الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كُنا فين.. وبقينا فين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل الإجابة عن السؤال، حاول العودة إلى الذكريات المؤلمة التى عيشناها جميعًا مُنذ عام ٢٠١١، وغمِض عينيك واسترِجِع الماضى على طريقة «الفلاش باك».. سترى أننا كُنا نعيش فى ظلام، وظل الظلام سائدًا، والعتمة والضباب ينتشران، والخوف يُحيط بِنَا من كل جانب، والإنقسام يُهدد أُمَّة ظلت تتباهى على مدار تاريخها بأنها «عصية على الفُرقة»، كانت الفِتنة تُطل برأسها علينا ولا يمُر يوم إلا ونستيقظ على فِتنة وراء فِتنة.. كُنا خائفون على بلدِنا، حائرون، عاجزون، مُنكسرون، مُقيدون، مُكبلون، لا نستطيع الحديث مع أُناس يُكفروننا كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة بل كل ثانية إذا اختلفنا معهم ولم نسِر فى رِكابهم، حياتنا كانت مرار من فِكِرِهم وتطرِفهم، لم نعُد نطيق جلساتِهم ونقاشِهم وحوارِهم وطريقتهِم فى الإختلاف معنا، كُنا مُختلفين معهم كل الإختلاف، وتحول اختلافنا معهم إلى خلاف شديد، وخلافُنا معهم زاد وإتسع حينما رأيناهُم يتخلون عن الوطن ويُبيعونه بأرخص الأثمان لـ«قطر»، كانوا يكرهون مصر وتُراب مصر، نعم كانوا يكرهون الوطن ويعتبرونه «حِفنة من التراب العفن»، تورطوا فى حرق أقسام الشرطة والمحاكِم واقتحموا السجون، وظهرت أطماعهم التى تتلخص فى الوصول للسُلطة بأى طريقة حتى لو أشعلوا النار فى مصر وأحرقوها.
كان يحكُمنا تُجار الدين، الملعونون ليوم الدين، إنهم المُتطرفون القُطبيون الفاشلون، وجدناهُم مُزورين، وأداة فى يد الأمريكيين، وعرفناهُم مُتخابرين، ومعِقِلًا للإرهابيين، ولم يراعوا الله فى المصريين، تركوهم ضائعين، للأمل فاقدين، وعن المُستقبل معميين.. كانت شوارعنا فوضى، وحياتنا فوضى، والقانون فى إجازة طويلة لا نعرف متى تنتهى؟ والشرطة لا تجد من يأخُذ بيدها، والجيش فى موقف صعب، والعدالة غائبة، والثقافة ضائعة، وقضايا الوطن الحيوية فى أيدى غير أمينة وغير مسئولة وغير واعية وغير مُدرَكة للمخاطر والتهديدات التى تحيط بمصر.. كان «الأزهر» يُعانى الآمرين بعد تدخُلاتهم فى شئونه، وشهدت «الكنيسة» إعتداءات من تكفيريين لا عقل لَّهُم.
كُنا فين من ٥ سنين؟ كان وقتُها رئيس مصر لا يهتم بالمواطنين ولا يُبالى بمصلحة الوطن، وترك الإرهابيون يتجولون ويقيمون مُعسكرات التدريب فى شمال ووسط سيناء، وتواصل معهم وخطط معهم وتعاون معهم.. ووضع يده فى يد الحرس الثورى الإيرانى لإنشاء (شُرطة وجيش ومخابرات) موازيي، وأراد إن يُأخوِن مصر ويجعلها تركع تحت أقدام المُرشد، لكن حاشا لله أن (تركع مصر).
كُنا نرى التكفيريين ومعهم السلاح الآلى مُنتشرون فى كل مكان، شكلوا لجانًا شعبية لتفتيش المواطنين فى الشوارع، روعوا الآمنين، هددوا المُسالمين، عادونا وحاربونا وقالوا لنا: سنسحقكُم، لمُجرد أننا اعترضنا عليهم وعلى تصرفاتهم وقراراتهم وسلوكهم وفِكرِهِم وخططهم ومؤامراتهم.. لم يُكن لهم هدفًا إلا السيطرة على مُقدرات البلاد، وتسليمها «تسليم مُفْتاح» جاهزة للقطريين والأتراك والإيرانيين، بعد أن سيطروا على البرلمان، وصاغوا دستورًا خاصًا بهم لتنفيذ «خطة التمكين» التى جهزوها لكى يحكُموا مصر مدى الحياة.
