الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"الغنوشي" رأس حربة الإخوان في تونس

راشد الغنوشي
راشد الغنوشي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشغل طبيعة العلاقة التى تربط «حركة النهضة» فى تونس، ورئيسها «راشد الغنوشي» بالتنظيم الدولى للإخوان حيزًا واسعًا من التفكير، خاصة مع نفى النهضة أن يكون لها أى ارتباط تنظيمى خارج تونس.
وعلى الرغم من الظهور المتكرر لـ«الغنوشي» مع الشيخ «يوسف القرضاوي»، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، ومشاركته فى أنشطة الاتحاد، فإن حركة النهضة أنكرت أن يكون «الغنوشي» عضوًا بالاتحاد خاصة بعد تصنيفه ككيان إرهابى فى ضوء التطورات التى شهدتها الأزمة الخليجية الأخيرة.
على الصعيد الدولى، حاولت حركة النهضة، وزعيمها «الغنوشي» اللعب على وتر الوساطة والتواصل مع الإسلاميين فى الدول العربية كمصر وليبيا باعتبارهما من التيارات الإسلامية المعتدلة؛ إذ يرتبط الإسلاميون فى تونس بعلاقات قوية مع إسلاميى ليبيا، لذا طلبت الجزائر من زعيم حركة النهضة الوساطة لدى الليبيين، وكان «الغنوشي» نفسه أحد الداعين لحل سياسى لأزمة الإخوان مع النظام السياسى الحالى فى مصر، ولكنه لم ينجح فيما بعد.
الثورة التونسية 
مثلت الثورة التونسية على «زين العابدين بن علي» فرصة تاريخية أمام عودة التيار الإسلامى إلى المشهد السياسى التونسى مرة أخرى؛ إذ عاد زعيم الحركة «راشد الغنوشي» فى مطلع عام ٢٠١١ من المنفى بعد غياب دام لعقدين، وعمل الغنوشى بعد عودته على إحياء نشاط الحركة الإسلامية من جديد، وبالفعل استطاع أن يعيد بناء حركة النهضة التى حصدت أغلبية المجلس التأسيسى الذى أُوكِل له وضع دستور البلاد وانتخاب رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية.
ارتكزت نظرة «الغنوشي» لإعادة بناء حركته مرة أخرى بعد الثورة على مرحلتين هما البناء وكسب الثقة ثم السيطرة وجنى المكاسب، وفى هذا الصدد، استطاع راشد الغنوشى تسويق نفسه محليًا ودوليًا على أنه الإسلامى المعتدل الذى قبل أن يتشارك السلطة مع العلمانيين، فضلًا عن قبوله بعلاقات متوازنة مع العواصم الأوربية، وفى إطار ذلك، يُتهم العلمانيون فى تونس بأنهم ساهموا فى سطوع نجم «الغنوشي»؛ إذ سمحوا له بالهيمنة على المشهد السياسى والحكومة فى تونس كأنه المؤثر الأكبر فى عملية صنع القرار السياسى التونسى. 
وفى هذا السياق، تشير بعض التقارير إلى أن «الغنوشي» يجهز نفسه لدورٍ سياسى خلال المرحلة المقبلة، فقد يرشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية خاصة مع حالة الفراغ والانشقاقات السياسية التى يعيشها المشهد السياسى التونسى خاصة داخل الحزبى العلمانى الأقوى «نداء تونس».
مؤشرات الارتباط بالتنظيم الدولى 
لقى «الغنوشي» الحظوة لدى تنظيم الإخوان فى مصر بالشكل الذى جعله محل ثقة من قبل كل المرشدين الذين تعاقبوا على زعامة التنظيم الدولى منذ بداية تأسيس الاتجاه الإسلامى رسميًّا فى تونس فى ٦ يناير ١٩٨١، وتجلت علاقة الارتباط والولاء بين إخوان مصر، وحركة النهضة فى تونس مع عزل الرئيس الأسبق «محمد مرسي» عقب بيان ٣ يوليو ٢٠١٣؛ حيث رفض زعيم حركة النهضة «الغنوشي» ما آلت إليه الأحداث فى مصر، وحاول إنقاذ التنظيم السياسى للإخوان فى مصر، ولكنه فشل.
ودافع «الغنوشي» عن «محمد مرسي» معتبرًا إياه رئيسًا منتخبًا، وفى هذا السياق، طالب بالإفراج عنه باعتباره سجينًا سياسيًا ولا علاقة له بالإرهاب.
جدير بالذكر الإشارة إلى الموقف الحاد الذى اتخذه الرئيس التونسى السابق «منصف المرزوقي»، الذى دعمَّته النهضة وتحالفت معه خلال المرحلة الانتقالية فى تونس أساسًا من حركة النهضة، ضد الدولة المصرية؛ إذ دعا «المرزوقى إلى التمسك بإطلاق سراح «مرسي» فضلًا عن تحريضه المتكرر وموقفه السلبى من النظام الجديد فى مصر.
على صعيد المناصب، تقلد «الغنوشي» عددًا من المناصب داخل التنظيم الدولى، فقد حصل على عضوية الجهاز الأعلى فى التنظيم، وهو مجلس «الإرشاد العالمي»، كما انتخب لعضوية المكتب التنفيذى.
