذين يغذون الطموح لوخز كعب أخيل للعملاق الروسي!

وهذه العولمة السريعة لداعش سببت «أضرارًا جانبية» كبرى، وهي: خلق «جيل تلقائي» من المرشحين للجهاد، الذين أقاموا من تلقاء أنفسهم ذراعًا مسلحة للخلافة الداعشية فى الغرب، ويمثلون شكلًا غير مسبوق لـ«إرهاب منخفض التكلفة المالية»، الذى يستنبط مفهومه من «حالة الموت» العدمية من كونه «الحرب المُقَدسة» التقليدية؛ السلفية الجهادية.

هذا الفكر الجهادي العدمي- الذى روي، فى معظم الأحيان، من خلال الدوافع الاجتماعية والنفسية والمتصلة أيضًا بالهوية، وبلا صلة مباشرة مع الواقع الدينى - اتخذ أسلوب عمل خاص «بهذا الفيلق الأجنبي» الداعشي، الذى خلق ظاهرة مُرعبة للجهاد بالتواصل المُستمر من خلال تكنولوجيا المعلومات (أوبرة الجهاد إشارة إلى مجموعة من الأنظمة الجديدة فى الاقتصاد التى تسمح للمنتجين والزبائن التواصل تلقائيا باستخدام التقنيات الحديثة uberisation)، مثل استخدام شبكات أقل تطورًا، والتى تقتصر مكوناتها غالبًا على خلايا أُحادية، والمعروفة لدى وسائل الإعلام بـ«الذئاب المنفردة»؛ التى تنتهج وسائل وأساليب عمل بدائية غير المتوقعة، وهذا يزيد من صعوبة الكشف عن أعمالهم أو توقعها من قِبل هيئات مكافحة الإرهاب.

وبالوصول إلى هذه النقطة فإن هذا «الإرهاب منخفض التكلفة»، الذى ليس له أي هدف سياسي، واستحق بجدارة وأكثر من أى وقت مضى وصف «الأعمى»، تمكن من ترويع الناس، وبث الرعب فى قلوبهم بشكل غير مسبوق.

ولأن هذا النوع من الترويع الموصوف بـ«الإرهاب البدائي»، والذى صبغ بالارتجال والهواية، يتدخل فى كل تفاصيل حياة الناس، ويستهدف شئونهم اليومية، ويهدد بشكل لم يحدث من قبل الحرية والعفوية اللتين تميزان أسلوب الحياة الغربي.

ومع ذلك، فإن تأثير تعامل داعش بأساليب بغيضة وكريهة كـ«أوبرة» الجهاديين لإرهاب الناس، كان بمثابة سلاح ذو حدين أساء لهذا التنظيم؛ ففى الوقت الذى زادت فيه قوة إزعاج أذرعه الأجنبية عشرة أضعاف، فإن ذلك أسهم إلى حد كبير فى تضييق الخناق حول خلافته المزعومة.

والواقع أن قوة الإزعاج الداعشى المتزايدة التى شنت الحرب على الغرب سرعان ما أفسحت المجال لترك الاختلافات فى الآراء، والتكالب على المصالح التى كانت تمزق القوى العظمى الإقليمية والعالمية منذ اندلاع الأزمة السورية.

وهكذا وُلد إجماع دولي واسع النطاق، يعتمد على ضرورة قيام معركة ضد داعش قبل ما تنمو مخالبها لسفك الدماء، وبث الرعب فى القلوب بارتكاب هجمات جديدة مدوية وواسعة النطاق.


انتهاء الأسطورة.

وفى ١٥ نوفمبر ٢٠١٥م، وبعد يومين فقط من هجمات باريس، أطلقت عشرات الطائرات الحربية الفرنسية، وللمرة الأولى، غارات مُكثفة على مُعسكرات ومراكز قيادة وتدريبية لداعش فى قلب الرِّقة، عاصمة الخلافة الزائفة.

ومنذ ذلك الحين، يقوم ائتلاف مُكون من دول عدة غربية وعربية بشن هجمات جوية ضد معاقل داعش فى سوريا والعراق، فى حين كانت هذه الغارات فى السابق تقتصر فقط على الجزء الذى كانت تحتله داعش من الأراضى العراقية.

وفى ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ أعلنت المملكة العربية السعودية بمباركة كل من الولايات المتحدة وفرنسا تشكيل تحالف من ٣٤ دولة مسلمة، أعلنت استعدادها لإشراك قواتها البرية فى الحرب على داعش؛ لتعزيز غارات التحالف الدولي، وذلك فى ظل الإحجام الغربي عن إرسال قوات على الأرض لطرد التنظيم، مما تبقى له من معاقل فى سوريا والعراق، وتحطيم ما يسمى دولة الخلافة المزعومة.

