الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

خبراء: إحياء "مسار رحلة العائلة المقدسة" يعزز السياحة الروحية والثقافية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكتسب السياحة الروحية والثقافية في مصر قوة دفع كبيرة باحياء مسار رحلة العائلة المقدسة والتي تتضمن زيارات للمعالم الدينية والأثرية والثقافية.
وحسب تصريحات صحفية لتيرتوني بريسوزا رئيسة جمعية "يوني تالسي لاتسيو" الإيطالية للسياحة الدينية التي نظمت زيارة اول فوج إيطالي لمسار العائلة المقدسة والمقرر ان تختتم غدا "الخميس" فان فوجين اخرين يستعدان لزيارة المسار.
وإذ بدأت رحلة هذا الفوج السياحي الإيطالي يوم السابع عشر من شهر يونيو الجاري يتفق المعلقون على أن هذا النمط من السياحة يستدعي تعزيز التعاون الثقافي المؤسسي بين عدة وزارات في وقت يتصاعد فيه الاهتمام بعناوين السياحة الروحية والثقافية، كما يدعو فيه بعض المثقفين البارزين رجال الأعمال لدعم هذا النمط من السياحة.
وبينما يشهد مونديال (روسيا-2018) حملة في هذا العرس الكروي العالمي للترويج للسياحة في مصر كان معلقون في الصحف ووسائل الاعلام قد رأوا أن تجارب رجال الأعمال المصريين الذين وجهوا دعوات لنجوم الكرة العالمية لزيارة مصر فكرة ناجحة وتركت اثارا بعيدة على السياحة المصرية ولكن هناك جانبا اخر يجب ان نهتم به وهو السياحة الروحية والثقافية".
ولا ريب أن وزارة الثقافة يمكنها أن تكون طرفا رئيسا في منظومة مؤسسية متكاملة لتفعيل السياحة الروحية والثقافية في مصر برصيدها الروحي والحضاري الثري وقد تتمثل هذه المنظومة المؤسسية في "المجلس الأعلي للسياحة" الذي يضم عدة وزارات.
وفي شهر فبراير الماضي جرى تشكيل لجنة وطنية بقرار من رئيس الوزراء تضم ممثلين لكافة الوزارات والجهات ذات الصلة لتذليل اية عقبات تحول دون تنفيذ متطلبات التطوير اللازمة لاحياء مسار رحلة العائلة المقدسة.
وإذا كانت جمعية "يوني تالسي" الإيطالية تنظم سنويا رحلات سياحية روحية لنحو 100 ألف شخص فإن من الأهمية بمكان مد جسور التواصل مع هذا النوع من الجمعيات والمنظمات المعنية بالسياحة الروحية والثقافية لتعظيم زيارات السائحين للأرض التي استضافت السيد المسيح منذ اكثر من الفي عام و"مسار رحلة العائلة المقدسة خير شهادة على ان مصر بلد الآمان والسلام والمحبة" كما قال البابا تواضروس بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
وفي شهر أكتوبر الماضي بارك البابا فرنسيس بابا الفاتيكان "الأيقونة الخاصة برحلة العائلة المقدسة في مصر واعتمد المسار وادرجه ضمن قائمة الحج الفاتيكاني حول العالم" فيما كان قد التقى البابا تواضروس الذي اعلن امس "الثلاثاء" عن لقاء جديد مزمع بينهما خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وكانت تيرتوني بريسوزا قد أشارت إلى أنه من المتوقع مبدئيا أن تقوم جمعية "يوني تالسي" بتنظيم زيارات لـ500 شخص سنويا لمسار العائلة المقدسة في مصر؛ فيما قالت وزيرة السياحة رانيا المشاط إن "مصر، التي فتحت ذراعيها واستقبلت السيد المسيح وأمه مريم العذراء، تفتح ذراعيها دوما لتستقبل زائريها من مختلف انحاء العالم".
وفيما يؤكد على أهمية السياحة الدينية التي يمكن أن تجذب ملايين السائحين أعاد الخبير السياحي محمود عبد المنعم القيسوني للأذهان أن مصر البلد الوحيد في العالم الذي تشرف بزيارة السيد المسيح الذي خرج من وطنه بعد تصاعد الاضطهاد الروماني في فلسطين ليقيم مع امه السيدة مريم العذراء على ارض مصر لمدة نحو اربع سنوات.
