الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

من هو ساويرس الأنطاكي الذى أهدى البابا تواضروس رفاته إلى لبنان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثناء رحلته الأخيرة إلى لبنان أهدى البابا تواضروس الثاني إلى الكنيسة السريانية جزء من رفات القديس ساويرس الانطاكي، وشارك في صلوات تدشين الكنيسة التى تحمل اسمه.
فمن هو ساويرس الانطاكي وماهي قصة حياتة وعلاقته بمصر.
وُلد ساويرس في سوزوبوليس من أعمال بيسيدية بآسيا الصغرى حوالي عام 459 م. 
وعندما صار شابًا أرسلته والدته الأرملة ليكمل هو وأخواه اللذان يكبرانه دراسته في العلوم والفلسفة واللغة بالإسكندرية ثم انطلق إلى بيروت يدرس العلوم القانونية. هناك كان موضع إعجاب كل زملائه من أجل صلابة طبعه وجده في الدراسة وذكائه، ففاق الجميع بمعرفته وانطلاقه وتعمقه في دراساته. وتوقع الجميع ما سيكون عليه من عظم شأنه.
يذكر عنه زميل له يدعى زكريا كان يقيم في الإسكندرية، وأثناء دراسته في الإسكندرية كان زملاؤه معجبين لصفاء روح ساويرس ولمحبته للعلم، وكيف كان في عمقٍ يتعلم ويتفوق بلياقة واجتهاد ومواظبة، وفي دراسة قوانين العلماء القدامى كان يحاول أن يقلد أسلوبهم البراق، ولم يكن يشغل تفكيره شيء غير هذا، ولا يتعزى بشيءٍ آخر مما كان يتعزى به عادة الشبان، فكان يكرس ذاته للدراسة، ويبتعد من أجل حماسه لها عن الاهتمام بالأمور الباطلة.
أبدى ساويرس اهتمامات بمقالات الفيلسوف ليبانيوس الذي كان معجبًا به، وكذا أعمال القدماء وأقوال القديسين باسيليوس وغريغوريوس الأسقفين الشهيرين وغيرهما وكنا ننصحه أن يُقبل إلى العماد حتى يصل عن طريق البيان الذي كان له إلى حكمة هؤلاء وفلسفتهم...
فلما تعلم ساويرس أن يعرف كتبهم شُغف بها بالكلية وسمع وهو يمدح الخطابات الموجهة من باسيليوس إلى ليبيانوس وردود ليبيانوس، وكان يفرد ما اكتسبه إلى خطابات القديس باسيليوس. وكان نتيجة ذلك أنه عكف ساويرس منذ ذلك الوقت على قراءة كتب تأملاته.]
قيل أن أحد المؤمنين بالإسكندرية يدعى ميناس اتسم بطهارة سيرته وقوة إيمانه وكرم طبعه ومحبته للعفة والفقراء لما رأى ساويرس تعجب وقال لهم: "سيتألق نوره بين الأساقفة وسيروي الناس مياه المعرفة مثل العظيم يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية".
عماده:
عكف على قراءة كتب القديسين باسيليوس وغريغوريوس خاصة عن العماد وعدم تأجيله.
رهبنته:
بعد عماده تقدم في الروحيات جدًا، فكان يصوم كل يوم، ويقضي أغلب الليل في الكنيسة.
انطلق إلى بلده بعد دراسته للقانون واشتغل بالمحاماة زمانًا. ثم قرر أن يمضي إلى أورشليم لزيارة الأماكن المقدسة، وهناك شعر بشوقه للتكريس للخدمة، وأن يستبدل ثوب المحاماة بثوب الرهبنة.
عكف على قراءة الكتاب المقدس بلا انقطاع، وصار يتعمق في دراسة الكتاب المقدس وفي كتب الآباء القديسين. ثم انطلق إلى دير الشهيد لاونديوس بفلسطين بالقرب من طرابلس الشام سنة 488 م. هناك انضم إليه بعض أصدقائه ممن كانوا يتعلمون معه الفلسفة.
توحده:
التهب قلبه بالشوق نحو حياة الوحدة فترك الدير وذهب إلى صحاري إيلوتيروبليس يصحبه أثناسيوس من الرُها. كرس وقته للعبادة والدراسة وإذ أتعب جسده بالصوم والسهر مرض، لكن مرضه لم يطفئ شعلة غيرته.
