الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا يكره المصريون نخبتهم؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشعر المصريون دومًا أنهم في الهم مدعوون وفي لحظات الفرح والانتصار منسيون، قد يكون هذا هو الشعور الذي انتاب مؤخرًا ملايين المصريين، الذين خلت منهم شوارع المحروسة في أوقات المباريات، حيث تحلقوا مجموعات وجماعات أمام شاشات التليفزيون أو الشاشات العملاقة لدعم منتخبهم، قبل أن يملأون نفس الشوارع فرحًا وبهجة بألوان العلم المصري في أعقاب كل مباراة كانت خطوة في طريقهم إلى روسيا.
شعر المصريون فجأة أن هناك من هبط بالباراشوت ليحول بينهم وبين هذا المنتخب الذي وقفوا وراءه ومنحوه كل حبهم، وشاركوه الهزائم قبل الانتصارات، وتعاملوا مع أبطاله وعلى رأسهم "ابننا" محمد صلاح، كأبناء لهم قبل أن يكونوا نجومًا. شعر المصريون فجأة أن ثمة أشخاص من محترفي سرقة لحظات الفرحة والانتصار يسرقون منهم "ضناهم"، و"الضنا غالي" كما تعرفون.
قبل المواجهة الأولى للمنتخب المصري مع منتخب أوروجواي، لم يكن أحد يتوقع أن يظهر المنتخب المصري بهذه القوة رغم خسارته من كرة ثابتة في الدقيقة الأخيرة، الجميع كان ينتظر خسارة المباراة الأولى، ويتوقع فوز أو تعادل "الفراعنة" في المبارتين التاليتين، أما وقد ظهر المنتخب المصري بهذه القوة، وخاصة مع عدم وجود "الملك" محمد صلاح، فإن التوقعات بفوز المنتخب المصري على نظيره الروسي في المباراة التالية، كانت هائلة، خاصة مع فارق التصنيف الدولي بين منتخب أورجواي ومنتخب روسيا.
حانت اللحظة إذن، هي لحظة فرح وانتصار آتٍ لا محالة، على الفور تم توزيع بطاقات التشجيع لدخول المباريات، ومعها تذاكر الطيران من القاهرة إلى موسكو، أما الفندق فكان أيضًا مدفوع الثمن، لكن أي عاقل لم يكن ليتخيل أن يكون هذا الفندق هو نفس الفندق الذي يقيم فيه منتخب عاد بالكاد إلى كأس العالم بعد 3 عقود من الغياب، وينتظر مواجهة شرسة مع أصحاب الأرض والجمهور.
لم يذهب السادة (وإن كان الوصف لا يعبر عن الحقيقة بشكل كبير) إلى روسيا لتشجيع منتخب مصر إلا برحلة مدفوعة الثمن مسبقًا، على عكس عموم المصريين الذين يدفعون من قروشهم القليلة في الساحات والكافيتريات والأندية وغيرها، لحجز مكان أمام شاشة كبيرة يشاهدون من خلالها أبطال منتخبهم، لترتفع أصواتهم باسم مصر، علها تصل إلى روسيا فتزيد من حماس اللاعبين.
لم يذهب الأفندية لـ"رفع الروح المعنوية" للاعبين في المباراة التي كان يحتاج فيها اللاعبين من يرفع روحهم المعنوية حقًا، خاصة مع تغيب صلاح بسبب الإصابة، ومع توقعات كبيرة بهزيمة مدوية أمام أورجواي، لكنهم ذهبوا في المباراة التي كانت كل التوقعات فيها تشير إلى الفوز أو التعادل في أسوأ الأحوال، على عكس الشباب المصري الذي سافر خلف منتخب بلاده منذ بداية المونديال، وعلى عكس عموم المصريين الذين تصل أصوات حناجرهم عنان السماء لتشجيع منتخب بلادهم مهما كانت التوقعات.
