الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

وليام جولدنج الحائز على جائزة نوبل.. والسقوط الحر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشرت روايته الأخيرة "أطلق النار للأسفل" قبل أربع سنوات من موته وهو في الحادية والثمانين من عمره ممثلة للقوى المتنازعة داخله، فكان ويليام جولدنج الذي تحل اليوم 19 يونيو ذكرى وفاته (19 سبتمبر 1911-19 يونيو 1993)، مهتم بالأفكار أكثر من اهتمامه بالناس وبرؤية الإنسانية من منظور كوني بدلًا من محيط اجتماعي يومي".
وصف الناقد البريطاني أنتوني برجس موهبته كونها "عميقة وضيقة" وشياطين جولدنغ في الغالب تسوقه لتحليل حدود إنجازه. وبعد نشر رواية "الورثة" ونجاحها أشار جولدنج إلى أنه رأى نفسه روائيًا " نال الإعجاب عالميًا ولكنه غير مقروء". كان ذلك تبصرًا. باستثناء "سيد الذباب" فإن روايات جولدنج الغريبة المسحورة الصعبة يقرأها القليل هذه الأيام ومكانته بعد وفاته مهملة وفي حالة تدهور.
ولد جولدنغ في كورنويل عام 1911، وهو جزء فعال من ذلك الجيل من الروائيين الإنجليز أمثال (جراهام جرين وأنتوني باول وألدوس هكسلي) الذين بلغوا نضجهم في زمن الحرب العالمية الثانية.ولكن نجاح جولدنج ككاتب كان بعد الحرب تمامًا، التحق غولدنغ بالبحرية بعد انتهاء الحرب بسنة، وفي يوم تحرير أوربا عام 1944 ومعركة وولشرين بعد أشهر كان في خدمة سفينة الإنزال المطلقة لنيران الصواريخ وهي سفينة مصممة لحمل نيران بكل الاتجاهات بأسلوب "الصدمة والرعب" الرهيب والمتكون من آلاف الصواريخ المميتة الصغيرة. رأى جولدنج بصورة واضحة، وهو يشغّل آلية إطلاق النار من على جسر سفينته، التأثير المدمر غير المميز لجدار النار والتدمير الذي كان ينطلق من صواريخه الكثيرة وهي تنفجر على رؤوس السواحل والقرى الساحلية.
خرج من الحرب سالمًا مع عودة مترددة إلى التعليم الممل في ولتشاير. ويؤكد كيري أن حربه في البحرية أقلقته بعمق بطرق مختلفة (على النطاقين الشخصي والفني)، والعديد من الثيمات الرئيسة في "سيد الذباب" يمكن رجوعها إلى هذه التجارب العويصة والمزعجة.
ويليام جولدنج حاصل على جائزة نوبل للآداب، حاز شهرته من رواية "سيد الذباب"، ولد في محافظة كورنويل، جنوب غرب انجلترا ودرس العلوم الطبيعية في جامعة أوكسفورد لسنتين قبل أن يغير اختصاصه إلى الأدب الإنجليزي. تزوج في عام 1939، وأنجب طفلين.
أصدر جولدن أمير الذباب في عام 1954. وتتحدث الرواية عن مجموعة من الأولاد، تتراوح أعمارهم بين الخامسة والرابعة عشرة من العمر، تتعرض طائرتهم لنيران طائرات العدو خلال حرب خيالية، ولم ينجو أحدٌ من البالغين. تبدأ الرواية بترتيب الأولاد لأنفسهم، ولكن لا تلبث شخصياتهم بالتحول إلى وحشية، وتبدأ البدائية بالظهور عليها.
يقول الناقد جون كيري حينما كتب السيرة الذاتية لجولدنج أنه في أواخر الستينيات وبعد 15 سنة من نشر رواية "سيد الذباب" اعترف وليم جولدنج إلى صديق بأنه مستاء من الرواية لأن ذلك يعني بأنه يدين بمكانته لما اعتقد أنه كتاب ثانوي جعله كلاسيكيًا طوال حياته، التي كانت "نكتة"، وأن المال الذي كسبه منها كان "مالًا محتكرًا" لأنه لم يستحقه في الواقع.
عمل جولدنج مدرسا في قرية وعمره الثانية والأربعين وكان بأمس الحاجة إلى نشر رواية لكن رواية "سيد الذباب" رفضت من قبل العديد من الناشرين قبل أن يرى محرر حديث نشيط في دار نشر فابر وفابر هو جارلس مونتيث قوتها الكامنة وشجع جولدنج على عمل التغييرات. وفي عام 1980 وصلت المبيعات في الولايات المتحدة نفسها إلى سبعة ملايين.
ويقول كيري إن جولدنج بالنسبة للكتاب الآخرين هو نموذج للبادئ المتأخر. وأنت لا تحتاج أن تكون شابًا كي تصنع اسمك، وما إن حقق جولدنج ذلك النجاح الأول فإنه في الواقع لم يتركه. كانت رواية "سيد الذباب" لحقتها بشكل سريع روايتا "الورثة" 1955 و"بنجر مارتن" 1956 وكلاهما نشرتا وكان استقبالهما حماسيًا كبيرًا إن لم يكن عالميا. بدا صوت جديد مميز جدا يصل إلى الأدب البريطاني المعاصر. كان الاستقبال النقدي ليس دائمًا مؤيدا جدا للروايات المتتابعة، وفي المقابل عانت روايته "السقوط الحر" عام 1955 من الفشل العام تقريبًا، وبالرغم من ذلك كانت حياة جولدنج المادية مضمونة للأبد بفضل المبيعات الكبيرة غير المنقطعة لرواية "سيد الذباب".
ويوجز كيري كاتب السيرة الذاتية لجولدنج، الهاجس الثابت في الروايات كونها "تصادمًا بين الروحي والإعجازي" و"العلم والعقلانية". فالحساسية المفرطة المستمرة للأوجه المقدسة والروحية للعالم والحالة الإنسانية هي التي وضعت جولدنج بعيدا عن النهر الواسع للواقعية الاشتراكية التي حاصرت بشدة الرواية الإنجليزية في القرن العشرين. إنه نوع من البشر الخارجين عن جماعته بالطريقة التي كان فيها د.هـ.لورنس أو لورنس دوريل أو جون فاولز- إذا ما سمينا ثلاثة منهم- ويعتقد كيري أن هذه الغرابة توضح كيف أن الاستجابات النقدية لأدبه، خلال حياته وبعد النجاح الأولي، كانت منقسمة على نحو عنيف. اما أن تحب وليم غولدنغ كما يبدو أو أن تكرهه.
ترجمت روايته "السقوط الحر" الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 1983، ضمن مشروع "ترجم" التابع لمؤسسة محمد بن راشد، وصدرت عن "الدار العربية للعلوم- ناشرون" في بيروت. وقد ترجمها إلى العربية الدكتور محمد درويش، والرواية عبارة عن قصة حب رهيب، وهذه القصة تنطوي بدورها على قدر كبير من القسوة والكراهية، فهي كما رأى بعض نقادها رواية صادمة، من حيث تصويرها الأذى الذي يمارسه الإنسان على الإنسان، صورة يبدو معها في أبشع أشكاله، وحيث كل همّ الإنسان الاستئثار بالحب والحرية، ليكتشف بعدها عبثية بحثه عن الحب والحرية، وأن البشر هم جدران الغرف التي تقيّده وتمنع عنه حريته.