الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراث الأجداد.. المشربية والأرابيسك .. سحر قاهرة المعز في شبابيكها وأبوابها المحفورة بعرق المصريين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تتغنى الكلمات بحب مصر لن تجد غير الأحياء التراثية القديمة لا سيما قاهرة المعز فهى أكبر منارة للإبداع والفنون التراثية لما تحتويه من مبان ومنابر شُيدت بأيادى فنانين يعشقون تراب وطنهم وأبدعوا فى حبهم وعشقهم له، ليتركوا لنا إرثاً غاية فى الإبداع، من تحف معمارية مزينة بأرقى الزخارف وأدق الصناعات وأتقنها وهى فن المشربية والأربيسك، فبين الحفر على الألواح الخشبية بأشكال هندسية صممت بحرفية عالية، والنقوش والزخارف ذات الطابع الإسلامى والروحاني، وبين فنون الخط العربى بكل أنواعه النسخ والثلث، والتى كتب عليها آيات الذكر الحكيم بحروف من ذهب . 
ما أن تدخل قدميك بأحد شوارع القاهرة وخاصة شارع المعز المليء بالبيوت والمنازل الأثرية التى زينت بشبابيك من الخشب المعشق والتى صنعت بمهارة وحرفية عالية كبيت السحيمي، وزينب خاتون ووكالة الغورى حتى مبنى متحف الفن الإسلامى ستجد معظم جوانبه من خشب الأرابيسك والمشربية، كما يحوى على العديد من التحف الفنية التى وصلت إلى درجة كبيرة من الإتقان والتى وضعت بداخل المتحف، مثال القاطوع الخشبى المنقول من مدرسة السلطان حسن، وفى مجموعة المشربيات فى منزل زينب خاتون وبيت «الشيخ محمد أمين السحيمى» بحى الجمالية و«بيت جمال الدين الذهبي» بحارة حوش قدم ، وصولاً إلى منابر المساجد وأبوابها الخشبية التى تُعد قطعًا فنية بالغة الروعة والدقة والجمال الذى لا يضاهيه شيئاً آخر، حتى الكنائس والمعابد اليهودية ومعظم أماكن العبادة ستجد قطعة من فن الأرابيسك أو المشربية تزينه وتعطى له أجواءً روحانية غير طبيعية من حيث تداخل الإضاءات والزجاج المعشق . 
وازدهر فن الأرابيسك فى العصر الفاطمي، وأخذ فى التطور مع العصر العباسى والأيوبى وعصر المماليك متخذًا أشكالا جديدة، ومع بداية العصر العثمانى الذى شهد أزهى عصور الأرابيسك على مر التاريخ، ويُعد فن الأرابيسك أحد أهم أشكال الفنون الإسلامية، بجانب زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية تبعث فى النفس الراحة والهدوء والسكينة حيث اندمجت المادة بالمشاعر الروحانية.
فعلى مر العصور مر فن المشربية بعدة منحدرات كانت بدايتها بعد أن أصبحت مصر ولاية عثمانية لما يقرب من ٢٨١ عامًا وبالتحديد فى الفترة بين ١٥١٧ وحتى ١٧٨٩ والتى شهدت تدهوراً فى جميع أركان الدولة والتى بدأت بسلب قواها الصناعية والفنية وترحيل أفضل الأيدى العاملة فى أكثر من ٥١ حرفة يدوية إلى الأستانا ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، وإنما نهب ثروات مصر وخيراتها من ذهب وثروات طبيعية، وبعد ترحيل السلطان سليم الأول لأرباب الحرف والعمال المهرة نشأت طبقة من الحرفيين الآخرين ولكنهم كانوا ليسوا بالمهارة الكافية ما أدى إلى تدهور وانقراض بعض الصناعات اليدوية والحرفية ومنهم فن الأرابيسك، والقليل منهم من حافظ على مهنته وكان مهتماً بتوريث أبنائه وأحفاده هذه المهنة التى تركت إرثاً حضارياً وثقافياً، فبعد أن كانت المشربية وهى الجزء البارز عن سمت حوائط جدران المبانى والتى تطل على الشارع والتى كانت تجمع وتصنع بطريقة فنية بالغة الدقة منتجًا أشكالاً زخرفية هندسية ونباتية بالإضافة إلى الكتابات عربية، والتى كانت تنفذ وتصنع بطريقة الخرط لتغطى فتحات النوافذ أو تفصل أجزاء المبنى المخصصة للرجال عن الأجزاء المخصصة للنساء، سواء كان ذلك فى المنازل أو فى المساجد. وأضافت المشربية طابعاً مميزاً بكل بلد من بلدان العالم الإسلامي، متوافقة فى ذلك مع أهم خاصية من خصائص الفن الإسلامى وهى «الوحدة والتنوّع» مستخدمين أدوات حرفية بسيطة تكاد تكون بدائية فى خرط الخشب وخاصة المشربية أو «الخراطة الدقيقة» ومنها المناشير، والأزميل والمثاقب، وقوس خشب، وأدوات للقياس، والمخرطة البلدية خرجت تحف معمارية من أيدى أمهر الفنانين والحرفيين.