رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

من يقف ضد التحول الديمقراطي؟ وكيف نواجهه؟ "4-6" دعاة الجدارة والإصلاح الإداري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرضنا فى مقالات ثلاث سابقة إلى ما أطلقنا عليه قوى الدولة القديمة، وشرحنا كيف أن هذه القوى لم تعد نفسها قوى الفلول بمعناها الضيق، ولم تعد رموزها قاصرة على الشخصيات التقليدية من الوجوه "المحروقة" فحسب، بل اتسعت لتضم عناصر جديدة بعضها قد يكون جذابا، بل وقد يكون من المشاركين فى ثورة 25 يناير، وحددنا مكونات هذه القوى، وتعرضنا بشيء من التفصيل إلى اثنين من هذه القوى، وهما ما أطلقنا عليهما "جمعية أصدقاء حبيب العادلى" و"الحالمون بالعادل المستبد"، وسنحاول أن نتعرض هنا إلى ما نعتبره القوة الثالثة من هذه القوى، وهى قوى "دعاة الجدارة والإصلاح الإدارى".
هذه القوى كانت، وما زالت، ترى أن أزمة مصر ترجع إلى الفساد وانحطاط كفاءة أجهزة الدولة المختلفة، ومن ثم فإن القضاء على الفساد والإصلاح الإدارى معا هو طريق مصر للنهضة. تحت هذه المظلة من الأفكار تجمعت مجموعات كبيرة من "القوى الإصلاحية" داخل الحزب الوطنى، وحاولت هذه القوى، التى تفاوت حجم تقديرها لمسألتى الفساد وانعدام الكفاءة الإدارية، استخدام طموح جمال مبارك، لخلافة أبيه، فدفعت به زعيما لهذا الاتجاه داخل الدولة والحزب الوطنى، ولأن جمال مبارك لم يكن له لا سند اجتماعى ولا سياسى فقد اعتبر أن الإصلاح الإدارى بما يتضمنه من مواجهة للفساد البيروقراطى هو ما يمكن أن يكون مشروعه وسبب شرعيته، وهكذا شاءت الأقدار أن يتلاقى تحت مظلة جمال مبارك بعض الراغبين فى الإصلاح الإدارى للدولة وأجهزة الحكم مع بعض الراغبين فى هدم آلة الدولة المصرية العريقة لحساب رأسمالية متوحشة ترفض أى دور للدولة فى الاقتصاد، وشاءت الأقدار أيضاً أن يتلاقى تحت مظلة جمال مبارك بعض الراغبين فى القضاء على الفساد البيروقراطى الضارب بجذوره داخل أجهزة الدولة وبين بعض الراغبين فى توظيف آلة الفساد البيروقراطى لحساب قطاع خاص اعتاد بعض فرسانه أن يحلبوا أجهزة الدولة والقطاع العام لإنماء ثرواتهم، وأخيرا فقد شاءت الأقدار أن يتلاقى تحت مظلة جمال مبارك بعض الراغبين فى إضفاء مزيد من المدنية على أجهزة الدولة ورجال الإدارة، وبين بعض الراغبين فى تحجيم دور وقدرة القوات المسلحة فى مصر، ولكن اللافت بحق أن كل هؤلاء الفرقاء الذين تجمعوا لاستخدام جمال كرأس حربة لتحقيق مشروعهم لم يتفقوا على أمر بقدر اتفاقهم على العداء للديمقراطية، بل وللعملية السياسية كلها، حيث تم طرح فكرة الإصلاح الإدارى باعتبارها مسألة فنية تتعلق بالكفاءة أو الجدارة، ولأن الأمر، أمر الإصلاح نفسه، فى حاجة إلى كوادر تقوم على وضع برامجه وخططه ابتداءً، ثم تقوم بتنفيذه بعد ذلك، ولأن العملية السياسية بالنسبة لهم موضع شك، بل وعداء أيضا، والأحزاب "مالهاش لزمة ولا عازة"، لذلك كله اخترع مُنظرى هذا الاتجاه صيغة "جمعية المستقبل" كإطار لتدريب الشباب ورفع كفاءتهم للقيام بعملية الإصلاح الإدارى المستهدفة.
