الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قدماء موحدون.. "متون الأهرام".. الشاهد على توحيد مصر في العصر الحجري

قدماء موحدون
قدماء موحدون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». 
تحدثنا فى الحلقة السابقة عن التوحيد فى عصر ما قبل الأسرات، وتناولنا ما قاله المؤرخ «رندل كلارك» مستشهدًا بما جاء فى كتاب الموتى: «تكشف الحواشى فى كتاب الموتى أن المصريين قد أدركوا أنه لا يوجد فى الواقع إلا إله واحد، وكل هذا وارد فى اللاهوت المنفى، أى فى لاهوت مدينة منف، وهو ما يُمثل تحدٍ صريح للشِرك». 
وأشار «كلارك» إلى أن الكتاب يؤكد أن أقدم عصور مصر السحيقة والتى سبقت الأسرات المصرية بفترات كبيرة لم تعرف الشرك، وإنما دانت بدين التوحيد، مشيرًا إلى أن التوحيد فى مصر القديمة ضارب بجذوره فى عمق التاريخ، وكان سابقًا لعصر ما قبل الأسرات أيضًا، بل أن مصر عرفت التوحيد فى عصر سابق، وهو ما يُسمى بالعصر «الحجرى الحديث»، والذى يبدأ فى مصر فى العام ٦٠٠٠ إلى العام ٥٠٠٠ ق.م تقريبًا، ويشمل حضارات «البَدارى، ونقادة الأولى، وجرزة»، فى الوجه القبلى، و«مرمدة، والمعادى، وحلوان»، فى الوجه البحرى، وفق ما جاء فى «الموسوعة المصرية».
والسؤال الذى يطرح نفسه ويحتاج إلى إجابة وافية، هل كان «قدماء المصريون»، فى هذه العصور يعرفون التوحيد؟ وتجيب عن هذا السؤال «مُتون الأهرام» وهى من أهم النصوص الدينية التى ترجع إلى هذا العصر السحيق، ويقول عنها الدكتور سليم حسن فى موسوعة «الأدب المصرى القديم: «تعد متون الأهرام بحق، أهم مصدر يضع أمامنا صورة عن الحالة الدينية فى تلك الأزمان السحيقة»، ويقول أيضًا: «متون الأهرام أهم مصدر وصلنا عن ديانة عصر بداية المعادن، وهو العهد الذى سبق بداية التاريخ».
ويُشير الدكتور حسين فوزى فى موسوعة «سندباد مصرى» إلى أن الثابت من لغة «متون الأهرام» ومن طرائف التفكير فيها، أنها ترتد إلى زمن سابق على الأسرات بكثير، فهى إذن تُسجل العقائد المصرية القديمة، لأولئك الذين أسسوا حضارة «البدارى، نقادة الأولى، جرزة، مرمدة، والمعادى».
وأما عن عقيدة التوحيد الواردة فى هذه النصوص السحيقة القدم، يذكر المؤرخ أنطون زكرى فى موسوعة «الأدب والدين فى مصر القديمة» بعض فقرات مما جاء فى «متون الأهرام» ومنها: «إن الخالق لا يمكن معرفة اسمه، لأنه فوق مدارك العقول»، ثم علق بقوله: «لذلك، استعملوا لتسمية هذا الخالق ألفاظًا عامة كـ«الألوهية»، أى أطلقوا عليه الاسم المُجرد «الإله»، وبعض ألفاظ تدل عليه بطريقة «الكِناية»، فقالوا «السيد المُطلّق»، و«المالك لكل شيء»، و«الذى لا نهاية ولا حد له». وهذه كانت عقيدة وفكر قدماء المصريين منذ ذلك الزمن البعيد، ومن كل ما سبق ذكره يتضح جليًا أن مصر فى أقدم عصورها عرفت الإله الواحد، الذى ذُكر فى كل الكتابات المصرية القديمة بصيغة المفرد، وأحيط بهالة من التبجيل والتعظيم، أى أن مصر منذ فجر التاريخ عرفت عقيدة التوحيد.. ومن أهم الأمور التى يجب أن يُلتفت إليها أن الدين فى مصر لم يبدأ بالشرك والتعدد ثم انتهى إلى التوحيد، وإنما كان التوحيد منذ البداية وطوال جميع العصور ويقول المؤرخ العالمى، ول ديورانت فى «قصة الحضارة»: «وحسبنا أن نذكر من معالم حضارة مصر، أن المصريين أول من دعا إلى التوحيد»، وهذا ما كان يُقر به ويعرفه كبار وقدماء المؤرخين، ويقول الدكتور مصطفى محمود فى كتابه «الله»: «يقول هيرودوت إن المصريين كانوا أول الموحدين فى العالم». 
ولكن من أين عرف المصريون القدماء التوحيد؟ هل كان لهم أنبياء؟ وهل نزلت عليهم رسالات سماوية؟ هذا ما سنعرفه فى الحلقة المقبلة.