وأوضح أن لجنة السياحة البيئية بالاتحاد المصري للسياحة عرضت فيلما يرمي لوضع خطة لاستثمار 27 موقعا مرت عليها العائلة المقدسة في رحلتها بمصر ومع أن دير سانت كاترين في جنوب سيناء ليس من بين هذه المواقع فإنه يجذب لزيارته نحو 400 ألف سائح اجنبي سنويا كما يقول القيسوني مستشهدا باجمالي التذاكر المباعة والمخصصة لهذا الموقع العام على خارطة السياحة الروحية والثقافية المصرية.
وأوضح القيسوني في طرح ثقافي أن مواقع رحلة العائلة المقدسة بمصر تتضمن أماكن على ضفاف النيل؛ فضلا عن الصحاري الملاصقة للوادي والمحميات الطبيعية "ما يشكل تجمعا هائلا لكل مقومات السياحة سواء كانت دينية وثقافية وبيئية" او غيرها لافتا الى ان محافظة أسيوط وحدها بها خمسة مواقع مرتبطة بهذه الرحلة.
ومن المنتظر أن تقوم أفواج سياحية من استراليا والولايات المتحدة؛ فضلا عن إيطاليا بزيارات لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر خلال شهري سبتمبر واكتوبر القادمين فيما بدأ هذا المسار يعرف طريقه لكتيبات الترويج السياحي لمصر في الخارج وقامت مجموعتان من الفلبين والهند بزيارتين سابقتين لهذا المسار.
وإذ يشدد محمود عبد المنعم القيسوني على أهمية استثمار مواقع رحلة العائلة المقدسة بمصر في المسافة التي تقدر بـ3500 كيلو متر رأى وزير الثقافة السابق حلمي النمنم أن "التحدي الحقيقي يتمثل في تأسيس الفعاليات بشكل قوي وصحيح" وهي رؤية ينبغي تطبيقها عمليا في مجال السياحة الروحية والثقافية وبما يتوافق مع معايير الزمن العالمي ومتطلبات التعامل مع الضيوف الأجانب التي ستجد في المخزون الأصيل للقيم المصرية مايكفي في فعاليات ثقافية ومهرجانات فنية بمصر المبدعة والمنفتحة على كل كل الابداعات الانسانية في العالم.
ورحلات السياحة الروحية والثقافية لمصر مثل زيارة مسار العائلة المقدسة تثبت للعالم ان ارض الكنانة تنعم بالأمن والآمان وترد عمليا على حملات الإساءة والافتراءات من جانب قوى الشر التي لاتبغي خيرا لمصر والمصريين.
ومن نافلة القول إن السياحة الروحية والثقافية تنعكس بصورة إيجابية على كل صور وانماط السياحة الأخرى وهو ما يتجلى مثلا في قيام أفراد أول فوج إيطالي لزيارة مسار رحلة العائلة المقدسة بزيارات لمناطق سياحية ومعالم أثرية كالمتحف المصري وأهرامات الجيزة ومشاهدة عرض للصوت والضوء.
وكخبير معني في المقام الأول بالسياحة البيئية يلفت محمود عبد المنعم القيسوني لأهمية استثمار الإمكانات المصرية في مجالات سياحة الغوص و"سياحة عمق الصحراء والسفاري" و"سياحة مراقبة الطيور" التي يتضاعف عدد السياح من محبيها بالملايين كل عام فيما تقع مصر على اضخم ممر لهجرة الطيور في العالم.
ومن حسن الطالع أن تتزامن هذه التطورات الإيجابية على صعيد السياحة الروحية والثقافية مع فوز مدينة الإسكندرية بتنظيم مؤتمر المتاحف الدولي الذي سيعقد في شهر سبتمبر عام 2022 ولأول مرة في القارة الأفريقية.
ويرى وزير الآثار الأسبق الدكتور زاهي حواس أن المتاحف المصرية يمكنها ان تحقق مكاسب هائلة لمصر على صعيد السياحة الثقافية فيما اقترح إقامة مشروع لبيع "المستنسخات الأثرية" في المتااحف كالمتحف القبطي والإسلامي في العالم وتوقع ان يحقق هذا المشروع مكاسب هائلة.