دعاة الإصلاح الإدارى، ما بعد 25 يناير، لا يختلفون كثيراً عن دعاة الإصلاح الإدارى ما قبل 25 يناير، أى لا يختلفون عن ما كانت تطالب به وتعمل من أجله لجنة السياسات، إذ يكاد الفرق بينهما ينحصر فى وجود جمال مبارك على رأس هذا المشروع ما قبل 25 يناير، وغياب جمال مبارك وأى قيادة واحدة موحدة لهذا الاتجاه الآن، ويكفى للتدليل على أننا إزاء نفس النهج ونفس المسار أن الدعاة الجدد يشكلون الآن جمعية شبابية جديدة، حيث لم يكن من اللائق أو المنطقى بالطبع أن يُعاد إحياء جمعية المستقبل سيئة السمعة، ولكن الجمعية الجديدة، وأنا أتعمد عدم ذكر اسمها لكى أتجنب الدخول فى معارك جانبية، لها نفس أهداف الجمعية القديمة، تدريب الشباب وتعليمهم بعض المهارات والمعارف لكى يضطلعوا بإصلاح أجهزة الدولة بعيدا عن السياسة والسياسيين وفى عداء سافر للعملية السياسية كلها بما فيها آليات الممارسة الديمقراطية على اعتبار أن مصر فى حاجة إلى الجدارة والكفاءة، وليس إلى اللغو والكلام الذى أصبح تهمة السياسيين.
سأحكى لكم فى نهاية مقالى حول هذا الفريق من دعاة الإصلاح الإدارى حكاية تلخص إلى حد كبير مشروع وأفكار هذا الفريق وتصوره حول كيفية إدارة البلاد، وتتلخص الحكاية فى أن أحد من أبرز رموز هذا الفريق ويحتل موقع كبير فى إحدى مؤسسات الدولة السيادية ظهر فى برنامج تليفزيونى يشرح بعض كتاباته التى تعتبر بحق من أفضل ما كتب شرحا لهذا المشروع، وفى إجابة على بعض تساؤلات المذيعة شرح "الرمز" كيف أن الرجال الذين يقودون مؤسسات الدولة فى مصر فى حاجة إلى أن يخلعوا ثوب السياسة والنظرة الحزبية، وعندما سألته المذيعة عن هذه المؤسسات التى ينبغى أن تصبح قومية النزعة "ومالهاش أى دعوة بالسياسة" أعلن بوضوح أنه على رأس هذه المؤسسات الجيش ولما استحسنت المذيعة ذلك، أضاف والشرطة، فواصلت المذيعة استحسانها للكلام الذى وصفته بالوطنى، فاستطرد "الرمز" والقضاء، فكادت المذيعة أن تصفق تأييدا لكلام "الرمز"، لكنه لم يتوقف وأضاف الرمز بكل ثقة والبرلمان، وهنا توقفت المذيعة عن التهليل وامتقع لونها وسألته "يعنى أيه أعضاء البرلمان يكون مالهمش دعوة بالسياسة ؟!"، وهنا انبرى الرمز يشرح كيف ينبغى لعضو البرلمان، وبعيدا عن أى نظرة سياسية، أن يكون جدير وكفء فقط، بل وامتلك من الشجاعة ما جعلته يُعلن بوضوح أن النظام الانتخابى يجب أن يضمن الجدارة والكفاءة فقط كشرط وحيد وضرورى للترشيح!
دعاة الإصلاح الإدارى يتحدثون عن الحداثة بكل مفرداتها ولكنهم يرفضون الديمقراطية التى يعتبرها الكثير من المفكرين أحد أهم أسباب الحداثة وأحد أهم نتائجها أيضا، وستتسع المقالات القادمة بإذن الله لمناقشة ذلك تفصيلاً.