السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

أحلام "السلطان" تحرك السياسة التركية

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على المستوى الخارجي، تم اعتماد مقاربة سلمية أعلنها «أتاتورك» تجلت فى قوله «السلام فى الداخل والسلام فى العالم»، ومع ذلك عملت حكومته على تمهيد الطريق أيضًا لسياسات حيوية فى المستقبل؛ فمع أعتاب الحرب العالمية الثانية، ضمت تركيا مقاطعة هاتاى عام ١٩٣٩، والتى كانت تحت السيطرة الفرنسية بعد الحرب العالمية، والسيطرة على قبرص فى عام ١٩٧٤.
بالإضافة إلى هذه السياسات، أقامت تركيا علاقات حسن الجوار مع أعدائها السابقين، مثل روسيا واليونان، منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين فصاعدًا، كما سعت إلى إنشاء منظمات تعاون إقليمية مثل حلف البلقان (١٩٣٤) وميثاق ساداباد (١٩٣٧).
وتمثل هذه القرارات، أمثلة على تفضيل تركيا، للتعددية فى حل النزاعات، داخل المنظمات الدولية، ومع ذلك، فإن العلاقات الخارجية لتركيا فى العقود الأولى من الجمهورية، لم تكن متناغمة بشكل خاص مع التدخل فى منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع العرب، وفى الواقع، كان هناك خطاب يعكس عن رؤية تركيا للمنطقة بعنوان «مستنقع الشرق الأوسط» الذى يعكس خيبة الأمل لدى الأتراك بشأن سلوكهم خلال الحرب العالمية الأولى، وبالتالى الرغبة فى الابتعاد عن الصراعات فى المنطقة.
استمر عنصر التعددية بعد وفاة «أتاتورك»، حيث أصبحت تركيا أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة ومجلس أوروبا، وانضمت إلى حلف الناتو فى عام ١٩٥٢، بعد ثلاث سنوات من إنشائه وانضمت إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية، كما شكل الاتحاد الأوروبى فيما بعد، هدفًا لتركيا كدولة موالية للغرب لعدة عقود، والذى لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.
تركيا الجديدة
عن «تركيا الجديدة»، كتب القومى المحافظ، أحمد كاباكلي، كتابًا تحت عنوان «تركيا المسلمة» عام ١٩٧٠، يدعو فيه إلى أن تكون تركيا أكثر توجهًا نحو الدين، واضعًا الإسلام فى مركز الهوية الوطنية ويعرض الدمج التركى الإسلامى باعتباره حجر الزاوية فى الأمة التركية، كما كانت أفكاره تنتقد تركيا الحديثة الغربية التى فى نظره فقدت فى حكم أتاتورك الاتصال مع ماضيها العثماني. 
وعلى الرغم من كون هذه الحجج فى ذلك الوقت مجرد تفكير بالتمني، لكنها أصبحت حقيقة؛ حيث ارتبطت أفكاره بالتطورات المحلية فى العشرين سنة الماضية، ومع ظهور سياسة التعددية الحزبية، أصبح السياسيون خصوصًا من التيار اليمينى الوسطى أكثر استجابةً للمستجدات الجديدة على الساحة المحلية.
وكان صعود حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة فى عام ٢٠٠٢، نتاجًا لسياسة اليسار المركزى واليسار الوسطي، التى انقسم كل منهما إلى حزبين يساريين ومعارضين يمينيين، كلهم مصابون بالفساد وعدم الكفاءة والرغبة الحزبية الأنانية للسلطة، هذه الحالة خلقت وضع من عدم الاستقرار السياسي، والتى كان لها تأثير ضار على الاقتصاد التركي. 
فى ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الإسلاميين فى حزب العدالة والتنمية من جانب الشعب التركي، على أنهم قادة أمناء وكفء، يحاولون تحقيق المزيد من الديمقراطية، وكذلك تركيا المسلمة، كما كان توقع الاستقرار أحد الأسباب المهمة التى جعلت الناخبين يصوتون لصالح الحزب الجديد.
