الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الإرث" يفضح مراوغات "إخوان تونس"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن تونس في طريقها لإقرار المساواة بين الرجال والنساء في "الإرث"، رغم الجدل الواسع، الذي اجتاح البلاد، على إثر طرح الرئيس الباجي قائد السبسي لهذا الموضوع الشائك في منتصف أغسطس 2017.
ففي 12 يونيو، انتهت "لجنة الحريات الفردية والمساوة"، المكلفة من الرئاسة التونسية، من إعداد تقرير يتضمن توصيات في مواضيع حساسة، من أبرزها، تأييد المساواة في الإرث.


وكان الرئيس قائد السبسي شكل هذه اللجنة في أغسطس 2017، وكلفها إعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة بما ينسجم مع نص دستور 2014.
وحسب "فرانس برس"، قدمت اللجنة تقريرها للرئيس قائد السبسي في انتظار إحالته على البرلمان، ما يضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من التلاسن الإعلامي والسياسي، خاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل.


ويزيد من خطورة الأمر، أن الجدل حول توحيد الميراث لم يقتصر على الداخل التونسي، بل امتد أيضا إلى الخارج، ودخلت مؤسسة الأزهر في مصر على الخط في موضوع يعتبر شديد الحساسية ومن المحظورات في المجتمعات المسلمة.
وكان السبسي قال في منتصف أغسطس 2017، بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة في تونس، إن بلده يتجه نحو المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل المجالات من بينها المساواة في الميراث.
ورحب بعض التونسيين والتونسيات بالخطوة، واعتبروها استكمالا لمسار تحرير المرأة التونسية، الذي بدأه الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس، فيما رأت فيها أطراف تونسية أخرى مبادرة تتعدى على القرآن وتتجاوز نصوصا صريحة فيه لا تحتمل الاجتهاد، فيما اتهم عدد من السياسيين السبسي ببدء حملة انتخابية مبكرة استعدادا للانتخابات الرئاسية في 2019، بينما لجأت حركة النهضة الإسلامية، الشريك في الائتلاف الحكومي بتونس، والمحسوبة على "الإخوان"، إلى المراوغة، وعدم تسجيل موقف واضح، في انتظار معرفة مآلات المبادرة، محاولة استغلالها أيضا لتحقيق مكاسب سياسية على حساب حزب نداء تونس العلماني بقيادة السبسي، قبل الماراثون الرئاسي.
وكان مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ أيد مبادرة السبسي للمساواة في الميراث، استنادا إلى النص النص القرآني "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، التي تدعم مكانة المرأة وتضمن مبدأ المساواة.

وفي المقابل، رفضت مؤسسة الأزهر المصرية المبادرة، وقالت إن أحكام الشرع "لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان"، من جهة، وإن "دعوات المساواة بين النساء والرجال في الميراث بدعوى إنصاف المرأة، هي عين الظلم لها.
ونقلت "رويترز" حينها عن عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، قوله:"إن دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام الشريعة".
وأضاف أن "المواريث مقسمة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغير المكان والزمان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة".
وفيما انتقد تونسيون مؤيدون للمبادرة تصريحات وكيل الأزهر، وزعموا أن الموضوع شأن داخلي وخط أحمر لا يجب على أي أجنبي التدخل فيه، سارع الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي إلى انتقاد السبسي، واتهمه بأنه يريد عبر هذه المبادرة تسجيل نقاط سياسية قبل انتخابات الرئاسة.

أما حركة النهضة، فقد أظهرت ردود فعل متباينة، إذ اعتبر القيادي بالحركة عبد اللطيف المكي أن مبادرة السبسي شديدة الخطورة وفيها تعد على نصوص صريحة في القرآن، كما وصف رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، المحسوب على النهضة، مبادرة السبسي بأنها خطيرة وتهدد السلم الاجتماعي، فيما أعلن نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو عن موقف مغاير، ووصف دعوة الرئيس السبسي بأنها حكيمة وتنصف المرأة التونسية.
وبدوره، قال الجيلاني الهمامي النائب في البرلمان التونسي والقيادي في "الجبهة الشعبية" وهي "تجمع لأحزاب يسارية"، إن مبادرة السبسي مناورة سياسية هدفها كسب أصوات النساء في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ونقلت "رويترز" عن الهمامي، قوله إن هذه المبادرة أحرجت حركة "النهضة"، التي أصبح عليها الاختيار بين القبول بها، وبالتالي إغضاب المتشددين بداخلها، أو رفضها والتضحية بأصوات النساء في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولعل ما يزيد من مأزق "النهضة"، أن عددا من منظمات المجتمع المدني في تونس دعوا طيلة العقدين الماضيين لسن قوانين للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، ولكن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وهو علماني، لم يستجب لهذه الدعوات لحساسية الموضوع، ووضوح النص القرآني، كما أن الرئيس الراحل بورقيبة، والذي يوصف بأنه محرر المرأة في تونس، لم يقم بإدخال أي تعديل قانوني بشأن موضوع المساواة في الميراث.
ويبدو أن النتائج التي خرجت بها "لجنة الحريات الفردية والمساوة"، تضيق الخناق على النهضة، وتجبرها على ترك أسلوب المراوغة وإظهار موقف واضح، خاصة أنها تركت الباب مفتوحا أمام التونسيين للأخذ بتوحيد الإرث، أو تجاهله.

فاللجنة أعدت مشروع قانون ينص على المساواة في الإرث بين الرجال والنساء الذين تربطهم صلة قرابة أولى، أي الأشقاء والشقيقات والأبناء والبنات والأب والأم والزوج، وعللت ذلك بتغير المجتمع وتطور دور المرأة، التي أصبحت تتقاسم مع الرجل المسئوليات المالية داخل الأسرة، لكن مشروع القانون يترك للأفراد، الذين يرفضون هذه المساواة حرية توزيع الإرث في شكل مختلف.
وأبرزت اللجنة الدور الفاعل للمرأة في المجتمع والحياة الاقتصادية، وقالت إن "دخول المرأة سوق العمل غطى على المشهد التقليدي الذي كان يقوم على مبدأ تقسيم جنسي للوظائف، ولم يعد الزوج أو الأب هو المسؤول الوحيد عن تسيير المؤسسة العائلية".
وبصفة عامة، استندت اللجنة إلى مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وروح العصر، ولم تتطرق للنصوص القرآنية في موضوع الإرث، وتركت الأمر لأهل الاختصاص، أي دار الإفتاء.