وعلى جانب آخر، نجد أن دخول روسيا الحرب، الذى تم الإعلان عنه رسميا فى ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥، قد أسهم فى توجيه ضربات أكثر قسوة لداعش فى سوريا. ويعود الفضل فى ذلك إلى الغارات الجوية التى تم تنفيذها بالتعاون الوثيق مع القوات البرية للجيش النظامي السوري، بدعم من حزب الله اللبناني وميليشيات الحرس الثورى الإيراني.

وهكذا تم تدشين عملية «الموجة العارمة ٢»، فى ١٥ نوفمبر ٢٠١٥، من خلال سلسلة من الضربات التى دمرت ١١٦ شاحنة تحمل موادا بترولية مهربة، لصالح داعش، فى منطقة بوكمال السورية، على الحدود العراقية.

وبالاستهداف المنتظم لتلك القوافل التى تنقل نفط داعش إلى تركيا المجاورة، خفض التحالف الدولى بشكل كبير الموارد المالية للخلافة الزائفة؛ ما حرمها من موجة هائلة من النفط، والتى كانت تجلب لها أكثر من مليونى دولار فى اليوم الواحد. تم إنهاك داعش ماليا، وتعددت هزائم التنظيم العسكرية، كما بدأت أراضى ما يُسمى بالخلافة فى الانكماش السريع بشكل مُطرد وفقد التنظيم على التوالى مناطق: كوبانى (٢٧ يناير٢٠١٥) وتكريت (٣١ مارس) وجبل سنجار (١٢ نوفمبر) والرمادى (٢٨ ديسمبر) والشدادى ( ١٩ فبراير ٢٠١٦) وتدمر (٢٧ مارس) والفلوجة (٢٦ يونيو) ودابق (١٦ أكتوبر).. حتى تم تحرير الموصل فى ٩ يوليو ٢٠١٧، وهى المدينة التى كان سقوطها فى يونيو ٢٠١٤ بداية لتأسيس الخلافة الداعشية فى العراق. واستمرت هزائم داعش فى تل عفار والحويجة فى العراق ودير الزور فى سوريا، ثم جاء استرداد الجيش العراقى لمركز القائم الحدودي، وهو أمر ذو دلالة رمزية كبيرة، فقد كان تدمير هذا المركز من قِبل داعش هو العمل المؤسس لما يُسمى بالدولة الإسلامية، والذى كان التنظيم يطمح من خلاله إلى إلغاء الحدود الموروثة من اتفاقات «سايكس بيكو» لإعادة الخلافة.

ثم جاء استرداد الرّقة عاصمة داعش المعلنة، وبذلك تم الانتهاء من تقطيع أواصل دولة الخلافة المزعومة لداعش؛ ما جعل انفجار فقاعة داعش أمرًا لا مفر منه. هذا الانفجار أزاح همًا كبيرًا بطبيعة الحال، ولكنه لم يجلب سوى الأخبار الجيدة فقط.


ما بعد داعش

إن تدمير ما يُطلق عليه اسم الخلافة هو بلا شك عنصرًا حاسمًا إذا أردنا استعادة السلام، واحتواء مخاطر الحروب الأهلية فى العراق وسوريا وليبيا.

أما على صعيد التهديد الإرهابي «المُعَوْلم»، فسيكون لتفكك داعش تأثير مختلف تمامًا. فكل التنظيمات الجهادية التى سبقته منذ الحرب ضد السوفييت فى أفغانستان (١٩٧٩ - ١٩٨٩)، سينتقل فيلق داعش الأجنبى بعد خسارة أراضيه من مرحلة التدفق إلى مرحلة الارتداد.

شهدت المرحلة الأولى تدفق عشرات الآلاف المُرشحين للجهاد من جميع الدول، ابتداء من صيف عام ٢٠١٤؛ للانضمام إلى ما يُسمى بالخلافة. ثم أدى تدمير «حاضنة» داعش فى العراق وسوريا إلى الدخول فى مرحلة جديدة، وهى مرحلة الارتداد؛ حيث توقف تمامًا تدفق الجهاديين إلى العراق وسوريا، لتحل محله هجرة عكسية للجهاديين الذين نجوا من الضربات العسكرية، بحثًا عن ملاجئ جديدة، للهروب من مطاردة الشرطة التى هجمت عليهم.

وفى هذا الملف يتنبأ اثنان من الجهاديين السابقين بالأسوأ الذى يمكن أن يحدث فى البلاد الأصلية لهؤلاء الجهاديين، الناجين فى حقبة ما بعد داعش، ويرى المراقبون أن «الإرهاب منخفض التكلفة» له قوة إزعاج مرعبة. لقد أتاحت سياسة «الأوبرة» التى انتهجتها داعش سمحت لبضع عشرات من الجهاديين الجدد الذين عادوا إلى أوروبا بشن هجمات دموية كهجمات باريس وبروكسل ولندن وبرشلونة. إن ما يمكن أن يحدث فى ضوء عودة آلاف الجهاديين، ذوى الأصول الأوروبية إلى القارة القديمة بعد انفجار «فقاعة» داعش، يرعب الحكام وأجهزة مكافحة الإرهاب الأوروبية.