الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد انسحاب أمريكا.. مصير غامض في انتظار الاتفاق النووي الإيراني.. وخامنئي منح المفوضين الضوء الأخضر لبدء المحادثات.. والحفاظ على قدرة طهران في تخصيب اليورانيوم ومواصلة البحث والتطوير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدور الفكرة الرئيسية للمقال الذى كتبه «اريان محمد طبطبائى» الأستاذ المساعد بجامعة جورج تاون وزميل مركز بلفر للعلوم والشئون الدولية بجامعة هارفارد، حول الآليات التى يمكن لإيران من خلالها تحديد مصير الصفقة النووية، لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية. تناول المقال الكيفية التى تتم من خلالها عملية صنع القرار فى إيران، مهام المؤسسات السياسية الرئيسية، فضلًا عن مراكز القوى المهمة داخل الدولة والتى تتمثل فى؛ المرشد الأعلى والحرس الثوري. تطرق الكاتب لمستقبل البرنامج النووى الإيرانى وإمكانية استئناف عملية تخصيب اليورانيوم مرة أخري، وانتهى بالحديث عن تعقد عملية صُنع القرار داخل إيران، لاسيما فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي. 


وفيما يلى نص المقال: 
عندما أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» فى ٨ مايو أن الولايات المُتحدة انسحبت من خطة العمل المشتركة المعروفة باسم الاتفاق النووى الإيراني، وجه كثير من المراقبين اهتمامهم على الفور إلى الزعيم الأعلى «آية الله على خامنئي» للتعرف على مستقبل الاتفاقية، فمنذ قيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ اعتبرت الحكمة التقليدية أن سلطة صنع القرار تقع فى نهاية المطاف على عاتق المرشد الأعلى. لذلك، مع كل حدث مهم فى الحياة العامة الإيرانية والشئون الخارجية ينتقل المعلقون إلى الصحف للتنبؤ برد فعل خامنئي، من خلال تأمل تصريحاته، فك رموز تعليقاته وتحديد ما يعنيه ذلك لمصير الجمهورية الإسلامية ومكانتها فى العالم. فبدلًا من وجود خارطة طريق دقيقة تسير عليها الدولة، تخلق تصريحات المرشد الأعلى فى بعض الأحيان إطارًا للسياسة الخارجية لطهران، كما يتم دعم الحكم النهائى بوجهات نظر مئات الموظفين والمُستشارين. 
لأن نظام الجمهورية الإسلامية نظام غامض نسبيًا، فمن المنطقى أن يتجه كثير من المراقبين فى الغرب إلى أكثر مراكز القوة ظهورًا فى طهران فيما يتعلق بقرارات الأمن القومى والسياسة الخارجية والتى تتمثل فى؛ المرشد الأعلى والحرس الثوري. فى الواقع أن عملية صنع القرار ليست بسيطة وخصوصًا عند ممارستها من أعلى لأسفل، لأنها فى هذه الحالة سوف تكون عبارة عن عملية شد وجذب داخل شبكة من المنظمات التى يتواجد بعضها دون جدوى. إيران كدولة ثورية تعتمد على عدد من آليات الحماية ضد الانقلاب لحماية النظام، لكن التنافس فيما بين كل هذه المؤسسات والاقتتال الداخلى بين الفصائل المختلفة التى تشكلها غالبًا ما يسيطر على عملية صنع القرار. 
■ كيف تصنع طهران السياسة؟ 
يَكمن دور المرشد الأعلى فى إنشاء الإطار الذى تسير عليه المؤسسات الأخرى، وذلك بتوجيه مجموعة من الموظفين، ولكنه من يحدد الخطوط الحمراء والسطور النهائية لسياسات الدولة، نقاط الاتفاق المُحتملة فى المفاوضات، النتائج النهائية المُفضلة فى أى حرب. لكن خامنئى لا يفرض الوسائل اللازمة للوصول إلى النتائج. تمر قراراته فى إطار عام (من خلال قنوات خاصة وتصريحات عامة)، إلى المجلس الأعلى للأمن القومي (الذى لا تختلف صلاحياته عن مجلس الأمن القومى الأمريكي) مع ذلك، يختلف السابق عن الأخير فى أنه يضم ممثلين من جميع مراكز القوى ذات الصلة داخل النظام السياسى الإيراني، الذى تشمل مهامه تحديد المصالح الوطنية وتحويل الإطار العام إلى سياسة. 