وعلى ذلك، لا تزال السياسة الأردوغانية، فى ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية، قائمة على الانتهازية السياسية، من خلال عضوية حلف «الناتو» عبر الأطلسي، لكنها لا تخجل من المشاركة الأوثق مع روسيا ودول الشرق الأوسط بشكل خاص، وهناك اهتمام متزايد تجاه الأراضى السابقة للإمبراطورية العثمانية، والدول الإسلامية الأخرى، وكذلك القارات الأخرى مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعلى سبيل المثال، كان لدى تركيا ١٢ سفارة فى أفريقيا فى عام ٢٠٠٩، ارتفع هذا الرقم الآن إلى ٣٩ سفارة بالقارة السوداء، تستغلهم أنقرة فى التغلغل بأفريقيا.
على ذلك؛ تم تنويع السياسة الخارجية التركية فى مقابل السياسة الخارجية الموالية للغرب التى أجريت خلال معظم الحقبة «الكمالية»، دون نسيان أول انفتاح على إفريقيا والشرق الأوسط فى الستينيات، بسبب رغبة تركيا فى كسب المزيد من سياسات الدعم لقضية قبرص. 
أما عن الأيديولوجية فى توجه الحكومة الجديدة، فيعكس ذلك اتجاه السياسة الخارجية التركية تدريجيًا وبشكل متزايد نحو التوجه الإسلامى للحكومة فى السلطة منذ عام ٢٠٠٢، برغم أنه خلال سنواته الأولى، قام سياسيون مثل رجب طيب أردوغان وعبدالله جول بتقليل خلفيتهم الإسلامية، مع التركيز على سياسة خارجية موالية للاتحاد الأوروبى من خلال الاجراءات الديموقراطية الداعمة لها. 
ومع ذلك، لم يغير ذلك حقيقة أن قيادة حزب «العدالة والتنمية»، بمرور الوقت، وخصوصًا منذ عام ٢٠١٦، استحوذت على الخطاب القومى بالإضافة إلى نظرتها للعالم الإسلامي،برغم أنها قادمة من نزعة إسلامية أيديولوجية قومية وليست محافظة ومع زيادة حزب العدالة والتنمية فى قوته، تبنت على مضض «أتاتورك» كرمز لوحدة الأمة.
وبالتركيز على السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، يمكن للمرء أن يجادل بأن النهج «البراجماتي» المبكر للشئون العالمية من عام ٢٠٠٢ إلى عام ٢٠٠٨، أفسحت المجال لسياسة خارجية أكثر نشاطًا أو استباقية تهدف إلى خلق تركيا جديدة ونظام إقليمى ودولى جديد. 
وبهذا المعنى، أصبح الحزب رجعيًا ومعاديا تجاه منظومة الأمم المتحدة، ويتجلى ذلك فى شعار الرئيس رجب طيب أردوغان: «العالم أكبر من خمسة» وهو الشعار الموجه إلى الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن. 
على سبيل المثال، استخدم هذه الكلمات الدقيقة فى سبتمبر ٢٠١٤، عندما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو فيها إلى مراجعة الوضع الراهن فى الأمم المتحدة، وكان «أردوغان» ينتقد بشكل خاص افتقار الأمم المتحدة إلى العمل لحل الأزمات التى أدت إلى خسائر فى الأرواح فى فلسطين وسوريا والعراق، فضلًا عن ضعفها فى الكفاح ضد الإرهاب. 
وكحل للعقوبات المتكررة فى مجلس الأمن، أوصى «أردوغان» بزيادة عدد الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن من خمسة إلى عشرين، مما يسمح لكل دولة بالحق فى أن يتم انتخابها كعضو دائم، وعلاوة على ذلك، فقد صرّح على وجه الخصوص بأنه ينبغى أن يكون هناك بلد ذو أغلبية مسلمة بين الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن.
إن نظرة أردوغان إلى العالم تتشكل إلى حد كبير من خلال استغلال مشاعر المسلمين؛ حيث ينظر إلى العالم من خلال الأضداد الثنائية مثل الغرب والإسلام، الاستغلال والعدل، السلمى والمحارب، خلال حديثه كانت كل الصفات الإيجابية المذكورة أعلاه ممثلة فيما أسماه «حضارتنا» وجميع الخصائص السلبية تشير إلى الممارسات الغربية فى الماضى واليوم، بعبارة أخرى، تعتبر الحضارة «العثمانية- الإسلامية» فى نظره أكثر عدالة وإنسانية مقارنة بالعالم الغربي.
