رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الإخوان المسلمون والغرب".. الحلفاء الأعداء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرامبتون: تنظيم حسن البنا استغل القضية الفلسطينية لكسب ثقة الشارع.. وبريطانيا تعاملت معهم بمنطق «أفضل الأعداء»
رغم انتشار العديد من الدراسات التى تتناول أيديولوجية تنظيم الإخوان وأدواره السياسية، فإنه لم تكن هناك جهود بنفس الدرجة فى سياق تطور علاقة الإخوان بالغرب.


تأرجح سلوك جماعة الإخوان المسلمين تجاه الغرب منذ تأسيسها على يد «حسن البنا» عام 1928 بين القلق والارتياب، والحاجة إلى التعامل معها، لذا، حاول الخبراء والمسئولون فى الغرب فهم الجماعة إما لغرض احتضانها باعتبارها طرفا معتدلا خاصة عند مقارنتها مع تيارات الإسلام الأخرى الأكثر تشددًا، أو تجنبها باعتبارها بوابة لممارسة العنف الجهادى نتيجة موقفها الملتبس تجاه الآخر سواءً غير المسلم أو المرأة. 



ويكشف «مارتين فرامبتون» (Martyn Frampton) تاريخ العلاقة المعقدة والمشحونة بين الغرب والإخوان المسلمين منذ التأسيس حتى عام ٢٠١٠ معتمدًا فى ذلك على وثائق المحفوظات فى لندن وواشنطن باعتبارهما أكبر إمبراطوريتين خلال القرن الماضى فى كتابه المعنون: الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ من العداء والارتباط.
يرى «فرامبتون» أن جماعة الإخوان المسلمين معادية حتمًا للغرب، ويعود ذلك للظروف السياسية التى ظهرت فيها الحركة باعتبارها حركة معادية للاستعمار البريطانى والغرب الذى طالما اتهمته الجماعة بالتسبب فى ضياع دولة فلسطين وإسقاط الخلافة العثمانية.


وعلى الرغم من عدم توافق الغرب مع فكر أعضائها لكنهم يتعاملون معها بصورة عادية، وهو ما يفسر البراجماتية التى يتعاطى بها الغرب الذى يبدو الأكثر استعدادًا للدخول فى حوار بهدف التعاون والمنفعة المتبادلة معهم. ويشير «فرامبتون» إلى أن تأسيس الجماعة يدخل كذلك فى سياق نظرية المؤامرة التى تعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين جزء من مؤامرة بريطانيا للقضاء على حركات المد الثوري، والتحرر الوطنى المناهضة للإمبريالية الغربية.
يتتبع «مارتين فرامبتون» توتر العلاقات بين الغرب والإخوان المسلمين منذ صعود الحركة فى عام ١٩٢٨ بهدف استبعاد الأحكام المسبقة، والتفسيرات الجامدة التى تستند عليها نظريات المؤامرة. وينقسم الكتاب إلى جزءين رئيسيين؛ إذ يحاول الكاتب فى الجزء الأول تتبع حالة الارتباط والعداء بين الإخوان والحكومة الاستعمارية البريطانية (١٩٢٨-١٩٥٢)، ويتناول فى الجزء الثانى العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية (باعتبارها القوة الصاعدة بعد بريطانيا) وجماعة الإخوان المسلمين.
فى ظل الإمبراطورية البريطانية
شهدت فترة العلاقات بين الإمبراطورية البريطانية (١٩٢٨-١٩٥٢) والإخوان المسلمين صعودًا لفكرة البراجماتية فى إدارة العلاقات السياسية؛ حيث يشير «فرامبتون» إلى نظرة المسئولين البريطانيين للحركة باعتبارها متناقضة مع مصالح الإمبراطورية البريطانية، ولكن هذه النظرة غير الإيجابية لم تقف عائقًا أمام تطوير علاقاتهم المتبادلة خلال الحرب العالمية الثانية. واعتبر «فرامبتون» أن هذه العلاقة تندرج تحت سياسة «أفضل الأعداء» التى أقرَّتها الحكومة البريطانية فى تعاملها مع مستعمراتها فى الشرق الأوسط.


