الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تنصيب محمد علي.. والدخول للحداثة الأوروبية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمر اليوم 18 يونيو، ذكرى تنصيب محمد علي واليا على مصر بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها عام 1805، بعد ثورة الشعب المصري على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر في حكم مصر، ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.
وفي بداية حكمه خاض محمد علي حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصر بالكليّة، ثم خاض حروبًا بالوكالة عن الدولة العثمانية في جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في المورة، كما وسع دولته جنوبًا بضمه للسودان. وبعد ذلك تحول لمهاجمة الدولة العثمانية حيث حارب جيوشها في الشام والأناضول، وكاد يسقط الدولة العثمانية، لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التي أوقفت محمد علي وأرغمته على التنازل عن معظم الأراضي التي ضمها.
ولا يستطيع أحد أيا كان أن ينكر دور محمد علي ومجهوداته الجبارة لإقامة دولة مصرية حديثة، في مختلف المجالات، زراعة، وصناعة، وتجارة، وجيش وما يتعلق بهذه المجالات من ترسانات ومصانع، بجانب التعليم والثقافة.
إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بشأن تقييم هذا الدور من معظم باحثي التاريخ أو حتى المهتمين بالقضية الوطنية هو: لماذا أخفق مشروع محمد علي بعد نهاية عصره؟
هناك إجابة جاهزة عن هذا السؤال ولا شك أن فيها من الصحة ما يؤيدها، وهي إلقاء اللوم على الدول الكبرى التي تحالفت مع دولة الخلافة العثمانية لهدم هذا المشروع، وهناك من الوقائع ما يؤيد هذا، إلا أن هناك آراء أخرى تقول بمسئولية محمد علي نفسه عن هدم هذا المشروع، لأنه أقامه بصفة أساسية على التطلع إلى الخارج تحالفا وصراعا، دون الانتباه إلى الداخل "الشعب" ليكون القوة الأساسية التي لو وجدت وتم تحديثها بالفعل لاستطاعت أن تدافع عن هذا المشروع لأنه في هذه الحالة كان سيعد مشروعها هي وليس مشروع محمد علي، الذي فرضه من أعلى ولم يصل لأعماق المجتمع.
فقد أراد محمد علي بناء دولة حديثة، بالمفهوم الرأسمالي الأوروبي للحداثة، ولم يبذل جهدا حقيقيا للتعرف على إمكانيات "التحديث" الحقيقية التي كانت متاحة ولو على نحو جنيني قابل للتطور والنضج. ولكنه عمل العكس وقضى على هذه الامكانات مثلما قضى على دور العلاماء والتجار والأشراف كما هو معروف، وكما حول النظام الاقتصادي الذي كان ينبئ عبر صراعاته بإمكانات تطور إلى احتكار شخصي له، قبل ان يلحقه بالنظام الاقتصادي الرأسمالي الأوروبي، والذي لم ينطلق فيه من منطلق الندية بل من باب التبعية، لأنه حاول أن يبني مصر الرأسمالية بأدوات الرأسمالية الأوروبية وليس بأدوات وقيم مصرية، كانت مؤهلة لتحقيق ذلك لو سمح لها بالتطور والنضج.
ومن يتابع كيفية بناء هذه "الحداثة" يتأكد أنها تمت من خارج المجتمع المصري أو في قمته دون قاعدته العريضة مثل إنجاز محمد علي في التعليم على سبيل المثال لا الحصر.
فلم يكن محمد علي راغبا في تعليم المصريين ليكونوا مجتمعا "حديثا"، بل كان يريد عناصر منهم تستطيع أن تعمل على تنفيذ مشروعه التنموي في الصناعة والجيش وغيرهما، ومن هنا انتقى هذه العناصر من بين أبناء الأعيان وخلعهم من بيئاتهم ووضعهم في نظام صارم مغلق يتعلمون فيه. على الطريقة الأوروبية بعيدا عن سياقاتهم الاجتماعية وأهلهم الغارقين في الجهل.
ما حدث في التعليم ربما كان الأخطر في نتائجه مما حدث في الزراعة والصناعة وغيرها من مجالات التنمية، فانهيار هذه المجالات بعد وفاة محمد علي كان يمكن بنائه لو كانت هناك القوى القادرة والراغبة في ذلك، لكن محمد علي لم يبن هذه القوى، بل بنى فئة أو طبقة من المتعلمين منتمين ذهنيا إلى النموزج الأوروبي في التعليم والحياة. والأهم أنهم كانوا منفصلين تماما عن المجتمع المصري وقيمه، ولا يملكون وسيلة للاتصال المباشر به.