الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قدماء موحدون.. مصر القديمة.. أرض التوحيد منذ عصر ما قبل الأسرات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». 
تناولنا فى الحلقة السابقة ما قاله عالم الآثار والس بدج فى موسوعة آلهة المصريين، والذي أكد أن الأفكار التوحيدية التي ظهرت فى أعمال «كاجمني» لم تكن مبتدعة خلال الفترة التي عاش فيها، وإنما ترجع إلى فترة زمنية أكثر تبكيرًا، أي أقدم من زمن الأسرة الثالثة، مؤكدًا أن الأسرة الأولى عرفت التوحيد بقوله: «إنني على ثقة فى أنه إذا حدث فى يوم ما واكتشفت نصوصا مؤلفة خلال الأسرات الأولى فى المقابر المصرية فسنجدهم عبروا عن فكرة التوحيد والوحدانية بوضوح وتأكيد ودقة، تُماثل ما تم فى الأسرات التي تلتها، أي أن التوحيد عُرف فى مصر قبل ٣٢٠٠ ق.م، ويضيف قائلًا: «بل ويمكن أن نؤرخ لها بزمن أكثر تبكيرًا ونحن مطمئنون، أي إلى زمن أكثر تبكيرًا من عصر الأسرات المصرية القديمة». ثم برهن على ظهور عبادة التوحيد قبل الأسرات بقوله: «نستطيع الجزم بأن هذه الأفكار التوحيدية كانت قائمة فى مصر قبل الميلاد بثلاثة آلاف وخمسمائة عام، إذن فقد كان المصريون موحدين منذ قبل ٣٥٠٠ ق.م أي خلال فترة ما قبل الأسرات». وهو ما يؤكده عبدالحميد جودة السحار فى موسوعة «أضواء على السيرة النبوية» بقوله: «عرفت مصر التوحيد قبل عصر الأسرات»، وفى إحدى مقالاته بمجلة «روزاليوسف» قال: «لقد آمن المصريون بالله منذ فجر التاريخ، وقبل أن يوجد مينا بآلاف السنين».
وما قاله عبدالحميد جودة السحار، وسبقه إليه علماء المصريات الغرب لما يأت من فراغ، ولم يكن حديثًا مرسلًا، فقد عرف العالم كتاب ديني مصري قديم وشهير عُرف بـ«كتاب الموتى»، ويذكر المؤرخون أنه كان موجودًا ومستخدمًا منذ ٤٥٠٠ ق.م؛ ويقول عنه المؤرخ عبدالغفور عطّار: «كتاب الموتى يُعتبر فى بعض أقوال الباحثين أول كتاب يذكر العالم الآخر والحساب». وفى هذا الكتاب فصل يُسمى فصل الإنكارات يتضمن ما يجب أن يتبرأ من المتوفى فى حساب الآخرة؛ ومما ورد فى الكتاب: «لم أرتكب ما يُغضب الإله، ولم أدنس نفسي فى حرم الإله، ولم أعترض على إرادة الله». وكما هو واضح فى نص الكتاب لم يُذكر الإله فى صيغة الجمع وإنما تم ذكره مفردًا، وهو ما يؤكد وجود التوحيد.
وعن التوحيد فى عصر ما قبل الأسرات، قال المؤرخ «رندل كلارك» مستشهدًا بما جاء فى كتاب الموتى: «تكشف الحواشي فى كتاب الموتى أن المصريين قد أدركوا أنه لا يوجد فى الواقع إلا إله واحد، وكل هذا وارد فى اللاهوت المنفي، أي فى لاهوت مدينة منف، وهو ما يُمثل تحدٍاً صريحاً للشِرك». وهذا الكتاب يؤكد أن أقدم عصور مصر السحيقة والتي سبقت الأسرات المصرية بفترات كبيرة لم تعرف الشرك وإنما دانت بدين التوحيد، إلا أن التوحيد فى مصر القديمة ضارب بجذوره فى عمق التاريخ، وكان سابقًا لعصر ما قبل الأسرات أيضًا، فلنرجع إلى الوراء قليلًا إلى عصر سابق وهو ما يُسمى بالعصر «الحجري الحديث»، لنكتشف هل عرف المصريون التوحيد فى العصر الحجري الحديث، ولكن هذا فى الحلقة المقبلة.