في دير القديس رومانيوس:
إذ هزل جسده جدًا وانتابته الأمراض مضى إلى دير القديس رومانيوس. استقبله رئيس الدير ويدعى رومانيوس بحفاوة 
دير بالقرب من غزة:
بعدما استقر زمانًا طويلًا في دير الشهيد رومانيوس اشتاق إلى الهدوء الذي كان ينشده، وإذ كان قد ورث عن والديه ثروة كبيرة (كان والده عضوًا في مجلس الشيوخ بالمدينة) أخذ نصيبه ووزع جزءً منه على الفقراء: وشيّد بالباقي ديرًا بجهة مايوما قرب غزة. اجتذب كثيرين للحياة الرهبانية: وجاء كثيرون ينتفعون بكلمات النعمة الموهوبة له.
اهتمامه باستقامة الإيمان:
بعث إليه يوليانوس الهرطوقي رسالة يقول فيها أنه لم يره منذ كان مقيمًا معه في تيبايس، وأنه يلزمه أن يرجع إلى عقله ولا يتدخل في العقيدة والدفاع عنها لئلا يجلب متاعب للرهبان. أما ساويرس فبعث إليه بالرد مبينًا له خطأه، وأنه يغير على الإيمان المستقيم.
سيامته بطريركًا:
إذ عاد القديس إلى ديره اجتمع الأساقفة الشرقيون وطلبوا من بطريرك إنطاكية فلافيان أن يترك هرطقته وإذ رفض أقالوه. أقر الجميع من أساقفة ورهبان وشعب بصوت واحد: "إن ساويرس هو الذي يجلس على الكرسي..."
وافق الإمبراطور على هذا الاختيار، وحاول القديس الهروب لكنه تحت الضغط ذهب إلى إنطاكية حيث ارتجت المدينة كلها متهللة.
لدى وصوله ألقى عظة مليئة بالمعرفة اللاهوتية كشف فيها عن تعاليم نسطور الغريبة والإيمان المستقيم، واعتذر لهم عن قبوله البطريركية لكن الكل صرخ بأن الله يدينه إن هرب وترك النفوس تهلك. فتمت رسامته عام 512 م. قيل أن رائحة طيب كانت تفوح أثناء سيامته في كل موضع، علامة فرح السمائيين بذلك.
اهتمامه بالترنيم:
كأب نزل إلى أبنائه الصغار ليضع لهم ترانيم بسيطة، وكان يؤلف الألحان وينغمها. بهذا أحل الترانيم المقدسة عوض الأغاني المعثرة. قيل أنه في أيامه كانت الميادين العامة تشبه كنائس إذ كان صوت الترنيم والتسابيح المقدسة يسمع فيها عِوض الأغاني العابثة.
أعماله الرعوية:
لم يعرف القديس ساويرس الراحة بل كان يجول يصنع خيرًا كسيده، كما كانت الجماهير تأتي إليه لتنتفع بتعاليمه.
كان يحث الكهنة على الاهتمام بالرعية. ووجّه رسائل كثيرة للإكليروس والشعب يثبتهم على الإيمان المستقيم وتعاليم المجامع المسكونية الثلاثة التي حرّمت آريوس ونسطور ومقدونيوس، كما رفض مجمع خلقيدونية ورسالة لاون.
عقد مجمعًا في إنطاكية سنة 513 م. يشجب فيه مجمع خلقيدونية وطومس لاون، وآخر عام 514 م. 
تبادل الرسائل مع الإسكندرية:
تبادل الرسائل مع البابا يوحنا الثاني السكندري (507-517) بشأن تأكيد الإيمان بالطبيعة الواحدة للمسيح ورفض مجمع خلقيدونية. ولما جلس البابا ديسقوروس الثاني على الكرسي المرقسي بعث برسالة إلى الأنبا ساويرس، وبعث الأنبا ساويرس إليه برسالة يعزيه في نياحة البابا يوحنا الثاني، ويؤكد وحدتهما في الإيمان.
اضطهاد يوستينوس له (518-527 م):
توفى انسطاسيوس التقي عام 518 م.، وتولى لملك بعده يوستينوس، أحد قادة الحرس الإمبراطوري، واصدر أمرًا بالاعتراف بمجمع خلقيدونية، وخيّر الأساقفة بالقول بالطبيعتين للسيد المسيح أو الطرد، فأقصى 32 أسقفًا عن كراسيهم منهم فيلوكسينوس أسقف منبج وبولس الرهاوي، كما طرد الرهبان الرافضين ذلك من أديرتهم.
شدد الإمبراطور الأمر ضد القديس ساويرس باعتباره الرأس وناله ضيق شديد. هرب إلى مصر عام 518 م. وبقى فيها زهاء عشرين عامًا (518-538 م)، خلالها رجع إلى القسطنطينية في الفترة من 534 إلى 536 م.
