الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

سيف الدولة الحمداني.. قائد العصور الوسطى

سيف الدولة الحمداني
سيف الدولة الحمداني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد سيف الدولة الحمداني أحد أشهر القادة العرب في العصور الوسطى.. وذلك لشجاعته وقيادته للحرب ضد البيزنطيين على الرغم من الصعاب التي واجهها، ولنشاطاته الأدبية ورعايته للشعراء التي جعلت لحكمته تألقا ثقافيا لا مثيل لها، وسيف الدولة الحمداني واحد من هؤلاء الأمراء والحكام الذين أثروا الحياة العلمية والأدبية في الحضارة العربية، فكان راعيًا للفنون والعلوم، وتزاحم على بابه في حلب الشُعراء والعُلماء والأدباء والمفكرون، ففتح لهم بلاطه وخزائنه، حتى كانت له عُملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه، وفيهم المتنبي وابن خالويه النحوي المشهور، وأبو نصر الفارابي الفيلسوف الشهير، كما اعتنى بابن عمه وأخي زوجته أبي فراس الحمداني شاعر حلب.. وقال هو نفسه الشعر، وله أبيات جيدة، أصبحت عاصمة دولته حلب مقصدا للعلماء والشعراء العرب في هذه الفترة من حكم سيف الدولة.
ولد سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدون التغلبي في مدينة "ميافارقين" -أشهر مدن ديار بكر- 22 يونيو 915، على إثر تولي أبيه إمارة الموصل.
وقد عني أبوه بتعليمه وتنشئته على الفروسية منذ نعومة أظفاره، وأظهر سيف الدولة استعدادا كبيرا ومهارة فائقة في القنص والرمي وركوب الخيل منذ صغره.
صار فارسا لا يُشَقّ له غبار وهو في العشرين من عمره، وخاض العديد من المعارك الطاحنة ضد أعداء الدولة والمتمردين عليها، سواء في الداخل أو في الخارج. 
حقق سيف الدولة انتصارا عظيما على البريدين الذين اقتحموا بغداد عام (330هـ - 942م) ودفعوا الخليفة العباسي "المتقي لله" إلى الخروج منها، واللجوء إلى الموصل للاستنجاد بالحمدانيين، فلما حقّق الأمير الشاب "علي بن أبي الهيجاء" النصر على البريدين بعد أن تعقبهم إلى المدائن، أنعم عليه الخليفة بلقب "سيف الدولة"، وأمر أن تُضرب باسمه الدنانير والدراهم.
نشاطه الحربي
لاحقت الحروب سيف الدولة الحمداني منذ تأسيس إمارته حيث دخل في نزاع مع البيرنطيين في عام 936 عندما قاد حملة لمساعدة سميساط التي كانت تحت حصار البيزنطيين في ذلك الوقت، ولكن تمرد مؤخرة جيشه أجبره على التخلي عن الحملة واكتفى بتنظيم إرسال بعض المعدات للمدينة التي سقطت في أيديهم لاحقًا.. وفي عام 938م قام بحملة على منطقة حول ملطية واستولى على معمورة العزيز البيزنطية (تعرف في المصادر الإسلامية بحصن زياد)، ثم أعلنت بعض المصادر العربية أنه تم الانتصار على كوركواس القائد البيزنطي بنفسه، ولكن التقدم البيزنطي لم يتأثر بهذا الانتصار.. ومن أهم حملات سيف الدولة العسكرية في هذه السنوات المبكرة هي التي كانت في عام 939-940م عندما غزا الجزء الجنوبي الغربي من أرمينيا وضمن عهدا بالولاء والطاعة مع خضوع وتنازل عن عدد من الحصون من أمرائها الذين انشقوا عن الدولة البيزنطية (شعب كاساي المسلم في ملاذكرد، والباجراتونيون المسيحيون في تارون، وآل ارتسروني ملوك فاسبوراكان)، وهذا قبل أن ينتقل إلى الجزء الغربي ويغير على الإقليم البيزنطي حتى كولونيا.. هذه الحملة العسكرية كسرت الحصار البيزنطي مؤقتا حول قليقله، ولكن انشغال سيف الدولة مع حروب أخيه في العراق في السنوات التالية منعه من متابعة حملاته وكانت هذه أكبر الفرص الضائعة.. حيث علق المؤرخ مارك ويذو: أن أكثر السياسة المدعومة آنذاك وضعت للاستفادة من عدم ثقة الأمراء الأرمنيين في التوسع البيزنطي لتكوين شبكة واسعة من الحلفاء تتسع لجميع البيزنطيين، وبدلا من ذلك أعطوهم صلاحية تامة مما سمح للمسلمين من التقدم بسرعة والاستيلاء على قليقلة، ومن ثم توطيد وترسيخ سيطرتهم على المنطقة.
