الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ألبير قصيري.. أديب المهمشين

ألبير قصيري
ألبير قصيري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
واحد من أهم الكتاب الذين تناولوا في أدبهم حياة الفقراء والمهمشين في مصر، أنه ألبير قصيري، والذي لقب بفولتير النيل، تمر اليوم 22 يونيو ذكرى وفاته العاشرة، وهو المولود في 3 نوفمبر عام 1913، في حي الفجَّالة في القاهرة لأبوين مصريين، وتلقى تعليمه في مدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلى مدرسة الجيزويت الفرنسية، واستقرّ في فرنسا منذ العام 1949، وعاش في غرفة رقم 58 في فندق «لا لويزيان» في شارع السين (حي سان جيرمان دو بريه)، حتى وفاته عام 2008.
لم يكن ذنب ألبير قصيري، أن لغته الأولى التي تعلمها هي الفرنسية، ولعله حاول أن يعوض هذا بأن توغل في الأحياء الشعبية فعاش فيها سنوات طويلة، واحتك بالناس في أروقتها، عاشر البسطاء فكان من أفضل من عبر عنهم وعن معاناتهم، وصنع منهم المفكرين وأصحاب الرأي والفلاسفة، ففي رواياته كان فلاسفة الشعب هم أبناؤه وليسوا الكتاب من أمثال قصيري نفسه ففي معظم روايات قصيري هناك أصحاب رأي وصناع تمرد لما يدور حولنا، وهؤلاء ينتمون إلى الطبقات الدنيا، مثل عبدالعال في رواية "منزل الموت الأكيد" فهو يقف برأيه وفكره ضد صاحب المنزل الذي يماطل المستأجرين في إصلاح المنزل، حتى تأتي اللحظة الخطيرة.
وفي بعض روايات قصيري هناك المثقف الذي عليه أن يعتزل المجتمع وليس أمامه سوى أن يعيش مع البسطاء، وفي الأحياء الشعبية، وهذا المثقف ثوري سلبي في رواية "شحاذون ومعتزون".. يعيش على الهامش، يمكنه أن يعمل في ماخور، أو يرتاده، من أجل لحظة متعة ثم يهرب إلى المخدرات، ويظل ليله متيقظا، وينام طيلة النهار، وقد تماثل هذا في كل من "جوهر" أستاذ التاريخ المستقيل، و"يكن" الشاعر، و"الكردي" الموظف.
لا يقدم لنا قصيري منبع أو جذور الأستاذ، لكن "يكن" يعيش مع أمه الفقيرة المعدمة، التي تنكفئ في غرفتها على آلة الحياكة من أجل تدبر معيشتها، وبعض المطالب الصغيرة لابنها الشاعر الشعبي الدميم الذي عرف السجن، أما "الكردي" فهو الموظف الذي لا أسرة له ولا جذور ولذا فمن السهل أن يرتبط بأستاذه جوهر، نموذجه المفضل.
وهذا الثلاثي موجود في رواية "العنف والسخرية" الذي كتبها قصيري عام 1964، بعد رواية "شحاذون ومعتزون" بتسع سنوات تقريبا.
وفي رواية "ألوان العار" يسلط ألبير قصيري الضوء على التغيرات التي اجتاحت مصر في عصر الانفتاح، والتي تركزت في شره تكديس الثروات بأساليب ملتوية، والذي جعل اللصوصية غير مقصورة على النشالين، هؤلاء اللصوص غير القانونيين، بل امتدت لتشمل رجال الأعمال والأغنياء وصيارفة البنوك الذين وصفهم الكاتب باللصوص القانونيين، ترسم الرواية صورة الانهيار والانحدار والفوضى في شوارع القاهرة مع روح الفكاهة التي تكفل لأهلها بقاءهم على قيد الحياة وهم محتفظون بكرامتهم.
ومن بين ألوان العار التي تناولها قصيري في هذه الرواية خيانة الوطن، الفرار من الجندية، القتل، ممارسة البغاء، والسرقة.. وغيرها من الجرائم الأخلاقية المشينة والبغيضة التي تنال من شرف الإنسان ومن سمعته أمام القانون وأمام الرأي العام.
كان ألبير قصيري صوت نادر استطاع أن يغذي فن الترقب، دون التخلص من التلاحم العميق، في الواقع، وبين مجموعته القصصية الأولى الصادرة عام 1948، وروايته "ألوان العار" الصادرة عام 1995، يبدو أن قليلا من الأشياء قد تغير، وأنه على الرغم من المزاعم التقدمية عن التقدم، يبقى الإنسان ذئبا حيال الإنسان.
إنه كاتب تحرري من أعماق وجدانه، شكل ملامح شخصياته لبناء كيانات مستقلة وراسخة، الكسالى، الشهوانيين، المحتالون والمفسدون، والبغايا والارهابيون والمشعوذون، المتغندرون في حالة يرثى لها والأثرياء اللا أخلاقيون. صورة مصغرة تعج بالمؤامرات، والرغبات التافهة، تلتهم بعضها بعضا بسبب الحب، الغيرة والكراهية، وبين كل هذه الحيوات يظل الكذب هو الملك، والخيانة العملة الرائجة.
بدأ ألبير قصيري الكتابة في سن العاشرة، وكان يصف نفسه بـ"الكاتب المصري الذي يكتب بالفرنسية"، ترجمت أعماله إلى 15 لغة منها العربية، ولم يكن راض عن نسخة الترجمة العربية بسبب الحذف الذي تم من قبل الرقابة، وقد ترجم له بعض رواياته محمود قاسم وصدرت في القاهرة، وكانت مصر دائما مسرح رواياته وشخصيات رواياته من المصريين البسطاء، ورواياته وأعماله هي: لسعات 1931 وهو ديوان شعر نشر في القاهرة، بشر نسيهم الرب 1941 وهى مجموعته القصصية الأولى، وصدرت بالقاهرة، بيت الموت المحتوم 1944، تنابل الوادى الخصب 1948، العنف والسخرية 1962 وقد حولت إلى فيلم أخرجته أسماء البكري، شحاذون ومتغطرسون، طموح في الصحراء 1984، مؤامرة مهرجيين 1975، موت المنزل الأكيد 1992، ألوان العار 1999 وهى آخر أعماله.
وحصل قصيري على العديد من الجوائز منها:جائزة جمعية الأدباء عام 1965، وجائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية عام 1990 عن رواياته الست التي كتبها عن عامة الشعب بمدينة القاهرة، جائزة أوديبرتى عام 1995، جائزة البحر المتوسط عام 2000، جائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005.