فى السنوات الأولى للإسلاميين فى تركيا، طبقت حكومة حزب «العدالة والتنمية» نهجًا عمليًا فى الصراع العربى الإسرائيلي، محاولين العمل كوسيط بين سوريا وإسرائيل، لاسيما بعد العملية الإسرائيلية ضد غزة بين ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨ و١٨ يناير ٢٠٠٩، والمعروفة باسم عملية الرصاص المصبوب، وتوبيخ رئيس الوزراء «أردوغان» وقتها، القوى، للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، فى اجتماع المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس الذى يحمل إسرائيل مسئولية قتل الأطفال والنساء، وعليه؛ توترت العلاقات التركية الإسرائيلية. 
فى حين أقام حزب العدالة والتنمية بالفعل علاقات وثيقة مع حماس، وربما يعود ذلك إلى حزب الرفاة الاجتماعى فى الثمانينيات، حيث كان للحزب اتصالات مع العديد من الحركات الإسلامية، وهو ما يعكس التناقض الواضح فى السياسة الخارجية التركية، ومحاولة كسب جميع الأطراف المتناقضة.
وفى الواقع، إن إقامة علاقات أوثق مع العالم الإسلامى والحركات الإسلامية كانت عملية نوعية واضحة للسياسة الخارجية التركية الجديدة، التى ظهرت على مدار الأعوام الستة عشرة الماضية؛ حيث حاولت تركيا، امتلاك زمام الأمور وتحدد إلى حد كبير قواعد التفاعلات الدولية فى منطقتها وما وراءها، كما تم انتقاد النظام القديم لأنه سلبي، وأن السياسة الخارجية الجديدة تتوافق مع ماضيها وجغرافيتها، خاصة فى الشرق الأوسط؛ حيث أرادت تركيا خلق تحالف من البلدان ذات التفكير المماثل.
فى حين كانت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى إيجابية بشكل خاص فى أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بالتزامن مع سياسات حزب العدالة والتنمية التى استهدفت تقليص سلطة الجيش فى صنع السياسة التركية، وفتح المزيد من الحيز للجماعات العرقية بما فى ذلك الأكراد، وتعزيز الديمقراطية.
لكن تدريجيًا تدهورت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، كما فقدت تركيا الثقة فى إخلاص الدول الأوروبية تجاه عضويتها؛ حيث أعلنت بعض دول الاتحاد الأوروبى مثل ألمانيا وفرنسا ترددها تجاه السماح لتركيا بعضوية الاتحاد الأوربي، ولاحظت دول الاتحاد أيضًا ابتعاد تركيا عن القيم الأوروبية، حيث ازدادت تركيا فى ثقتها بشكل كبير وبدأت فى تحديد هويتها المعارضة لأوروبا.
القوة الناعمة 
«القوة الناعمة» كمفهوم صاغه أستاذ جامعة هارفارد، جوزيف ناي، على عكس القوة الصلبة مثل القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية، وتستلزم القوة الناعمة «القدرة على التأثير على الآخرين عن طريق الانجذاب والإقناع بدلًا من الإكراه والدفع فقط». 
على سبيل المثال، يمكن أن يكون البناء الثقافى والتعليمى للبلدان مؤثر فى تشكيل تفضيلات البلدان الأخرى، وترجع قوة الولايات المتحدة الهائلة جزئيًا إلى وجود عدد من المراكز الجذابة فى البلاد مثل هارفارد ومايكروسوفت، والــ(إن بى ايه) وهوليوود، وعلى الرغم من أنها تبدو غير ذات صلة، حسب ناي، إلا أنها تمثل عناصر متنوعة للقوة الثقافية الأمريكية، والتى ترجمت إلى قوة كبيرة فى الوصول الناعم.
على الجانب التركي، نجح حزب العدالة والتنمية فى الترويج لتركيا بنجاح من خلال تفعيل توجهه الإسلامى المحافظ وجعله أكثر جاذبية للمسلمين العرب والمسلمين باستخدام المنتجات الثقافية والشعارات الرنانة، حيث يستخدم الحزب «الماضى العثماني» كمبرر لسياسة خارجية توسعية، وللتدخل فى الأراضى السابقة للإمبراطورية العثمانية وما وراءها، وفى أماكن أخرى مثل أفريقيا.
