الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مورستان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البشرية لم تتغير على أيدى الأنبياء لكى تتغير على أيدى المفكرين. إذا اعتبرت نفسى كذلك، فالأغبياء لن يفهموا غير صوت عطل عقولهم. الأشرار لن يتبعوا غير قبور ضمائرهم، والصالحون صالحون، مهما كانت فصائلهم. هدفى فى الحياة، ليس له معنى من الأساس، ولكنه يقودنى كواجب عليَّ قضاؤه. ولعل جيلًا صغيرًا، يزرع فيه كيف يفكر فينجو، ولكنى أعلم بقلتهم، وبما سيواجهونه، فى محاولة تغيير واقعهم، ثم إحباطهم، لمَا يعرفون أن البشرية لن تتغير. لهذا خفت دائمًا أن تكونى مثلي، فقد وُلد ومات قبلى الكثير، وبقيت الدنيا على حالها، وهكذا ستبقى إلى يوم البعث.
لكنها اللعنة التى أصابتني، المرض الخبيث الذى هاجم أعضائى ولم يكتشفوا له علاجًا بعد، جعلنى مختلفة عن العالمين، ولا يدرى أحد بذلك. فأنا محاربة، كل يوم جديد يمر عليَّ، هو بمثابة تحدٍّ عظيم، كل فكرة تدور فى رأسى تمثل سرطانًا، يأكل كل ما بداخلى من شيء حي. فتتداعى جميع الأعضاء، وأظل أصرخ ولا يسمعنى أحد.
أعيش كل يوم معاناة النجاة من المرض. أن يكون شكلى طبيعيًّا، قدر الإمكان. أن أتجنب تغلبه عليَّ؛ فيحولنى إلى كل ما لا أريد أن أكون، وكل ما أكره. أن أتجنب نقله كعدوى إلى من حولى ممن أحب، كما أتى إليَّ ممن كان عليهم حمايتى من البداية، بسبب الإهمال…
حالتى عَسِرة، فأنا أحارب الموت القابع بداخلي، فى كل لحظة أحياها مع الألم، ومع كل فكرة توخزنى كالسكين البارد، محاولة تقطيع شراييني، ولكنى أناضل، رغم عدم استيعابى لفائدة كل هذا العناء، فكل ذلك عندى بلا معنى، ولكنى مازلت أحاول النجاة… ورغم وحشة وحدتي، سأبقى على ابتسامتي، التى تعطى أملًا لآخرين، من شخص بلا أمل. لن أبحث أبدًا عن الخلاص؛ لأن المحاربين يعون جيدًا، أن كل ثانية تمر، بكل بساطة، قد تكون هى الأخيرة.
الفلاسفة والعظماء ماتوا، ولم يخلفوا بعدهم أبدًا، سوى بعض المثقفين، الذين يقرأون لهم، ويتحدثون فى أفكارهم، وليست لهم أفكار جديدة تمثل أى شيء يذكر، مثلهم كمثل العامة من الناس، الذين يتحدثون فى الأفكار التى توارثوها بدون تفكير غزير، أو أى تفكير أصلًا، مع اختلاف أنهم اختاروا من يتبعون، دون تلقى هذا من أحد، ولكن فى النهاية هم ليسوا إلا تابعين أيضًا. انتهى زمن الأبطال فى العالم كله، فالكل أصبح مسخًا وتابعًا، وليس من مفكرين ولا فلاسفة، لا فى مجتمعاتنا الميتة ولا فى المجتمعات التى تقدمت علينا شكليًّا وماديًّا، لكنها لا تفهم سوى ما يقال لها فى التلفاز، كما نحن تمامًا… على مر العصور والنابغون فقط هم من يقتلون وينفون خارج البلاد؛ لأنهم أرادوا تحريك الرأى العام نحو حقيقة لم يألفوها، حقيقة غفل الجميع عنها، فكان فى إظهارها بالنسبة لهم هرطقة، وخروج عن النص، وتكدير للأمن القومي، من علم أو دين أو أنظمة حكم أو فلسفات إنسانية.. ثم يقدر مجهود هذا الذى إما قُتل أو دفن حيًّا بعد آلاف السنين أو أقل، من شعوب تقبلت أفكاره فى ظاهرة تشبه نظرية التطور ولكن للعقول، ثم هم أنفسهم يحكمون بعد ذلك بالموت، لكل من سبق عصره فى زمانهم وقال ما لا يفقهون.
التعلم من الماضى يبدو وكأنه شيء مستحيل. التفكير يبدو وكأنه الأصعب على الإطلاق، رغم أنه الشيء الوحيد الذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات!! مع إصرارى على كامل حقدى على كل من يعيش بدون عقل، مرتاح البال… ثم إننى فى وقت ما اقتنعت بأنه لا وجود لما يسمى بشخص عظيم فى المطلق، بل أحيانًا تلد الأرض أناسًا على شكل مصباح مضيء، فإما أن ينتفع من حوله بنوره لإيجاد وعمل الخير، وإما أن يختاروا أن يكسروا زجاج المصباح ليكملوا العيش فى الظلام الذى اعتادوه.. إن عظمة شخص من عدمه، يعود لما إذا كان المجتمع من حوله أعظم منه ليقدِّره أم لا… أما أنا، فاخترت أن أخفت من إضاءة مصباحى هذا؛ كى لا ينير إلا طريقك أنتِ، وهذا كافٍ جدًّا بالنسبة لي.