تعمل السلطة التنفيذية مع مجلس الأمن القومى لوضع جدول أعمالها وتحويله إلى بنود قابلة للتنفيذ، طبقًا لرؤية رئيس الدولة. يمكن للرئيس أيضًا أن يعرض خططه السياسية الخاصة التى يمكن للمرشد الأعلى أن يقبلها أو يرفضها. فى بعض الحالات، يتعين على الحكومة، وزارة الخارجية والاستخبارات والأمن أن تعمل مع القوات المسلحة المكونة من (الحرس الثورى والجيش التقليدي)، على أن يكون للحرس الثورى اليد العليا، ففى بعض المناطق، لاسيما المسارح الإقليمية المختلفة التى تشارك فيها إيران، يتم تحويل السياسة إلى استراتيجية، هذا هو الحال أيضًا عندما يتعلق الأمر ببرامج الدفاع المهمة فى إيران، بما يتضمن الأنشطة الصاروخية الباليستية علاوة على ذلك، يعمل الحرس الثورى الإيرانى مع الجيش الرسمى فى مستوى العمليات التكتيكية والتشغيلية. السلطة التشريعية المعروفة باسم «مجلس الشورى الإسلامى» مُصممة لمساءلة الفرع التنفيذى والمشاركة فى صنع القوانين. أخيرًا، فإن مجلس صيانة الدستور تشبه صلاحياته إلى حد ما اختصاصات المحكمة الأمريكية العليا فى تقييم شرعية قوانين المجلس ومدى التوافق فيما بينها وبين الدستور.
ففى كل مرحلة يجب أن يكون هناك نوع من الإجماع أو الاتفاق من خلال الدفع والجذب فيما بين الشخصيات، المؤسسات ومراكز القوي. لأنه عندما يكون هناك اقتتال داخلي، أو عدم تطابق فى مواقف المنظمات أو اللاعبين الرئيسيين بشأن قضية معينة يمكن أن يتوقف جدول الأعمال. هذا هو الحال بنسبة كبيرة فيما يخص أجندة الرئيس حسن روحاني، التى تتعدى معالجة القضية النووية والاقتصاد، خصوصًا بعد فقدانه رأس المال السياسى وازدياد الاقتتال الداخلى منذ توقيع الاتفاقية النووية فى مايو ٢٠١٥. 
■ ما هو القادم بالنسبة للاتفاق النووي؟
إذا كانت المفاوضات التى أدت إلى الاتفاق النووى ناجحة، فذلك لأن خامنئى منح الضوء الأخضر لبدء المحادثات. كما حدد بعض الخطوط الحمراء التى وجهت المفاوضين، فيما يخص الجانب الإيراني. على سبيل المثال، أمر خامنئى المفاوضين بالحفاظ على قدرة إيران فى تخصيب اليورانيوم ومواصلة البحث والتطوير. لكنه لم يفرض محددات التخصيب والبحث، مما سمح للمفاوضين بالعمل مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لتطوير معالم هذه الأنشطة، بما فى ذلك القدرة التخصيبية الدقيقة، وحدود مخزونات اليورانيوم المُخصب. كما طلب خامنئى من المفاوضين إبقاء جميع المنشآت النووية فى البلاد مفتوحة.
