الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قدماء موحدون| بتاح حوتب.. ذخائر الحكمة والتوحيد في مصر القديمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». 
فى الحلقة السابقة تحدثنا عن واحد من أعظم حكماء الأسرة السادسة حاكم «اليفنتين» المُسمى «حر خوف»، والذى عاش فى الفترة ما بين ٢٤٢٠ و٢٢٨٠ ق.م، والذى قال عنه فرانسوا دوماس «عندما تظهر الوصايا التى تتعلق بالعدالة والإحسان منذ الدولة القديمة فإنها تُنسب فى معظم الأحوال إلى الله، واليوم يطيب لنا أن يكون الحديث عن عبادة التوحيد فى مصر القديمة بين يدى واحد من أعظم حُكماء الأسرة الخامسة، الذى عاش فى الفترة ما بين ٢٥٦٠ و٢٤٣٠ ق. م وكان يُدعى بالحكيم «بتاح حوتب» الذى شغل منصب الوزير لأحد ملوك الأسرة الخامسة.
كتب الحكيم «بتاح حوتب» مجموعة من الوصايا والحِكم لابنه وهو يعظه ويحضه على مكارم الأخلاق، والتى يقول عنها الدكتور سليم حسن فى موسوعة الأدب المصرى القديم، إنها بقيت منارة يُستضاء بها فى معايير الأخلاق، وخير دليل على ذلك أنها عاشت لمئات السنين بعد كتابتها، ويقول الدكتور أحمد فخرى فى موسوعة مصر الفرعونية: لقد ترك الحكيم «بتاح حوتب» مجموعة من نصائح وإرشادات هى ذخيرة من الحِكمة والإرشاد إلى حُسن السلوك واعتز بها المصريون فى جميع عصورهم».
ولقوة نصائحه وحكمته؛ ذاع صيتها فى حياته وخلال الحقب التاريخية التى تلته، واعتبر المؤرخون «بتاح حوتب» من كبار الموحدين استنادًا إلى مواعظه وحكمه التى يقول فيها: «بيد الإله مصير كل شيء، ولا يُجادل فى ذلك إلا جاهل.. سيرتضى الله عملك إذا كنت متواضعًا وعاشرت الحُكماء.. ليكن للناس مصيب مما تملك.. «صدقة وزكاة» فهذا واجب على من يكون صفيًا لله».. ومن أشهر حكمه ومواعظه: «إن تدبير الخلق بيد الله، الذى يُحب خلقه، إن الله يُعز من يشاء ويذل من يشاء، لأن بيده مقاليد الأمور، فمن العبث التعرّض لإرادة الله».. ويقول أيضًا: «إذا شئت أن تعيش من مال الظُلم أو تغتنى به، نزع الله نعمته منك وجعلك فقيرًا.. بقدر الكد تكتسب الثروة، فمن جد فى طلبها نجّح الله مسعاه.. لا توقع الفزع فى قلوب البشر لئلًا يضربك «الله» بعصا انتقامه.. إن التعرّف بأعاظِم الناس نفحة من نفحات الله.. إذا كنت عاقلا فرب ابنك حسبما يرضى الله.. وإذا نلت الرِفعة بعد الضيعة وحزت الثروة بعد الفاقة لا تدّخِر الأموال بمنع الحقوق عن أهلها فإنك أمينّ على نِعَم الله والأمين يؤدى أمانته.. إن جميع ما وصل إليك سينتقل إلى غيرك ولا يبقى فيه لك إلا الذِكر إن حسنًا أو سيئًا».
هذه كانت أمثلة لبعض أقوال الحكيم «بتاح حوتب»، التى ذكر خلالها جميعًا كلمة الإله مفردة، وتحدث خلالها عن الإله بصيغة المفرد، وهى أعظم دلالة على أنه كان من الموحدين، لذلك يذكر هنرى توماس فى موسوعة «أعلام الفلاسفة»: ومثل جميع حكماء مصر كان بتاح حوتب يؤمن بالإله الواحد»، ويقول المؤرخ أنطوان زكرى: لقد ورد عن المصريين القدماء «لفظ الجلالة» مِرارًا، ففى مواعظ وحِكَم «بتاح حوتب» جاء قوله «لا توقع الفزع فى قلوب البشر لئلا يضربك الله بعصا انتقامه»؛ وهذا الأمر ذو دلالة واضحة أنهم عرفوا الإله الواحد الأحد.
ويوصف الدكتور سليم حسن بتاح حوتب عندما بلغ سن الشيخوخة نقل رغبته للملك أن يتولى ابنه مكانه فى الوزارة قائلًا: «دع ابنى يحتل مكانى.. فأعلمه أحاديث وأفكار من سلفوا من الأزمان الخالية».. وهو ما يؤكد أن حِكم «بتاح حوتب» لم تكن من وحى أفكاره وإنما كانت تراثًا لمن سبقوه من القدماء، أى أن كل ما ذكرناه من مواعظ ونصائح كان موجودًا ويتردد فى مصر قبل عصره بكثير أى قبل الأسرة الخامسة.
ولنواصل البحث عن جذور التوحيد فى مصر علينا بالرجوع إلى الوراء أكثر، إلى عصر الأسرة الثالثة والتى سبقت فترة حياة «بتاح حوتب» ولكن فى الحلقة المقبلة.