يعتبر «فرامبتون» أن هناك عقدة فى رؤية الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين منذ الثلاثينيات بسبب أيديولوجيتهم التى وصفها البريطانيون بـ «الظلامية»، أو «المنغلقة»، والمعادية للآخر.
واعتبر المسئولون البريطانيون أن فكرة التواصل مع الإخوان تقوم على تحقيق مصالح سياسية آنية تتعلق بإضعاف الحركات المناوئة لهم. وعالج الكاتب فى هذا القسم من الكتاب جذور العلاقة التى جمعت الإخوان المسلمين بالغرب، وكيف برزت علاقة مركبة ومتشابكة بالتركيز على الفترة الممتدة ما بين ١٩٢٨-١٩٣٩، وأطلق عليها فيما بعد «سياسة أفضل الأعداء».
ورصد الكاتب فى هذا القسم موقف الإخوان من الاستعمار البريطاني، وحركات التحرر الوطني، وثورة يوليو، وشخصية جمال عبدالناصر، وعكس رؤية الجماعة لهذه الملفات، التى قامت بالأساس على مصلحة التنظيم.
على صعيدٍ آخر، أشار «فرامبتون» إلى نقطة فى غاية الأهمية تعكس البراجماتية البريطانية فى التعاطى مع التنظيم؛ حيث أشار إلى عدم اهتمام البريطانيين بجماعة الإخوان المسلمين فى مطلع تأسيسها؛ إذ اقتصر نشاطها فى البداية على النشاط الدعوى والديني، ولم تمارس دورًا سياسيًا مؤثرًا فى ذلك التوقيت، ومع تعزيز الهيكل التنظيمى للحركة وتحولها إلى النشاط السياسى بعد عام ١٩٣٢ فتح البريطانيون حوارًا مباشرًا معها وفق مبدأ «أفضل الأعداء».


الإخوان والعمل السياسى
تزايد قلق الغرب من حركة الإخوان المسلمين بعد اندماجها فى العمل السياسي، وتمددها فى المجال العام. وفى هذا السياق، أشار المفوض البريطانى فى مذكرة أرسلها لحكومته عام ١٩٣٦ عن خطر تمدد الجماعة فى المجال العام المصري، وهو ما دلل عليه بتضاعف أعداد الجمعيات الإسلامية التى تمارس أدوارًا اجتماعية وخيرية داخل المجتمع المصري، واعتبر أن هذا السلوك يمثل ريبة وشكّا خاصة أن هذه الجماعات لا يأتى من ورائها خير.
وأخيرًا، تطرق «فرامبتون» فى هذا الجزء من الكتاب إلى العلاقات البراجماتية التى جمعت الحركة برجل القصر الأكثر تأثيرًا «على ماهر»، الذى عمل على تشجيع الملك «فاروق» على تطوير علاقته بالجماعة من أجل بناء تحالف مؤيد للقصر. واستخدم «على ماهر» تنظيم الإخوان المسلمين لتقويض فاعلية حزب الوفد، وتعزيز نفوذ القصر.


وكشف «فرامبتون» عن المنهج البراجماتى لدى «البنا» الذى عمل على توظيف كافة التناقضات بين القصر والأحزاب السياسية، وفى مقدمتها الوفد، وكذلك السفارة البريطانية فى القاهرة والألمان والإيطاليون، وبهذا حاول «البنا» اللعب على كل الأضداد؛ حيث أمَّن علاقات خاصة، ومحادثات سرية مع البريطانيين وغيرها لضمان التمويل والدعم اللازمين لحركته.
فى ظل العصر الأمريكى In the Age of America
يعالج «فرامبتون» فى القسم الثانى من الكتاب علاقة جماعة الإخوان والولايات المتحدة خاصة فى المرحلة التى شهدت تراجع السيطرة البريطاني، وتصاعد النفوذ الأمريكى بالمنطقة.
فى هذا السياق، لم تستطع واشنطن تجاهل الجماعة وأنشطتها باعتبارها أكثر الحركات الإسلامية انتشارًا ليس فقط فى العالم العربي، ولكن الإسلامى أيضًا، لذا يرصد «فرامبتون» فى هذا الجزء تعامل الولايات المتحدة مع جماعة الإخوان (١٩٥٢-٢٠١٠)، واعتبر «فرامبتون» أن هذه العلاقة قامت على أساس التمييز بين «المتشددين»، و«المعتدلين»، أو ما يسمى «الحمائم» و«الصقور»، وبالتالى رفعت السياسة الأمريكية فى تعاطيها مع الإخوان شعار «تعزيز تيار الاعتدال لمناهضة تيارات التطرف».
خاتمة


مرَّت العلاقة بين جماعة الإخوان والغرب بمحطات من عدم الثقة خاصة أن المنهج الفكرى الذى أقرَّه «البنا» للجماعة يقوم على تحميل الغرب المسئولية عن ضياع أرض فلسطين، وإسقاط الخلافة العثمانية، لذا جاءت فكرة تأسيس الجماعة على أساس مواجهة الهيمنة الغربية على المجتمعات المسلمة، بل ومحاولة تقديم بديل لها.
وشهدت علاقة الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان تحولًا جديدًا بعد أحداث ١١ سبتمبر التى أفرزت نمط الإسلام الجهادي؛ حيث اعتبر الغرب جماعة الإخوان بمثابة «جدار الحماية» ضد القوى الإسلامية الأكثر تطرفًا كالقاعدة والجهاد، وهو ما يعيدنا إلى السياسة التى انتهجتها بريطانيا فى التعاطى مع جماعة الإخوان المسلمين منذ البداية باعتبارهم «أفضل الأعداء»، وبالتالى قامت العلاقة بين الغرب والجماعة على أساس البحث عن شركاء معتدلين، أو أقل تطرفًا عن غيرهم.