الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

التداعيات الإقليمية للانتخابات اللبنانية تتواصل.. صعود "حزب الله" بالبرلمان.. فوز الحزب المدعوم من إيران و"حركة أمل" بثلث المقاعد يمنحه غطاءً رسميًا في صنع القرار

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ظل التطورات المختلفة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، جاءت الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة، لتضيف تطورًا جديدًا فى المشهد السياسى بالمنطقة العربية، حيث تمثل «لبنان» كتلة حيوية فى الصراع الدائر فى الشرق الأوسط؛ لموقعها الجغرافى المجاور لدولة «الاحتلال الإسرائيلي» و«سوريا» مما يمنحها أهمية كبرى فى المشهد السياسى الشرق أوسطي. 

عقب الانتخابات البرلمانية اللبنانية وظهور نتائجها، زادت المخاوف لدى البعض بأن نفوذ «حزب الله- المدعوم من إيران» قد أخذ الطابع الرسمى فى لبنان، التى تعج بالتيارات السياسية التى تلقى دعمًا وتأييدًا من الخارج، مما يجعل من الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أمرًا لا يخص لبنان وحده فقط، حيث تلقى بظلالها على العديد من التداعيات الإقليمية بالمنطقة العربية، عبر ما أفرزته العديد من نتائجها.
وجاءت نتائج الانتخابات اللبنانية لتبرز تقدم «حزب الله» و«حركة أمل» حيث حصل الطرفان، مع بعض التيارات الأخرى، على الثلث المعطل، وهو ما يمثل ما يزيد على ثلث مقاعد البرلمان، مما يمنحهم معا، قدرات كبيرة داخل البرلمان تتيح لهما، خاصة حزب الله، السيطرة عليه. 
أما «تيار المستقبل» بزعامة سعد الدين الحريري، فقد حصل على عدد غير قليل من المقاعد البرلمانية وهو ٢١ مقعدًا، إلا أنه بالتأكيد أقل مما حصل عليه «حزب الله» وجاء بعد ذلك «التيارُ الوطنى اللبنانى الحر» الذى حصد نحو ٢٠ مقعدًا، ثم حزب «القوات اللبنانية» الذى حصل على ١٥ مقعدًا، وحزب «الكتائب اللبنانية» بحصده ٣ مقاعد، فيما حصد «الحزب التقدمى الاشتراكي» على ٩ مقاعد فى البرلمان. 

ترجع أهمية الانتخابات البرلمانية اللبنانية ونتائجها إلى التداعيات التى يمكن أن تلقى بها على الساحة الإقليمية، بسبب تشابك المشهد السياسى اللبنانى إقليميًا، وعلى الرغم من أن المناصب السياسية العليا فى لبنان محددة سلفًا، حيث إن رئاسة الوزراء للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة ورئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، فإنه من المتوقع أن يعقب الفوز البارز لـ«حزب الله» بعدد كبير من المقاعد، إلى جانب «حركة أمل»، تداعيات إقليمية يمكن حصرها فى العديد من النقاط، أهمها تمدد وتوسّع دور حزب الله اللبناني، فبعد حصوله و«حركة أمل» الشيعية أيضا، على نسبة كبيرة من المقاعد فى البرلمان اللبناني، فإنه من المتوقع أن يتصاعد دور حزب الله داخليًا فى لبنان، ولكن هذه المرة تحت غطاء رسمي، فإذا كان الحزب يعمل على تقديم خدمات اجتماعية داخلية، مما حقق له بعض المكاسب بين بعض اللبنانيين، وعلى الرغم من مشاركة بعض عناصره فى الحكومة اللبنانية، إلا أن سيطرته على مزيد من المقاعد داخل البرلمان اللبنانى سيوسّع من دوره وسيعطيه سيطرة أكبر على عملية صنع القرار فى لبنان، وهذا بالنظر إلى كتلته الحكومية المقبلة. 
إضافة لتغيّر طبيعة الدور اللبنانى فى المواجهة مع إسرائيل، فحصول حزب الله على هذه النسبة المذكورة من المقاعد البرلمانية، يعنى أن الحكومة اللبنانية وجماعة حزب الله لم تعودا منفصلتين بشكل كبير، بل إنهما باتتا تقريبًا شيئًا واحدًا، ولذا، فإن أى صراع ما بين حزب الله اللبنانى وإسرائيل فى المستقبل سيعنى صراعًا حقيقيًا ما بين الدولة اللبنانية وإسرائيل من جهة أخرى.
وسيشكل هذا معضلة كبيرة للدولة اللبنانية، حيث إنه إذا ما اندلعت حرب فى أى وقت ما بين حزب الله وإسرائيل؛ فإن الأخيرة ستعتبر أن حربها مع الدولة اللبنانية، وهو ما صرّحت به إسرائيل على لسان وزيرها للتعليم، نفتالى بينيت، بقوله: «مكاسب حزب الله فى الانتخابات اللبنانية تظهر أنه لا فرق بين الدولة والجماعة الشيعية المدعومة من إيران، وإسرائيل يجب ألا تفرق بينهما فى أية حرب مستقبلية».