وجادل السياسيون الأتراك بأنهم لم يكونوا موجودين لاستغلالهم، بل للتعامل معهم على أساس المساواة ودعم العلاقات القائمة على المصالح والمساواة المتبادلتين، بعبارة أخرى، تم استخدام كل من المساعدات الأجنبية والمسلسلات التركية والتضامن الإسلامى والخطاب الإنسانى والمساواة لجعل تركيا دولة أكثر جاذبية.
وكجزء من سياسة خارجية أكثر نشاطًا، اُنتخبت تركيا بمجلس الأمن الدولى كعضو غير دائم فى ٢٠٠٨-٢٠١٠، بعد غياب دام أكثر من ٤٠ عامًا، وقدمت مساعدات خارجية عبر الوكالة التركية للتعاون والتنمية (تيكا)، ومنظمات حكومية أخرى هى أمثلة جديرة بالذكر لتعزيز القوة الناعمة.
فى هذا الصدد، يمكن للمرء أن يجادل بأن المساعدات الخارجية كانت تستخدم كأداة لتعزيز مكانة تركيا فى البلدان الأقل نموًا فى العالم، بالإضافة إلى هذه السياسات التى ترعاها الحكومة، زادت تركيا من جاذبيتها للسياح من جميع أنحاء العالم، لا سيما من خلال المسلسلات الشعبية؛ حيث ساهم التبادل الدولى المتزايد للمسلسلات التركية فى زيادة النفوذ التركى فى الخارج، حيث أثارت العروض اهتمام المعجبين بالبلاد التى تجرى فيها المؤامرات.
علاوة على ذلك، ساهمت علاقات تركيا الوثيقة مع العالم العربى أيضًا فى تدفق السياح خاصة من منطقة الخليج، خاصة فى ظل تراجع صناعة السياحة إلى الوراء بعد تحديات العامين الأخيرين، والذين تعرضت خلالهما البلاد لهجمات إرهابية متعددة وعانت من تداعيات دبلوماسية مع روسيا، والتى كان لها تأثير ضار على السياحة، وعلاوة على ذلك، تفتخر الخطوط الجوية التركية الآن، بأنها تطير إلى بلدان أكثر من أى شركة طيران أخرى فى العالم، وأن طيرانها إلى أفريقيا والعديد من المواقع الأخرى جزء من سياسة تركيا الجديدة التى تهدف إلى أن تكون مرئية فى جميع أنحاء العالم.
وأن افتتاح «المراكز الثقافية التركية» مثل معاهد «يونس إمري»، فى جميع أنحاء العالم وانتخاب الأمين العام التركى لمنظمة التعاون الإسلامي، كلها أمثلة على أن تركيا أكثر انشغالًا فى الشئون الدولية.
فى حين كان الرمز الأكثر رواجًا للقوة الناعمة لتركيا فى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، خاصة بين السنة والأفارقة، هو الرئيس رجب طيب أردوغان، ففى تلك المناطق، يُنظر إليه على أنه المدافع عن المسلمين والمضطهدين ضد الغرب الإمبريالي، ومع ذلك، فإن القبول الإيجابى الأولى تجاه أردوغان فى أوروبا والولايات المتحدة بسبب نهجه الأكثر براجماتية وانتهازية فى صراعات مثل قبرص لم يتبدد، فى الواقع تم عكس ذلك تمامًا.
باختصار، ووفقًا لصانعى السياسة الأتراك، فإن السياسة الخارجية الجديدة للبلاد تُظهر البراجماتية، وتدعمها أيديولوجية تؤكد على الصفات المتفوقة للماضى العثمانى والإسلامى فى البلاد على عكس الغرب الاستغلالي.
لذلك ومع ظهور «تركيا جديدة» بسبب العوامل المحلية والدولية على حد سواء، داخليًا، أصبح المجتمع التركى يشعر بخيبة أمل متزايدة من السياسة ويريد أن ينتخب أفرادًا خارج الدائرة الداخلية للسياسيين الفاسدين. 
خارجيًا، كانت تركيا القديمة وطنية فى حمايتها لسيادتها الوطنية والصلبة فى نهجها تجاه قبرص، علاوة على ذلك، منذ ظهور سياسة التعددية الحزبية فى أواخر أربعينيات القرن العشرين، ازداد استخدام الخطاب الإسلامى والتأكيد على العنصر الإسلامى فى الهوية التركية.