الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

طارق رمضان.. الوحش الذى صنعه الإعلام الفرنسي

طارق رمضان - ارشيفية
طارق رمضان - ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ساهمت الصحافة الفرنسية فى الإطاحة بطارق رمضان وتدمير صورته خصوصا لدى أتباعه الذين يبدو أنهم ما زالوا تحت وقع الصدمة وهم يكتشفون اعترافات «مرشدهم الروحى» بشأن إقامته علاقات غير شرعية خارج مؤسسة الزواج، وذلك بعد أن لعب الإعلام الفرنسى دورًا لا يمكن تجاهله فى صناعة «ظاهرة طارق رمضان».
ويمكن اعتبار معظم التقارير بخصوص التحقيق حول قضايا الاغتصاب جاءت في سياق ترتيبات ممنهجة وصريحة تستهدف طى صفحة ما اصطلح على تسميته بـ«الداعية السويسرى»، وعدم منحه فرصة العودة للظهور بعد زعزعة الثقة بينه وبين قاعدته الشعبية. وتذكر قضية رمضان وعلاقته بالإعلام بقضية السياسى الفرنسى الشهير دومينيك ستروس كان، الذى رأى جميع حظوظه للترشح للانتخابات الرئاسية فى فرنسا تتبخر فى لحظة وعلى نفس الشاكلة. يكمن الفرق بين الحالتين أن قضية هذا الأخير خضعت لحسابات سياسية لا سيما بعد ثبوت تهمة الاغتصاب ضده، أما الثانى فجاءت فى سياق «صحوة» الإعلام والصحافة الفرنسية واستفاقتهم بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها فرنسا فى الآونة الأخيرة، وأصبحت أمرًا واقعًا على أراضيها. أدرك الصحفيون الفرنسيون أخطاءهم الفادحة فى الترويج للإسلام الأصولى عبر شخص طارق رمضان الذى تركوه لفترة طويلة يسرح حرًا طليقًا فى منابرهم الإعلامية، جند بفضلها قاعدة شعبية يرتكز عليها ويبسط نفوذه بها، ويجعل من فرنسا مركز إشعاع الفكر الأصولى الإرهابى فى أوروبا. الآن فقط فهم الإعلام الفرنسى أكذوبة طارق رمضان التى خلقها وآمن بها، وهو الذى سحرهم بخطاب تنويرى مزيف يخفى الكثير من المفاهيم والرسائل الرجعية، متجاهلًا العديد من المراجع المهمة فى مجال الفكر الإسلامى مثل محمد آركون أو يوسف الصديق وباحثين مهمين يدرسون بجامعات فرنسا وأوروبا، وسبق لـ«البوابة نيوز» أن تعرضت للموضوع فى أحد تقاريرها بقلم الصحفى الفرنسي نيكولا بو. 
لا يمكن نسيان أن الإعلام الفرنسى هو الذى استساغ خطابات رمضان حيث كانت معظم القنوات تتسابق لدعوته لخلق اللحظات التليفزيونية والتهريج بأراجوز السيرك فى صورة المسلم النموذجى الذى يدافع عن الإسلام وفزاعة اليمين المتطرف والعنصريين، فتحت له أبواب الشهرة على مصراعيه، وفرشت له البساط الأحمر بيد أنه كان بإمكانه ذلك الأستاذ المجهول مدرس اللغة الفرنسية والمتطوع فى جامعة سويسرية، أن ينشط فقط في نطاق شبكة الجمعيات التى يحركها هو وعائلته. من المهم التساؤل كيف وقع طارق رمضان على صفحات جريدة «لوموند» العريقة أول منبر له فى فرنسا بصفة أستاذ فلسفة محاضر فى جامعة مرموقة ومتخصص فى الإسلام دون أن يتحرى أحد من مصداقية الأمر وصحته، حتى حين كان يشارك فى النقاشات التليفزيونية الساخنة فى قضايا «الحجاب» أين واجه شخصيات سياسية وإعلامية مرموقة والتى منحته الشهرة وحصد المعجبات قبل المعجبين، لم ينتبه الإعلام الفرنسى العريق أنه بصدد صناعة «وحش إعلامى» جديد سيكون ظهوره سببًا فى اتساع رقعة الأصوليين والمتشددين فى فرنسا، يقابله تقدم اليمين المتطرف وتزايد العنصرية التى شجعت انتشارها الهجمات الإرهابية التى شهدتها فرنسا وأوروبا فى السنوات الأخيرة.