اضطهاد جوستانيوس الأول له (527-565 م.):
حذا حذو سلفه، فظل القديس ساويرس في مصر عدا مدة قصيرة وهي من 534 إلى 536 م. لحضور المجمع الذي انعقد في القسطنطينية. كان القديس في مصر مهتمًا بشعبه خلال الرسائل المتبادلة. كان يكتب رسائله إلى القديسة أنستاسية، ويرد على رسائلها كما ورد في المخطوطات السريانية واليونانية.
الإمبراطورة ثيؤدورا:
كان جوستيانوس الأول يعتبر نفسه رئيسًا للدولة والكنيسة، له حق التفسير والتطبيق دون الرجوع إلى آباء الكنيسة. كان ينفذ قوانينه بكل صرامة، فيقطع الأساقفة ويعين من يشاء ويدعو إلى المجامع، ويعدل قراراتها أو يلغيها. غير أن الإمبراطورة ثيؤدورا (527-548 م) كانت تخفف من ثورته في الاضطهاد. كانت تتميز بالشجاعة وكانت تهتم بالقضايا العامة لاسيما الدينية، كما كانت تؤمن بوحدة طبيعة السيد المسيح، وتدافع عنها ضد زوجها. وكان لها دورها الفعال من إفلات القديس ساويرس من تعقب الإمبراطور له.
القديس ساويرس في القسطنطينية:
في سنة 534 م. على الأرجح، مضى القديس ساويرس إلى القسطنطينية وظل بها حتى عام 536 م. فقد أمر جوستينيانوس الأول بعقد مجمع في القسطنطينية لإلزام الأرثوذكس بقبول مذهب الخلقيدونيين، ودعا إليه جميع رؤساء الكنائس، فحضر كليسوس أسقف روما وأبوليناريوس الذي صار البطريرك السكندري الملكي فيما بعد وأوطيخوس بطريرك القسطنطينية والأساقفة الذين يتبعوهم. وقد حتم الإمبراطور على حضور البابا تيموثاوس السكندري والأنبا ساويرس الأنطاكي. أما الأول فكان يعلم غرض الإمبراطور السيئ فلم يقبل الدعوة واستمر يدير رعاية شعبه فتعرض لشدائد عظيمة. روى الأب أثناسيوس بأن الأنبا ساويرس أخذ معه بعض الأساقفة العلماء وانطلق سرًا إلى عسقلان بفلسطين، وكان معه الأب أثناسيوس ودخلا الدير الذي بناه القديس بطرس. وانطلق ومن معه إلى البحر فوجدوا سفينة قاصدة القسطنطينية، وانطلقوا هناك إلى فيرونيا التي كانت من القصر الملكي.
بعد يومين ظهر القديس أمام الإمبراطور الذي قال له: "هل أنت ساويرس الذي يحتقر كنائس الله؟" أجابه القديس: "لا لست أنا لكنك أنت الذي تركت الإيمان المستقيم" ثم أردف قائلًا: "أين إيمان قسطنطين الملك وعقيدة الملك زينون وأناستاسيوس الملك؟ أما أنت فقد تركت إيمان أولئك وقبلت هرطقة نسطوريوس ومجمع خلقيدونية وسببت اضطرابًا للعالم".
تعجب الملك والضباط من حوار الأب ساويرس ومن حكمته وثباته في الإيمان وتحيّر الملك في أمره.
استمر القديس ساويرس سنة يُعد نفسه للجهاد وبعد نياحة البطريرك القديس تيموثاوس سنة 535 م.، عندما التأم مجمع القسطنطينية عام 536 م. جرى حوار عنيف بينه وبين الإمبراطور، فاغتاظ الإمبراطور وأمر بالقبض عليه وقطع لسانه.
قيل أن أحد ضباط الملك كان ماكرًا وشريرًا أشار على الملك بالقضاء على القديس ساويرس بحكم الموت قائلًا بأنه الأفضل أن يموت ليكون سلام في الكنيسة. إذ علمت الإمبراطورة ثيؤدورا ذلك أوعزت إليه أن يهرب، أما هو فلم يقبل أولًا وقال أنه مستعد أن يموت في سبيل الإيمان المستقيم. تحت إلحاح الإمبراطورة والمحبين له ترك القسطنطينية وهرب إلى مصر عام 536 م.
أرسل الإمبراطور خيلًا ورجالًا لتعقبه فأسدل الله حجابًا على أبصارهم ولم يروه مع أنه كان قريبًا منهم.
ظل في ديار مصر حتى نهاية حياته، وكان لشدة تواضعه يجول متنكرًا من مكان إلى آخر، ومن دير إلى دير في شكل راهب بسيط.