كُنا فى أزمات كبرى، أهمها على الإطلاق، من وجهه نظرى، ما قامت به جماعة الإخوان من عمليات تزوير بطاقات الرقم القومى وإعطاء الجنسية لآلاف من الفلسطينين، والإعلان عن موافقتهم على مُخطَّط تبادُل الآراضى لتأسيس «غزة الكبرى».. كُنا أمام كابوس فظيع، فالمُستقبل ضائع، والطريق مجهول، ولم نفِق مِن هذا الكابوس إلا ونحن نقف أمام وزارة الدفاع قبل أسبوع من ٣٠ يونيو ٢٠١٣ حينما كُنا نهتف (واحد اتنين.. الجيش المصرى فين؟) و(انزِل يا سيسى)، لم يكُن فى مقدورنا فِعِل شيئًا سوى التظاهِر واللجوء للجيش العظيم الذى ينبض بما ينبض به المصريين، وكُنا على يقين من أن قواتنا المسلحة لن تخذِلُنا أبدًا وستحمينا من الغوغائيين الإرهابيين
ومع العد التنازُلى لـ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بدأت العتمة التى عيشناها تنقشِع، وبدأت ملامح النور تظهر وتتجلى، كانت قلوبنا صافية تجاه الوطن الذى غاب عنا لسنوات، ووجهنا صلواتِنا وسجداتِنا وركعاتِنا ودعواتِنا لرب العِزة سبحانه وتعالى بأن يحفظ مصر ويحميها من أحفاد حسن البنا وتلاميذ سيد قطب، قُلناها بصوت عالٍ: هانرجع مصر من تانى.. والحمد لله، عادت مصر مِن تانى، لكنها عادت مُنهكة، مريضة، تتألم، تنِزِف الدماء، شايله فوق طاقتها.. وقُلنا تانى: سنُداوى جراح مصر، وهانشيلها على أكتافنا.. وبدأنا المشوار من أول وجديد، مشوار إصلاحِها بأيدينا، لكنهم لم يتركونا نمشى فى طريق الإصلاح، واستهدفوا جيشنا وشُرطتنا وقضاءنا، فجروا الكمائن والكتائب ومديرتى أمن القاهرة والدقهلية، ودفع الأبطال ثمن استقرار مصر وسلامتها، استُشهد خيرة شباب مصر لكى نعيش ونحيا حياة آمِنَة دون إرهاب وتطرُف.
هُنَا فى هذه اللحظة، سينتهى «الفلاش باك»، وهانفتح عينينا، وسنوقِف العودة للماضى.. كفاية. وسننظُر حولِنا ونُمِعِن النظر، لنرى مصر الجديدة، التى تغيرت واختلفت، وتبدلت صورتها تمامًا، فقد عادت مصر فتِية، عفية، قوية، آمِنَة، مُستقِرة، تقول لا لأمريكا فى مجلس الأمن، وتحتفظ بعلاقات مُتوازنة مع الدول الكبرى، وتُدافع بقوة على القضية الفلسطينية، والمشروعات القومية فى كل مكان، ودارت عجلة الإنتاج، ويُحاكم وزراء ومحافظين وقيادات كبرى، وأطلقت يد الأجهزة الرقابية لحماية المال العام، وعادت الشرطة تُحافظ على الوطن وتتصدى للإهاربيين، وجيشنا يُنفذ العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨ بكل بسالة وبطولة وفداء، واقتصاد يتعافى بشهادة دولية.. ووضعنا أيدينا فى يد الأشقاء العرب فى السعودية والإمارات والبحرين لمحاربة الإرهاب ومواجهة التدخُل القطرى فى الشئون الداخلية للبلدان العربية، وظهرت مصر القوية أمام العالم.. هذه هى الصورة التى وصلنا إليه الآن، لعلها تكون إجابة شافية ووافية لِكُل من يسأل: كُنا فين.. وبقينا فين؟