وكشف «هانى السباعي» المنظر الجهادى، ومدير مركز المقريزى للدراسات التاريخية، عن أن «الغنوشي» كان مستشارًا لدى جهاز المخابرات الداخلية البريطانية «إم.آى ٥» ومصلحة شرطة لندن «سكوتلانديارد» لشئون الإرهاب. 
وفى هذا السياق، اعتبرته السلطات الأمنية فى المملكة المتحدة مرجعًا فيما يتعلق بالبت النهائى فى طلبات اللجوء، وأصبح «الغنوشي» رجل التنظيم القوى داخل أوروبا لخدمة مصالح التنظيم الدولى.
وما زال «الغنوشي» يحتفظ بعلاقات قوية مع التنظيم الدولى رغم ما تروجه الحركة عن مسألة فك الارتباط بهم؛ إذ تؤكد حركة النهضة، وزعيمها على مسألة «فك الارتباط الفكرى والتنظيمي» مع تنظيم الإخوان، إلا أن الغنوشى عاد ونفى ما قد نشرته جريدة الحياة الفلسطينية حول رسالته الموجهة إلى اجتماع التنظيم الدولى فى إسطنبول حول اقتراب لحظة الفراق بينه وبين التنظيم لمصلحة وطنه تونس.
ورفض «الغنوشي» فى حوار له مع قناة نسمة التونسية، انتماء الحركة للتنظيم الدولى للجماعة نافيًا أى صلة بين حركته والتنظيم الدولى للجماعة، أو أنها تنتمى للإسلام السياسى. 
وحاول تصوير الحركة على أنها مدنية ديمقراطية، وهو ما يبدو تناقضًا كبيرًا بين الواقع، والفكر الذى نشأت عليه الحركة وتبلور فى برامجها السياسية وما تحاول الحركة الترويج له حاليًا.
لعب الغنوشى دورًا محوريًا لصالح التنظيم داخل العواصم الأوروبية وبلاد المغرب العربى بدا منذ بدايات نشأة الحركة الإسلامية فى تونس. وتشير بعض التقارير إلى الدور الذى لعبه «الغنوشي» فى التواصل مع الحركة الإسلامية فى المغرب لخدمة مصالح التنظيم العالمى للإخوان فى السبعينيات. وساهم كذلك فى تدعيم مرتكزات الإخوان داخل العديد من دول أوربا وشمال أفريقيا فى أوروبا وشمال أفريقيا معتمدًا على ارتباطه الوثيق بدولة قطر التى ضمنت له الدعم المادى، والشيخ «القرضاوي» الذى وفر له غطاءً جماهيريًا بين أعضاء الحركات الإسلامية.
تمثل عودة «الغنوشي» إلى تونس بعد إسقاط «بن علي» بداية مهام حركة النهضة لمتابعة أهداف التنظيم الدولى فى تونس، والتى ارتكزت على التنسيق بين العواصم التى يسيطر عليها الإخوان فى المنطقة مثل مصر وتركيا وتونس وليبيا، وذلك قبل السقوط المدوى للحركة الأم فى القاهرة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣؛ إذ لم يتمكن من التوغل داخل التنظيم فى القاهرة لكونه أصبح تنظيمًا إرهابيًا، وفشلت مساعى «الغنوشي» فى التدخل لإيجاد حل 
وسط لإنقاذ التنظيم فى القاهرة رغم لقاءاته المتكررة بأعضاء حاليين وسابقين من الحركة مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
وعليه؛ بدأت علاقة حركة «النهضة» بالتنظيم العالمى لجماعة الإخوان المسلمين تظهر للرأى العام فى الآونة الأخيرة بعد أن كشفت وسائل الإعلام فى أكثر من مرة عن مشاركة زعيم الحركة «الغنوشي» فى اجتماعات التنظيم التى أعقبت عزل الرئيس «محمد مرسي» بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ (٣).
ختامًا؛ ألقى فشل تجربة الإخوان المسلمين فى مصر بظلاله على توجهات حركة النهضة التونسية تجاه العملية السياسية؛ حيث كانت ستواجه المصير نفسه خاصة بعد تصاعد دور حركة تمرد التونسية، وتنفيذ عدد من الاغتيالات بحق كل من المعارضين «شكرى بلعيد» و«محمد البراهمي» والتى أشارت بعض الوثائق إلى تورط النهضة فيها، وهو ما نفاه «الغنوشي» تمامًا فيما بعد.
حاولت النهضة الاستفادة من تجربة الإخوان فى مصر الذين أصروا على مبدأ المغالبة وليس المشاركة؛ إذ ترشحوا لكافة المناصب السياسية، وكلك ضمنوا الأغلبية فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وإثر السقوط المدوى للحركة الأم فى القاهرة، سعى «الغنوشي» لدى الأطراف السياسية التونسية للتوافق حول مستقبل النظام السياسى التونسى. ويرى بعض المحللين أن هذا التحول قد يكون تكتيكيًا يتناسب مع الظرف السياسى الذى مر به التنظيم ككل بعد ٢٠١٣، ولم يستبعدوا عودة النهضة لفكرة المغالبة وليس المشاركة مرة أخرى فى حال استتب لهم الأمر. ويستشهدوا فى ذلك باعتماد الحركة على الهيمنة على المجالس البلدية للسيطرة على المجتمع من أسفل على غرار تجربة الإسلاميين فى تركيا.