الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أسرة "رزان النجار" في حوار مع "البوابة نيوز": شعارها: "هذا طريقي بدأته وسوف أكمله".. والدة الشهيدة: ابنتي أول مسعفة لمصابي مسيرات العودة.. ولا تنتمي لأي فصيل سياسي

أسرة «رزان النجار»
أسرة «رزان النجار»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحولت الشهيدة الفلسطينية المسعفة «رزان النجار» إلى أيقونة فتيات وشبان العالم العربي، وحالة من البطولة والشجاعة البريئة النظيفة فى أبسط صورها، هى الشابة التى هزت أرجاء العالم وكشفت مدى بغض وحقد العدو الصهيونى تجاه الشعب الفلسطينى المسالم، بعد أن اغتالها قناص إسرائيلى حاقد على الإنسانية فى ثوبها الأبيض وهى تسعف أحد أبناء شعبها ممن أصيبوا عند السياج الفاصل.
بلغت «رزان» من العمر واحدا وعشرين عاما قبل أن تفارق الحياة، وهو نفس العمر تخرجها فى الجامعة، عاشت على حلم صغير وهو دراسة الطب لتصبح ممرضة تضمد جراح إخوانها وأبناء شعبها ممن قام العدو الصهيونى باستهدافهم بالطلقات النارية المتفجرة والأسلحة الفتاكة فى قطاع غزة المحاصر، لم تأبه لضعفها الجسمانى ورقة عودها، كانت تعالج المصابين على أرض الميدان بدون جزع رغم مناظر الدماء ولمس الأشلاء المتناثرة.
لم تحصل رزان على أقل حقوقها فى تحقيق حلمها البسيط فى استكمال تعليمها الجامعي، ولكنها لم تستسلم لواقعها، فالتحقت بدورات الإسعافات الأولية فى مؤسسة إغاثية، وانتقلت من مستوى لآخر أعلى، ودعمت هذا بالعمل التطوعي، حتى شقت طريقها لأكثر النقاط سخونة على الشريط الحدودى الفاصل بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، لتقوم بالإسعاف الأولى الميدانى فى نقاط الاشتباك، قبل نقل الإصابات ليتم التعامل معها فى المستشفى الميداني.
«البوابة نيوز» انتقلت إلى محل أسرتها للتعرف عن قرب على تفاصيل حياة الشهيدة، وكيف تحولت إلى نموذج للدفاع عن وطنها فى مجال آخر بعيدا عن الاشتباك، حيث كان الحوار مع أم رزان وأبوها وجدتها وشقيقتها.

أم رزان.. كيف كانت تجهيزات رزان لمخيمات العودة يوميا؟
أولا رزان كان عملها فى الميدان عند خط التماس، وكان تطوعيا سلميا، بدأت رزان عملها التطوعى قبل عامين فى مستشفى الشفاء الطبى بقطاع غزة، تعلمت هناك بعض الأشياء منها الإسعافات الأولية (عملى ونظري) وذلك قبل بدء مسيرات العودة، وعند انطلاق المسيرات فى ٣٠ مارس أصرت على المشاركة، وبدأت تعد عدتها وكانت مصممة على المشاركة وعندما تحدثنا معها أنا ووالدها بخصوص هذا الأمر وقلنا لها إننا نخاف عليها ردت وقالت: «هذه مسيرات سلمية وأنا سأعمل كمسعفة لإنقاذ الأرواح».
كما أن الشهيدة رزان لم تنتم فى يوم من الأيام لأى حركة ولا فصيل سياسي، حيث كانت مسعفة ميدانية فلسطينية، ولم تتقاض راتبا من أى جهة حتى يوم استشهادها، وكانت تشترى الأدوات الطبية التى كانت تستخدمها فى إسعاف المصابين من مالها الخاص.
و«رزان» كانت أول شابة فلسطينية متطوعة تسعف مصابى مسيرات العودة وكانت مشهورة فى الأوساط، لدرجة أن جنود الاحتلال الإسرائيلى كانوا يعرفونها ويعرفون وجهها واسمها، لدرجة أنه عندما يسقط مصاب يتحدثون معها ويطلبونها بالاسم لإسعاف المصاب ويطلبون من الآخرين العودة للخلف، وهذا لأنها أول شابة فلسطينية متطوعة فى مسيرات العودة».
ومنذ ٣٠ مارس وحتى يوم استشهادها كانت ابنتى تخرج من البيت الساعة السابعة صباحا وتعود للبيت الساعة التاسعة مساء، كانت تعود للبيت مغرقة بالدماء من كثرة عدد الحالات التى قامت بإسعافها».