وبعد تولي سيف الدولة السيطرة على حدود الجزيرة والشام ( الثغور)، ظهر كالأمير العربي الأعلى الذي يواجه الإمبراطورية البيزنطية وقد أصبحت الحرب مع البيزنطيين شغله الشاغل، وبالفعل فقد كانت السمعة التي حظي بها سيف الدولة مستمدة من حربه المتواصلة مع الإمبراطورية التي باءت بالفشل في النهاية.
الاهتمام بالجانب الحضاري
رغم الانتصارات الحربية وكثرة المعارك، والاهتمام بها، لم يؤثر هذا على اهتمام سيف الدولة بالجوانب الحضارية والعمرانية. فقد شيّد سيف الدولة قصره الشهير بـ"قصر الحلبة" على سفح جبل الجوشن، وتميز بروعة بنائه وفخامته وجمال نقوشه وزخارفه، وكان آية من آيات الفن المعماري البديع، كما شيّد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.
وشهدت الحياة الاقتصادية ازدهارا ملحوظا في العديد من المجالات؛ فمن ناحية الزراعة كثرت المزروعات، وتنوعت المحاصيل من الحبوب والفاكهة والثمار والأزهار، فظهر البُرّ والشعير والذرة والأرز والبسلة وغيرها. كما ظهرت أنواع عديدة من الفاكهة كالتين والعنب والرمان والبرقوق والمشمش والخوخ والتوت والتفاح والجوز والبندق والحمضيات. ومن الرياحين والأزهار والورد والآس والنرجس والبنفسج والياسمين.. كما جادت زراعة الأقطان والزيتون والنخيل.. وظهرت صناعات عديدة على تلك المزروعات، مثل: الزيتون، والزبيب، كما ظهرت صناعات أخرى كالحديد والرخام والصابون والكبريت والزجاج والسيوف والميناء.
ونشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمة في حلب والموصل والرقة وحران وغيرها.
وقامت نهضة فكرية وثقافية كبيرة في ظل الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء.
وقد ظهر في عصر سيف الدولة عدد من الأطباء المشهورين، مثل عيسى الرَّقي، المعروف بالتفليسي، وأبو الحسين بن كشكرايا، كما ظهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الذي كان أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجا، ومن أبرز الفلكيين والرياضيين الذين ظهروا في عصر الحمدانيين في بلاد الشام أبو القاسم الرَّقي، والمجتبي الإنطاكي وديونيسيوس وقيس الماروني، كما عُني سيف الدولة الحمداني بالعلوم العقلية كالفلسفة والمنطق، فلَمع نجمع عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين في بلاط الحمدانيين، مثل: الفارابي، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب "الأغاني" الذي أهداه إلى سيف الدولة، فكافأه بألف دينار، وابن نباتة، وظهر أيضا بعض الجغرافيين، مثل: ابن حوقل الموصلي صاحب كتاب "المسالك والممالك"، وقد ظلت آثار تلك النهضة الثقافية والحضارية ذات أثر كبير في الفكر العربي والثقافة الإسلامية على مدى قرون عديدة وأجيال متعاقبة.