واذا كانت زيارة أول فوج إيطالي لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر اثارت قدرا كبيرا من الاهتمام كما هو واضح في وسائل الاعلام المصرية والعربية والعالمية فإن الحاجة قد تكون ملحة لاستلهام فكرة هذه الزيارة لتفعيل السياحة الثقافية عبر استضافة شخصيات ثقافية عالمية وتنظيم فعاليات سياحية ثقافية على مستوى رفيع بامتداد الوطن الذي كان ومازال حاضرا في اهتمامات ووجدان ابرز المثقفين في العالم.
وحظت زيارة الفوج السياحي الإيطالي لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر بكثير من الطروحات بعضها له صبغة ثقافية واضحة فيما أكد العديد من المعلقين على التأثير الايجابي لهذه الزيارة فيما يتعلق بتنشيط السياحة على وجه العموم.
وإذا كانت هذه الزيارة للفوج السياحي الإيطالي لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر قد تركت أصداء إيجابية في وسائل الاعلام الإيطالية والغربية فإن بالوسع أيضا استضافة نجوم في سماء الفن والثقافة العالمية من أصحاب الشعبية الكبيرة لمصر ضمن خطة مدروسة لتفعيل السياحة الثقافية وبروح "الطاقة الايجابية".
ولم يجانب الصواب هؤلاء المعلقين الذين قالوا إن صورة عند أهرامات الجيزة للأديب البرازيلي باولو كويلو أو الفنان الأمريكي بوب ديلان الحاصل على جائزة نوبل في الآداب قد تساوي الكثير.
فمثل هؤلاء النجوم في عالم الأدب والثقافة والفن لهم ملايين وملايين المعجبين في شتى أنحاء العالم وهم يشكلون جزءا هاما من صورهم الذهنية وتصوراتهم بناء على صور وأخبار نجومهم ومن ثم فزياراتهم لأي بلد تحقق لهذا البلد الكثير من العائدات المنظورة وغير المنظورة ناهيك عن مصر التي تعد اغنى بلدان العالم في تراثها من الآثار ومدهشات وعجائب التاريخ الانساني.
ولعل السياحة الثقافية بفعالياتها ومهرجاناتها يمكن أن تسير جنبا إلى جنب في منظومة متناغمة مع "السياحة الرياضية" التي تمضي بقوة بدول عدة في وقت تبرهن فيه على أهميتها البالغة كما يتجلى في المونديال الحالي بروسيا.
وفي سياق دعوته لتأسيس ما يصفه "بمتحف مصري مفتوح ينثر الحضارة وينشر الجمال" عبر تزيين ميادين مصر"، بلد الحضارة الفرعونية"، بأعمال فنية وقطع أثرية فرعونية كان الناقد الرياضي والكاتب حسن المستكاوي قد أعاد إلى الأذهان أنه في دول مثل اليونان توضع مجرد قطعة حجر ضخمة في ميدان ما "وتسلط عليها الأضواء ليلا وتراهم يفخرون بالحجر باعتباره اثرا".
والثقافة الوطنية المصرية التي قدمت أمثلة مضيئة في دعم المشاريع النهضوية الدولة مثلما كان الحال في ستينيات القرن الماضي عندما زار الأديب والمفكر الفرنسي جان بول سارتر مصر على سبيل المثال مدعوة الآن للقيام بهذا الدور البناء وتضافر الجهود داخل وزارة الثقافة وخارجها على مستوى النخب الثقافية المصرية لمساندة كل مايخدم ويروج للسياحة الثقافية بعد ان عانت السياحة عموما من هجمات غادرة للارهاب الآثم.
ومن نافلة القول أن انجاز مشروع عملاق للصناعات الثقافية الابداعية كجزء من رؤية وطنية شاملة لتطوير المشاريع الثقافية في أرض الكنانة انما يخدم في المقام الأول "السياحة الثقافية" بقدر ما يتطلب تآزر الجهود من جهات متعددة متصلة بمجال "المنتجات الثقافية" بما يتطلبه ذلك من خيال خلاق وافكار للتحديث ومراكز للتعليم والتدريب.
وواقع الحال أن هناك حاجة لتعزيز ما يمكن وصفه بثقافة السياحة في مصر والاستفادة من خبرات هامة في هذا المجال لعلها تتجلى في دول بحر متوسطية (اسبانيا وفرنسا واليونان وقبرص)، مع التنويه بحقيقة اساسية تتمثل في اهمية السياحة الثقافية في هذه الدول وغيرها في عالم اليوم فضلا عن الدور المحوري للسياحة في دعم التواصل الثقافي بين الشعوب والأمم وأهميتها غير المنكورة على صعيد الاقتصاد.
