السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من أقواتنا وتغتصب حقوقنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترددت كثيرًا قبل التطرق لهذا الموضوع الشائك، وهو الحملات الإعلانية التى تستجدى التبرعات للمستشفيات والجمعيات الخيرية، وذلك خوفًا من أن يتسبب انتقاد ممارسات بعض تلك المؤسسات على عزوف المتبرعين، مما قد يؤثر ولو على مريض واحد.. ولكن انتصرت رغبتى فى الكتابة خشية من أن يمنع البوح بما فى ضميرى العلاج عن ملايين المرضى الذين ينتظرونه دون أن يجدوه، رغم المليارات التى يتبرع بها المصريون من أقواتهم كل عام، والتى قُدرت فى رمضان الماضى فقط بأربعة مليارات ونصف المليار جنيه، رغم ما يعانيه المصريون من أزمات!!.. وذلك حبًا فى الخير ورغبة فى التكافل، وإيثارًا على أنفسهم.. وقد ظهر فى الفترة الأخيرة العديد من الموضوعات الصحفية التى نشرت مستندات توضح أوجه الصرف فى بعض المؤسسات الخيرية، واتضح منها أن بعضهم ينفقون نسبة كبيرة من تلك التبرعات فى أوجه غير صحيحة، ولا يستغلونها كما يستهدف أصحابها.. كذلك بعض تلك المؤسسات التى لا تمتلك سوى عدد محدود جدًا من الأماكن فى مقابل ملايين المرضى الذين يحتاجون للعلاج، فيكون الواقع أن أغلب من ينتفعون بتلك المستشفيات هم أصحاب الوساطة، فى حين لا يجد الفقير نفس الحق فى العلاج إلا من خلال القوائم الطويلة التى تنتظره، والتى يتهاوى أمامها جسده!!
أما الأخطر من ذلك هو وجود جمعيات خيرية أصبحت وكأنها دولة داخل الدولة، بما تمتلكه من كيانات داخلها، تُمكنها من جمع التبرعات المالية والعينية وحتى الدم!! وهو ما يُمكنها أيضًا من كسب ولاء الكثير من الفئات التى تستغلهم سياسيًا كما شاهدنا فى السنوات القليلة الماضية!! والغريب أن إحدى هذه الجمعيات تبنت إنشاء مستشفيات لعلاج السرطان بالمجان كما أعلنت، ولكن اتضح أنه مجرد كلام للاستهلاك المحلى، ويكون على المرضى إما دفع مقابل باهظ للخدمة الطبية أو الانتظار لشهور طويلة حتى يأتى الدور فى قوائم الانتظار الكبيرة، والتى لا يطيقها المرضى أو ذويهم، وبالتالى تستغل التبرعات الضخمة التى تحصل عليها من خلال حملاتها الإعلانية المؤثرة فى أوجه لا يعلمها إلا الله!!.
لذلك نتمنى أن تقوم الدولة بدورها فى الرقابة الجادة والحقيقية، حتى نضمن وصول تلك التبرعات لمستحقيها، وكذلك خضوع تلك المؤسسات والجمعيات لرقابة مالية صارمة، من خلال قوانين تنظم أوجه الصرف، وتضمن ألا يتغول بند الأجور أو الدعاية على بند النفقات الطبية وتوفير العلاج لعدد أكبر من المرضى.. أما الظاهرة المستفزة التى تستحق تعديلًا فوريًا فى القوانين، هى الدعاية التى يحصل عليها رجال الأعمال والشخصيات العامة من خلال تبرعاتهم!!.. فقانون الضرائب يتيح لهم ضرب عدة عصافير بحجر واحد!!.. ففى الوقت الذى يروجون فيه لأنفسهم باعتبارهم شخصيات خيرة تقدم تبرعات ضخمة للمؤسسات الخيرية، يقدمون ما يفيد ذلك لمصلحة الضرائب، فيتم خصم تلك القيمة من ضرائبهم!!.. أى أنهم يتبرعون من أموال الشعب!!.. ولا أعلم كيف تقبل الدولة هذا الخلط؟!.. فالضرائب إجبارية يعاقب من يمتنع عن أدائها، وهى حق للدولة على كل مواطن.. بينما التبرع شئ اختيارى!!.. وكأن الدولة تمنحهم أموالها من أجل الدعاية لأنفسهم!.. لذلك نتمنى من الدولة سرعة تقنين تلك الأوضاع، حتى تحمى الدولة حقوقها وحقوق المرضى.. وحتى لا يظل المواطن هو الخاسر الذى يدفع من قوته حتى تُغتصب حقوقه!!