وماذا كان رد فعلكم يوميا على خروج رزان لمخيمات العودة؟
- أنا ووالدها فى بداية الأمر كنا متخوفين، ولكننا بعد ذلك أصبحنا داعمين لها، وذلك لأن مسيرات العودة سلمية وكل من يشارك فيها مدنيون عزل من السلاح لا يوجد فيها أى شيء، بالإضافة إلى ذلك اعتقدنا أن ملابس المسعفين ستحميها، أيضا نحن عائلتها كنا متواجدين فى مخيمات العودة بالقرب منها لأن هذا حق جماعى لكل الناس».
وبانتقال الحديث إلى أشرف النجار أبو الشهيدة رزان المشهور بلقب «أبو أحمد»،

والد رزان.. ألم تخش عليها من الإصابة؟
- كنا نخشى على رزان منذ مشاركتها فى الإسعاف التطوعى لمخيم العودة على الحدود الشرقية للقطاع، ولكنها أصرت على أن تخدم شعبها وقالت لى: «هذا طريقى يابا وأنا اخترته»، وكان خوفنا قد ازداد عليها يوم الرابع عشر من مايو حيث مليونية العودة، لأن الاحتلال يطلق رصاصه على الجميع، لا يفرق بين مسعف ولا صحفى ولا بشر ولا حجر ولا شجر».
و«أنا كنت أعرف أن ابنتى تقوم بعمل بطولى من أجل وطنها وأبناء شعبها، هى كانت سباقة فى الذهاب إلى المسيرات ونقاط الاشتباك. ابنتى كانت أول بنت تذهب للمخيمات وشجعت العديد من الفتيات على الحذو حذوها».

هل كنت تشعر بأنها ستنال الشهادة؟
- اعتقدت ذلك فى بعض الأوقات، خاصة عندما استشهد الصحفى ياسر مرتجى، بالرغم من أنه كان يرتدى الواقى من الرصاص وكان يرتدى ملابس الصحافة وابنتى رزان كانت ترتدى ملابس الإسعاف ولكن الاحتلال لم يفرق بين أحد وقتلهم».
و«رزان كانت تملك هاتفا وخاتما، ومنذ انطلاق مسيرة العودة باعت ما تملكه حتى تبتاع مستلزمات الإسعاف الأولى وتحملها معها خلال عملها فى إسعاف الجرحى، رزان كانت مثالا فى التضحية وحب الحياة والناس».

هل لـ«رزان» أشقاء؟
- لـ«رزان» شقيقتان و٣ من الإخوة، «وهى أول من أصبحت أبا بمجيئها»، وبسبب الظروف الاقتصادية رزان لم تكمل تعليمها، وأنا عاطل عن العمل».
حيث كنت أعمل عامل بناء فى أراضى الخط الأخضر قبل عام ٢٠٠٥، حيث الانسحاب الإسرائيلى أحادى الجانب ثم الحصار الذى طبق على القطاع، وقتها أصبحت بلا عمل، ولا أستطيع إعالة أسرة مكونة من ٨ أفراد، غالبيتهم فى سن الطفولة.
والواقع المرير حرم رزان من إكمال تعليمها بعد إنهائها مرحلة الثانوية العامة، وباشرت رزان بأخذ دورات تدريبية وميدانية حول الإسعاف الأولي، وحصلت على عدد من الشهادات فى الإسعاف على مدار عامين، وبسبب نشاطها وتفاعلها الكبير تطوعت مع الإغاثة الطبية فى مسيرات العودة».
كما أن الاحتلال بقتله لرزان لم يقتل جسدًا فقط، إنما قتل حياة مفعمة بالأمل والحب والتضحية».