وهناك أيضا في ادبيات العالم المعاصر تأكيدات على أهمية "الدبلوماسية الثقافية" التي تحقق التواصل الايجابي بين الدول والأمم ومصر مؤهلة للقيام بدور كبير في هذا السياق باعتبارها من المنظور التاريخي-الثقافي طرف أصيل في صياغة وجدان الانسانية والضمير العالمي ولها صدقيتها وجاذبيتها لدى العديد من المثقفين في العالم.
وبحكم عبقرية المكان وثراء التاريخ فإن مصر تستطيع دخول عصر الصناعات الابداعية من أوسع الأبواب لهذه الصناعات التي تتيح بيئة جاذبة للسياحة الثقافية فيما لهذه الصناعات الابداعية المتصلة بالتراث الثقافي ان تعبر عن شخصية مصر ومواهب المصريين بقدر ماتسهم في دعم القوة المصرية الناعمة.
والصناعات الابداعية من خصائصها جذب الزوار ومن ثم فبمقدورها أن تنهض بدور كبير لدعم السياحة الثقافية وتفعيل أفكار ومقترحات لمحللين ومعلقين بشأن الاستغلال السياحي الأمثل ومن بينها اقتراح بإعداد برامج سياحية تشمل برامج قصيرة ليوم أو يومين لزيارة المعالم السياحية في القاهرة والجيزة والتسوق من مراكز تجارية كبرى بمنطقة القناة تعرض منتجات ابداعية مصرية.
وفي وقت يكثر فيه الحديث عن "الهامات زيارة الفوج السياحي الإيطالي لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر" فالسياحة الثقافية بحاجة دوما لالهامات بقدر ما تشكل هي ذاتها الهامات للآخرين دون اغفال للجوانب التجارية والابعاد الاستراتيجية والامكانات الاستثمارية في قطاع امسى يشكل احد اهم مصادر القوة الناعمة لأي دولة كما انه يشكل قوة للاقتصاد الكلي.
والسياحة الثقافية في العالم المعاصر قائمة على التفكير بصورة غير تقليدية وانتاج أفكار جديدة بعيدا عن النمطية ولعل دولة كأسبانيا تجسد معنى "السياحة الثقافية" بمتاحفها التي تستضيف عشرات اللوحات لأشهر الفنانين عبر التاريخ الانساني مثلما حدث عندما استضافت معرضا لأعمال الفنان الايطالى رفاييل سانزيو، أحد أعظم فنانى عصر النهضة، والذى تمكن فى سنواته الأخيرة من أن يكون "الرسام الأكثر تأثيرا فى الفن الغربى".
ومثل هذه الفعاليات تكون دوما موضع اهتمام الصحافة الثقافية العالمية ومن الطبيعي أن تجذب المزيد من السياح لأسبانيا على سبيل المثال ومن هنا فثمة ضرورة لتطوير وتحديث خطط العمل من حين لآخر على أساس وطيد من قاعدة بحثية؛ فضلا عما تتيحه فرص التواصل المباشر مع الزبائن من التعرف على الاتجاه الذي ينبغي ان نحشد فيه طاقاتنا.
ولئن كانت منظمة اليونسكو، المعنية عالميا بالثقافة، قد اختارت أن تعرف الثقافة بأنها جماع السمات المادية والفكرية والاجتماعية وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة معتبرة أنها وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته فإن هذا التعريف يوميء لأهمية الثقافة ضمن أي مشروع للتقدم بقدر ما يشير لمعان غير بعيدة الصلة بمفاهيم السياحة الثقافية.
ومصر بمعطياتها التاريخية وتطوراتها وطابعها المنفتح على العالم تشكل موئلا طبيعيا لتكوين كوادر تعمل في مجال السياحة الثقافية وتمتلك مهارات جديدة ومرتبطة باقتصاد العولمة الجديد وبصورة تتوافق مع الحاجة الى "عقل جديد وتفكير جديد وخيال جديد".
والمصريون صناع حضارة بالفطرة وتخصيص حيز مناسب للاهتمام بالسياحة الثقافية إنما يعبر عن هذه الحضارة بقدر ما يخدم حركة التنمية ويشكل مصدرا هاما للدخل القومي.. إنها مصر الملهمة بثقافتها وروحانيتها التي تشكل أسطورة عشق وتميمة محبة لكثير من المثقفين في العالم.