مقصد القول، أن ثمة غصة في الحلق شعر بها المصريون مع بدء وصول وفود النخبة إلى مقر معسكر المنتخب المصري، بل دعني أقول لك، ولا أدعي في ذلك امتلاك الحقيقة المطلقة، إن المصريين شعروا في لحظة أن هذا المنتخب الذي شاركوه الانكسارات قبل الانتصارات لم يعد منتخبهم، وكما الأب والأم الذين يخشون على أبنائهم من رفاق السوء، كان الغضب هو سيد الموقف على "سارقي لحظات الفرح" الذين حولوا معسكر أبنائهم إلى "فرح بنت العمدة" بحسب وصف البعض.
غضب الجماهير المصرية على وفد النخبة هو في تقديري أمر طبيعي جدًا، خاصة أن صحيفة السوابق الخاصة بهذه النخبة ليست بيضاء على الإطلاق، وجميعنا نتذكر سيناريو مباراة مصر والجزائر في السودان، ونتذكر أيضًا استدعاء هذه النخبة للمباراة لأغراض سياسية بحتة، تسببت في خسارة المباراة، ولكن الخسارة الأكبر، كانت خسارة مؤقتة بسبب تضرر العلاقات بين الشعبين المصري والجزائري، واستخدام النخبة نفسها في الإضرار بهذه العلاقات، عبر تصريحات تالية للمباراة.
يؤمن المصريون بالفأل، السيء منه والجيد، ويؤمنون أيضًا أن مثل هذه الوجوه ليست فألا جيدا على الإطلاق، بالعكس، يتشاءمون منها بشكل كبير، بسبب انتهازيتها الواضحة، وعدم تبني هذه النخبة لأي مواقف لها علاقة بقضايا المواطن المصري، بقدر ما يتبنى دومًا مواقف السلطة، أي سلطة.
كانوا مع مبارك، وفي بدايات ثورة يناير، استدعاهم نظام مبارك لتجميل صورته، وعندما سقط النظام، ظهروا مرة أخرى في ثوب الثوار الأحرار "اللي هيكملوا المشوار"، وعندما تولى الإخوان السلطة، منهم من أعلن أن "الإسلام هو الحل"، ومن لزم بيته، وعندما ظهر أن الدولة عصية على التنظيم الدولي، وأن الشعب سيسقطهم لا محالة، وأن 30 يونيو هو اليوم الفصل، ظهروا مرة أخرى يدعون للنزول وهم في حماية الشعب والجيش، وعندما وصلنا لكأس العالم أبى هؤلاء إلا أن يسرقوا الفرحة، كما سرقوا فرحة يناير ويونيو وكل الأفراح والانتصارات الأخرى.
وبين كل ظهور واختفاء لهذه الوجوه، تجري في نهر الوطن مياه كثير، يسقط شهداء، وينهش الغلاء في جسد المواطنين، وينزف شباب مصر الدماء في الميادين وجبهات القتال، ويبذل أبطال مصر العرق في ساحات العمل والعسكرية والرياضة، ووسط كل هذا وذاك لا يلحظ المصريون لهذه الوجوه وجودًا، فقط تحاصرهم وجوههم على الشاشات، في لحظات الفرح والانتصار، بل دعني أقول لك، إن ثمة قناعة لدى المصريين بأن ظهور هذه الوجوه في هذه اللحظات كفيل بإضاعتها وتحويل الأفراح إلى مآتم والانتصارات إلى انكسارات.
نعم يكره المصريون نخبتهم، ونعم هذه النخبة لم تعد تعبر عن شعب مصر، صحيح أن كل شعب يصنع نخبته، لكن دعني أقول لك إن حالة الغضب التي تعيشها مصر على هذه النخبة، ليست سوى حالة مخاض، تولد فيها نخبة جديدة معبرة وبحق عن الشعب المصري ووعيه المتزايد.. والمخاض دومًا مؤلم.