الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خصائص العقوبة بين التشريع الوضعي والتشريع الإسلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتسم العقوبة فى التشريع الجنائى الوضعى بعدة سمات، كلها لها أصل مستمَدّ من جوهر الشريعة الإسلامية الغراء، تلك الشريعة التى أتت لتكون خاتمة الشرائع جميعها، ومن هنا كانت صلاحيتها للتطبيق فى كل زمان ومكان.. وتتميز العقوبة الجنائية بعدة خصائص تعبر عن جوهرها وتميِّزها فى ذاتها عن غيرها من كل أنواع الجزاءات الأخرى، ومن بين هذه الخصائص ما يأتي:
أولًا: شرعية العقوبة
ويعنى ذلك أن المشرع وحده هو الذى يملك النص صراحة على العقوبة التى تقرر جزاءً للفعل أو الامتناع عنه، وما هذا إلا تطبيق لمبدأ شرعية التجريم والعقاب، ذلك المبدأ القائل بأن «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، ويُعدُّ مبدأ الشرعية الجنائية من الضمانات التى أكَّد عليها الدستور المصري؛ إذ نصت المادة (95) من دستور 2014 على أن: «العقوبة شخصية، ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي».
وهذا المبدأ قد سبقت إليه الشريعة الإسلامية، فالأصل العام فيها أنه لا تكليف قبل ورود الشرع، وذلك مصداقًا لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15]، وقوله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على اللـه حجة بعد الرسل وكان اللـه عزيزا حكيما} [النساء: 165]؛ أى أن اللـه سبحانه وتعالى لم يكن ليعذب أحدًا من خلقه إلا بعد إرسال الرسل والأنبياء؛ مبشرين ومنذرين، فيعلم الناس الأفعال التى نهى اللـه عنها، فإذا هم فعلوها رغم علمهم بتجريمها، استحقوا بذلك عقابه.
ثانيًا: شخصية العقوبة:
ويقصد بشخصية العقوبة أنها لا تطبق إلا على مرتكب الجريمة، ولا تمتد إلى غيره؛ فلا يمكن أن تمتد العقوبة مثلًا إلى أقارب المحكوم عليه أو ذويه، فالمجرم فقط هو من يتحمل آثار جريمته.. وهذا هو منهج القرآن الكريم فى قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]، وقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]، وكذلك قوله صلى اللـه عليه وسلم: «لا يُؤاخذ الرجل بجريرة أخيه، ولا بجريرة أبيه».
ثالثًا: مساواة العقوبة
ويقصد بذلك أن العقوبة تطبق على الناس جميعًا، بغير تمييز بينهم على أساس مراكزهم الاجتماعية أو الوظيفية أو الجنس، وإنما المعيار هو اقتراف الجريمة وتوافر شروط العقاب.
وتلك القاعدة نجد أصلها فى حديث رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، حينما جاءه أسامة بن زيد ليشفع فى المرأة المخزومية التى سرقت؛ فقد استنكر الناس أن يقام عليها الحد وهى من عِلْيَة القوم؛ فقال الرسول صلى اللـه عليه وسلم لأسامة: أتشفع فى حد من حدود الله؟! ثم قام فاختطب؛ فقال: «أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» [رواه مسلم].
رابعًا: عدالة العقوبة
ويقصد بذلك أن تتناسب العقوبة مع جسامة الجرْم المقترف؛ إذ إن العقوبة ضرورة اجتماعية، والضرورة تقدر بقدرها دون إفراط أو تفريط، فالعدالة تقتضى أن يتناسب مقدار العقوبة وجسامتها مع جسامة الجرم، إذ أن هذا التناسب يحقق الشعور بالعدالة لدى الأفراد؛ فيجب ألا تتسم العقوبة بالقسوة المفرطة، أو اللين الذى لا يحقق الردع.
والعقوبات فى الشريعة الإسلامية تتفاوت بتفاوت أذى الجريمة؛ فالقصاص هو أساس العقوبات فى الشرع الإسلامي، فمن قتل شخصًا ظلمًا قُتل به، ومن اعتدى بالضرب ضُرب، وهكذا، فمقدار العقاب على أساس الجريمة مع ضرورة الالتفات إلى ما تحدثه الجريمة من الترويع والفزع العام للآمنين، وما فيها من انتهاك للفضيلة التى يحميها الإسلام، ومقدار الزجر والردع فى العقوبة.
خامسًا: نفعية العقوبة
فالعقوبة فى السياسة العقابية ذات أغراض نفعية سواء أكانت لصالح المجتمع، أم لصالح المحكوم عليه، ليعود لبنة صالحة فى المجتمع مرة أخرى، فالهدف الحقيقى للعقوبة هو حماية الحقوق والمصالح التى يُقدِّر المشرع أنها جديرة بالحماية.
وكذلك فإن الغرض من العقوبة فى الإسلام الزجر العام، والأثر الذى تحدثه فى ردع المعتدين، لئلا يقع فى الجريمة أحد، وهذا هدف عظيم من أهداف الشريعة الإسلامية فى حماية المجتمعات وصيانتها من عبث العابثين.
سادسًا: قضائية العقوبة
أى أن القاضى هو الذى يملك إيقاعها على الجاني، فلا عقوبة إلا بحكم قضائي؛ فلا يجوز أن يقتص الفرد لنفسه أو أن يأخذ حقَّه بالقوة، وإلا تحول المجتمع إلى غابة.. وقد أكدت الشريعة الإسلامية على هذا المبدأ، فلا يقيم الحدود إلا الإمام أو نائبه (القاضي)؛ فلا يجوز التقدم عليه فى شيء مع وجوده، حتى لا تكون فوضى يعجز الناس عن تداركها أو قمعها، فتُسفك الدماء وتُسرق الأموال وتُنتهك الأعراض ويأكل فيها القوى الضعيف.