تيقن الإعلام الفرنسى أمام هذه المعطيات، أن الإرهاب أو ما يسمونه اصطلاحًا بـ«الجهادية» ليس سلسلة أحداث محصورة على البلدان العربية والمسلمة بل هى أورام يجب استئصالها أينما حلت، وهو ما يفسر ربما هذا الإجماع على التخلص من طارق رمضان الذى تحول عبر معظم التقارير التى نقرأها بالصحف الفرنسية فى الآونة الأخيرة من «عالم الإسلام» إلى «حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمون»، ولا ينقص للعبارة سوى وصف الإرهابية لتكتمل الصورة التى يرغب الإعلام الفرنسى تصنيف رمضان فيها بعد أن تكشفت حقيقته.
وقبل اندلاع فضائح الاغتصاب، سبق لموقع «ميديابارت» الفرنسى والشهير فى تفجير عدد من الفضائح السياسية والمالية التى هزت الرأى العام الفرنسى، والتعرض لملف رمضان والتناقضات التى تكمن فى الرجل وذلك عبر خمس نقاط معالجة مهمة، جاء فيها شهادات عن رجل يهوى المغامرات مع النساء والخمر وقارنه مع الإعلامى الفرنسى إيريك زمور المتطرف والصهيونى على أساس كونهما وجهين لعملة واحدة. 
ومع كشف قضية الاغتصاب للعلن، تحولت قاعات التحرير الصحفى وبلاتوهات التليفزيون بدورها إلى مراكز تحقيق، أين يبحث الجميع فى إثبات التهمة على رمضان. 
الإعلامى الفرنسى الشهير جان بيان الكباش، وبعد أن انتهت جميع أسئلته أمام محامى طارق رمضان الذى كان مستفزًا بثقته المتينة أن موكله ضحية تحامل ومؤامرة حملة ممنهجة يقودها الإعلام، وجه سبابته نحو ضيفه متسائلًا: «من يدفع لك من أجل الدفاع عن رمضان؟».. قبل أن يرد المحامى متلعثمًا: «هذا لا يعنيك!». أراد الكباش حتما التلميح إلى جماعة الإخوان والمؤسسات الإسلامية المشبوهة فى التواطؤ معها فى أوروبا والتى ينتمى إليها طارق رمضان وعائلته. أمر يتطلب الكثير من الجرأة لأنه ولأول مرة فى المشهد الإعلامى الفرنسى يحاول أحدهم التلميح إلى خطورة الأطراف التى تدعم طارق رمضان وبالكاد يود وصفها بالإرهابية، هي رسالة ضمنية لا يمكن البوح بها في الظرف الحالي حسب ماتقتضيه أصول الاعلام الفرنسي ووازع التثبت بمبدأ الموضوعية.
يحاول الإعلام الفرنسي اليوم استدراك أخطاءه فى الترويج «للـماركيتينج الإسلامى»، انتهى زمن الاستشراقية، أزيحت الستائر والوشاحات المخملية والزهرية اللون لتترك المجال لمشهد أكثر مأساوية تدور أحداثه فى فرنسا، وشارك الإعلام الفرنسى فى صناعته، هذا الإعلام يبدو أنه لم يعد فى وسعه تحمل المسئولية لوحده والانسياق لسياسات المسئولين التى يحكمها قانون المصالح الاقتصادية وبات يحاول التحرر أكثر فأكثر.