وهو تصريح خطير من مسئول بالاحتلال الإسرائيلي؛ لأنه بهذه الطريقة وبهذا النحو فإن دخول حزب الله الحرب مع إسرائيل سيعنى على الجانب الآخر دخول الدولة والجيش اللبنانيين هذه الحرب، وهو ما يمثل خطورة على الدولة اللبنانية واستقرارها، بل إن نفس الوزير قال فى تصريحات أخري: «إن إسرائيل لن تفرق بين دولة لبنان ذات السيادة وحزب الله وستعتبر لبنان مسئولًا عن أى عمل داخل أراضيها». 
إلا أنه، ومن ناحية أخرى، من الممكن لكل ذلك أن يدفع بالتقارب ما بين الجيش اللبنانى وحزب الله اللبنانى فى حالة حدوث مثل هذه الحرب مستقبلا. 
ومن التبعية لإيران، فمن المعروف أن حزب الله، يتلقى دعمه بشكل مباشر من إيران، فالحزب يعترف رسميًا وعلى لسان قادته بأن تمويله إيرانى وإيديولوجيته تتبع ما يُلقى عليه «ولاية الفقيه» الإيرانية، فالحزب لم يعد يعتبر ذلك الأمر وهذا الدعم أمرًا خفيًا، بل إنه يجاهر به علنًا. 
وعلى ذلك، فإن حصول «حزب الله» على هذه النسبة من المقاعد البرلمانية داخل لبنان، إلى جانب نفوذه المتوقع داخل الحكومة اللبنانية من الممكن له أن يشر، عن التبعية لإيران، وهو ما يمكن أن يدخل بالدولة اللبنانية فى نفق مظلم ومستقبل مجهول، فإذا ما كان حزب الله سيسيطر على عملية صنع القرار داخل الحكومة والبرلمان اللبناني، فإننا لن نتوقع، إذا ما سارت الأمور على ما هى عليه، أن يصدر قرار لا يلقى قبولًا إيرانيًا جرّاء سيطرة حزب الله و«حركة أمل» على البرلمان.
وهو ما يمكن أن يثير لاحقًا الرأى العام اللبنانى ضد الحكومة وحزب الله اللبناني، وهذا ما يشبه إلى حد ما النموذج العراقى الذى أفرز لاحقًا جماعات وتيارات مناهضة للنفوذ الإيرانى فى العراق، فضلًا عن الرفض الشعبى العراقى المتنامى ضد نفوذ طهران فى العراق. 
ومن ناحية تصاعد الصراع السعودى الإيرانى داخل لبنان، حيث تتشابك وتتداخل فى لبنان مصالح دول إقليمية متعددة، ومن بينها هذه القوى الإقليمية المملكة العربية السعودية وإيران، فإذا كانت «المملكة» تدعم وتؤيد استقرار الدولة اللبنانية ومحاولة منع تنامى النفوذ الإيرانى فيها؛ لأسباب استراتيجية، فإن صعود «حزب الله» برلمانيًا وحكوميًا سيجعل المنافسة أكثر شراسة ما بين السعودية وإيران داخل لبنان، ومن ناحية أخرى من الممكن أن يسبب مشكلات مادية داخل الجيش اللبنانى فى حالة التوقف التام عن الدعم المادى الخارجى من بعض الدول الإقليمية والتى من بينها المملكة العربية السعودية. 
إضافة لمزيد من تفاقم الأزمات اللبنانية بسبب الأزمة السورية، حيث كان تدخل «حزب الله» فى السنوات القليلة الماضية فى الأزمة السورية أمرًا خاصًا به هو، على الرغم من تشكيله بعض المشكلات للدولة اللبنانية نفسها، إلا أنه كان فى النهاية شأن حزبى، وبعد النجاح الذى حققه «حزب الله وحركة أمل» مؤخرًا فى هذه الانتخابات، فمن المتوقع أن يتسبب مزيد من تدخل حزب الله فى الأزمة السورية فى تفاقم المشكلات المتعلقة بهذه الأزمة بالنسبة إلى الدولة اللبنانية، حيث إن تدخل الحزب فى الأزمة السورية لن يؤخذ بعد ذلك على أنه تدخل حزبي، بل تدخل من قِبل الحكومة التى سيكون من صميمها مسئولون من حزب الله. 
ومن ناحية الضغط الإيرانى على الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإنه بعد تزايد دور «حزب الله» فى الحياة السياسية اللبنانية، وبعد تحقيقه فوزًا فى الانتخابات الأخيرة فإن نفوذ إيران داخل لبنان من المتوقع أن يسير باتجاه تصاعدي، مما سيمنح إيران مزيدًا من أوراق اللعب السياسية داخل لبنان المحاذية لإسرائيل.
وتزايد نفوذ حزب الله فى لبنان معناه تصاعد دور إيران على الحدود الإسرائيلية، مما سيشكل فرصة لإيران للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، فى العديد من الملفات، التى يأتى أبرزها قضية الملف النووى الإيرانى والاتفاقية النووية التى أعلنت الولايات المتحدة خروجها منها مؤخرًا، ففوز حزب الله يدعم الموقف الإيرانى أمام الدول الغربية فى المفاوضات الجارية.
أخيرًا، فإنه وبرغم فوز حزب الله بهذه المقاعد، إلا أن طبيعة الحكومة اللبنانية تخضع لتوافقات ما بين الكتل المختلفة داخل الدولة، هذا بالإضافة إلى الاتفاق وطنيًا على تولّى الطوائف المختلفة فى لبنان للمناصب العليا، ولا يعنى ذلك ضعف دوره المستقبلي، بل على العكس من ذلك لن يقتصر دور حزب داخل البرلمان، بل سيكون له الأولوية فى الائتلافات الحكومية المقبلة، حيث سيستطيع تشكيل وزارات مختلفة بلبنان، مما سيعطيه مكانة سياسية وقدرات قوية داخل الأراضى اللبنانية تعزز من دوره إقليميًا. 
إلا أن الحكومة اللبنانية الجديدة، من المتوقع أن تواجه مشكلات دولية فى التعامل السياسي، وذلك بسبب تصنيف العديد من الدول فى منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية لـ«حزب الله» كجماعة إرهابية، مما سيضع الحكومة والدولة اللبنانية فى مأزق دولى.