وما هى رسالتك للاحتلال؟
- الشكوى لغير الله مذلة، أنا أسكن فى بيت شقيقي، وخلال الحرب الإسرائيلية على القطاع قصف الاحتلال محلا تجاريا لى كنت أبيع من خلاله الدرجات النارية، ما زاد وضعى سوءا».
ورزان باشرت فى دورة تحاليل طبية، فى عزيمة منها لدراسة التخصص الذى تحبه، ولكنها استشهدت قبل استلام شهادتها فى هذه الدورة، لتنتهى بموت رزان أحلام كانت ترسمها لمستقبلها».

ريعان النجار.. هل توقعت استشهاد شقيقتك؟
- أنا كنت على يقين كبير بأن أختى ستصاب فى يوم من الأيام، ولكنى لم أتوقع أنها ستنال الشهادة، فى بداية الأمر حاول أبى وأمى منعها من الذهاب خاصة يوم الجمعة، لأن الوضع يكون متوتر جدا ولكنها كانت تصر على الذهاب وتقول «هذا طريق أنا بدأته وسأنهيه»، وأنا إن شاء الله سأكمل الأمر من بعدها».
رفضت الزواج
ويلتقط والد رزان طرف الحديث مره أخرى، فيضيف «تقدم لرزان فى الفترة الأخيرة الكثير من الشبان وفى كل مرة أحاول إقناعها بفكرة الزواج لكنها كانت ترفض وتؤجل الكلام فى الأمر، فكان عرسها وهى تلبس الرداء الأبيض الخاص بالمسعفين، وكان عرسها يوم الجمعة كما تجرى العادة فى قطاع غزة للاحتفال بالأعراس، وكان زفافها موكبا كبيرا لا آخر له».

هل أصيبت رزان من قبل؟
رزان تمت إصابتها من قبل جنود العدو الصهيونى أكثر من ١٢ مرة بالغاز، هذا بالإضافة إلى أنها أصيبت فى قدمها وفى عينها وكسر مفصلها كما أنها أصيبت بتمزق فى الأربطة». ثم تنفرد أمها بالحديث مرة أخرى لتطالب العالم والدول العربية بمحاسبة قوات الاحتلال الصهيونى التى قتلت ابنتها، فتقول: «أنا أطالب دول العالم والدول العربية والمحاكم الدولية بالعمل من أجل إظهار الحقيقة، لا أرغب فى أن يطوى ملف ابنتى كباقى الملفات التى أغلقت من قبل. أطالب بتحقيق دول عاجل فى مقتل ابنتي. أنا هنا أعيش مع الألم والحسرة على فقدان ابنتى فى حين أن قاتليها طلقاء سعداء بحياتهم يستمتعون بها».
أين حقوق الإنسان فى الدول التى تدعى الديمقراطية، مر أسبوع على استشهاد ابنتى ولم يحرك ساكنا. لم أسمع غير إدانات، أنا لا أريد هذا النمط أريد معاقبة الأشخاص الذين قتلوا ابنتي، أنا لن اسمح أن تمر دماء ابنتى مرور الكرام. ابنتى كانت مسعفة متطوعة لا تنتمى لأى فصيل أو تنظيم. الاحتلال قتل ابنتى عامدا متعمدا».
«سوف أكمل المسيرة التى بدأتها ابنتى الشهيدة. لن أتوقف وسوف أدعم كل الطواقم الطبية، حتى تحقق مسيرات العودة كل أهدافها التى انطلقت من أجلها والعودة إلى أراضينا التى سلبت منا وإعادة القدس عاصمة لفلسطين».
ويختم أبو الشهيدة حديثه بمناشدة الشعب الفلسطينى بضرورة إكمال مسيرة العودة التى بدأها قطاع غزة حتى العودة إلى ديارهم، ورد حقوقهم.
أما جدة الشهيدة رزان، وصفية أحمد النجار، فقالت «استلمت خبر وفاة رزان بألم كبير. رزان كانت مصدر الفرحة والبهجة لي، كانت تعتنى بى فى كثير من الأوقات، ربنا يصبرنا على فراقها وينتقم من العدو الصهيونى الذى حرمنى منها، هى لم تفعل شيئا خطأ هى كانت تسعف المصابين وتعالجهم، ولكنهم قتلوها بدم بارد رغم علمهم بأنها مسعفة».