لكن المفاوضين كانوا قادرين على تغيير وظيفة المرافق. حيث تم تنفيذ الإطار الذى وضعه خامنئى بإسهام من مستشاريه، بما فى ذلك الأفراد المشاركين فى البرنامج النووى الإيراني. أشار خامنئى خلال المحادثات إلى أن الهدف النهائى من تخصيب اليورانيوم الصناعى هو تزويد المفاعلات النووية الثمانية أو المُخطط إنشاؤها حاليًا من أجل تشغيلها فى المُستقبل. (هذا من شأنه أن يسمح بالوصول إلى القنبلة النووية بسرعة فى حال إعادة النظر فى طموحاتها النووية التى توقفت فى عام ٢٠٠٩ وتم استئنافها مرة أخري). تتشارك مراكز القوى الرئيسية داخل النظام فى الاعتقاد بأنه يجب تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي، فضلًا عن اعتمادها على الذات فى سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية. نتيجة لذلك، أصر المفاوضون الإيرانيون خلال المُحادثات على مواصلة البحث والتطوير، فضلًا عن إدراج ما يسمى ببنود الغروب مما يُمكن الدولة من إزالة القيود المفروضة على البنى التحتية النووية بعد عدد من السنوات وبالتالي، تطبيع البرنامج النووى كدولة عادية غير حائزة على الأسلحة النووية بموجب معاهدة منع الانتشار النووي. 
إن الهدف من المحادثات والخط الأحمر الذى حدده خامنئى يَكمن فى تلقى ضمانات من الأوروبيين، الأمر الذى سيجعل من حق إيران الاستمرار فى الحفاظ على الاتفاق دون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه من المرجح أن يستخدم المجلس الأعلى للأمن القومى فى إيران هذا الإطار لتطوير خارطة طريق أكثر دقة، فضلًا عن التنسيق مع مسئولى وزارة الخارجية الذين يتفاوضون مع القوى العالمية. أخيرًا، يشرف أعضاء مجلس الشورى الإسلامى على هذه العملية، كما قدموا مشاريع قوانين لتقييد مساحة الحكومة للمناورة. لا تشارك القوات المسلحة بشكل مباشر فى المفاوضات، لكن مساهماتها مهمة فى العديد من المجالات الرئيسية. تشمل هذه القضايا العرضية أنشطة إيران الصاروخية والإقليمية التى لا تشكل جزءًا مباشرًا من خطة العمل المشتركة الشاملة، ولكنها لاتزال تهم القوى العالمية. 
بالمثل، إذا قرر النظام خلال الأشهر القليلة القادمة استئناف عناصر البرنامج النووى الذى كان متوقفًا بموجب الاتفاق، أو إحياء برنامج الأسلحة النووية، من المرجح أن يتم ذلك فى إطار وضعه خامنئى والقوات المسلحة، لاسيما «الحرس الثورى الإيرانى»، فضلًا عن ممثلين من القطاع النووى الإيراني. لكن يجب على الدولة أن توازن بين تطلعاتها النووية واحتياجاتها الاقتصادية. ولهذه الغاية، من المحتمل أن يراعى خامنئى آراء الاستشاريين الاقتصاديين فيما يخص البرنامج النووى الإيراني، بما يتضمن السماح للبلاد باستئناف الأنشطة النووية دون أن يتسبب ذلك فى أزمة دولية من شأنها عرقلة الإصلاحات الاقتصادية. 
إن عملية صنع القرار فى إيران مُعقدة بشكل كبير لاسيما فيما يخص قضايا الأمن القومي، حتى أن قرارات القائد الأعلى تسترشد بآراء الأفراد والجماعات التى تمثل مراكز القوى المختلفة داخل الدولة. انطلاقًا من تصدى صناع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية للتحديات الناجمة عن البرنامج النووى الإيراني، خصوصًا عقب إعلان ترامب الانسحاب من خطة العمل المشتركة، فإنه يجب عليهم فهم كيفية تفكير نظرائهم الإيرانيين فى مثل هذه القضايا، فضلًا عن منهج صياغة سياساتهم الخاصة.