الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

آسيا الوسطى.. ميدان الصراع "الروسي- التركي"

اجتماع المجلس الاقتصادي
اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسبب انهيار الاتحاد السوفيتى أواخر القرن العشرين فى العديد من التغيرات الجيوسياسية؛ حيث ظهرت دول جديدة مُحملة بتراث الدولة السوفيتية، وتسعى للتأقلم مع النظام الدولي، كان من بين هذه الدول جمهوريات آسيا الوسطى، وهى: طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وقيرغيزستان.
وأدت الإمكانات الاقتصادية والعسكرية لآسيا الوسطى، بالإضافة إلى الموقع الجيوستراتيجى المهم، إلى أن تكون محور اهتمام القوى الدولية كالولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وكذلك الإقليمية كتركيا وإيران وإسرائيل.

أهمية أسيا الوسطى
تقع المنطقة فى قلب أسيا وبالقرب من روسيا والصين وإيران وتركيا وشبه القارة الهندية، وتتميز بكبر مساحتها التى تصل إلى حوالى ٤ ملايين كم٢، وهكذا تكون أكبر مساحة من دول أوروبا، وتعيش بها شعوب متنوعة فى الأعراق واللغات، لذا تتسم المنطقة بمكانة جيوستراتيجية كبرى، وهو ما عبر عنه جون ماكيندر بأن من يُسيطر على آسيا الوسطى يُسيطر على العالم.
وتتمتع دول المنطقة بموارد طبيعية هائلة فى مجال الطاقة، إذ تُطل معظم دولها على بحر قزوين الغنى بالنفط والغاز، ويبلغ حجم الغاز الطبيعى فيها نحو ٣٤٪ من الاحتياطى العالمي، كما أن احتياطاتها من النفط حوالى ٢٧٪ من الاحتياطى العالمي، وتمتلك ثروات كبيرة من المياه العذبة والجوفية، واحتياطات ضخمة من المعادن والقطن والفحم.
من ناحية أخرى، يوجد بها قاعدة صناعية كبرى مبنية على إرث النظام السوفيتي، الذى جعل من هذه المنطقة مركزًا زراعيًا وصناعيًا كبيرًا؛ حيث أمدها بالآلات والمعدات السوفيتية ونقل إليها خبرات العلماء فى مختلف المجالات.


التنافس الروسي التركي
اتسمت العلاقات الروسية التركية على مدار تاريخها بالتأرجح بين التقارب والتباعد، ودارت بين الطرفين حروب طويلة على مدار خمسة قرون، ترجع إلى قيام العثمانيين بإسقاط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية عام ١٤٥٣، نتيجة لذلك عملت روسيا القيصرية على محاصرة النفوذ العثمانى فى منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، مستغلة الضعف الذى اعترى الإمبراطورية العثمانية مع أوائل القرن الثامن عشر.
وشهدت العلاقات بين تركيا والاتحاد السوفيتى السابق حالة من التحسن فى بدايات الجمهورية التركية الجديدة وقبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنه مع انضمام تركيا لحلف الناتو عام ١٩٥٢ لتُصبح بذلك أداة الغرب فى مواجهة السوفييت، عادت التوترات بين الطرفين مرة أخرى.
ثم حدثت محاولات للتقارب بينهما على الصعيدين الدبلوماسى والاقتصادى مع انتهاء الحرب الباردة، كان أبرزها معاهدة أسس العلاقات فى ٢٥ مايو ١٩٩٢، وخطة الأعمال المتعلقة بتطوير التعاون بينهما فى منطقة أوراسيا نوفمبر ٢٠٠١، ورغم ذلك بقيت منطقة آسيا الوسطى والقوقاز ساحة للتنافس بين الدولتين.

ماهية التواجد
يأخذ التواجد الروسى والتركى فى آسيا الوسطى عدة وجهات ولأسباب مختلفة، حيث قسمت دراسة قام بها كريج أوليفانت عن المصالح الروسية بآسيا الوسطى النهج الروسى فى التعامل مع المنطقة خلال العقدين الماضيين إلى ثلاث مراحل، أولها تبدأ مع انهيار الاتحاد السوفيتى إلى منتصف التسعينيات، حيث لم يكن لها سياسة واضحة تجاه دول المنطقة، ثانيها كانت فى النصف الثانى من التسعينيات، وحاولت استعادة نفوذها بالمنطقة استنادًا إلى عقيدة بريماكوف.
وثالثها مرتبط بقدوم الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة عام ٢٠٠٠، والذى تزامن مجيئه مع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وسعى موسكو لتكثيف تواجدها بآسيا الوسطى فى شتى المجالات وبخاصة الأمنية.
وتُشكل آسيا الوسطى المجال الحيوى لروسيا، وتعمل موسكو على حماية الروس الموجودين بالمنطقة، والذين يمثلون نحو ٢٣.٧٪ من سكان كازاخستان، و١٢.٥٪ من سكان قيرغيزستان وتركمانستان، و٥.٥٪ من أوزبكستان، وتتعامل مع حدود تلك الدول على أنها حدود أمنية لها، وبخاصة من ناحية جمهورية طاجيكستان التى بها أعداد كبيرة من القوات الروسية على الحدود مع أفغانستان.
وفى وثيقة الأمن القومى الروسية لعام ٢٠٢٠، أوضحت أن هناك مجموعة من المخاطر تواجه البلاد تتمثل فى تطوير العقلية القومية وكراهية الأجانب والنزعة الانفصالية والتطرف العنيف بما فى ذلك التطرف الديني، وأن هناك حاجة ماسة للتعاون فى إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعى ومنظمة شنغهاى للتعاون وغيرها من المنظمات، فضلًا عن تطوير التعاون الثنائى فى المجالين العسكرى والسياسى مع دول المنطقة، للتغلب على هذه المخاطر، وهو ما يعنى أن درجة تشابك السياسية الداخلية والخارجية الروسية تجاه آسيا الوسطى تتزايد بشكل كبير.
ومن ناحية أخرى، مثّل تعافى موسكو من الأزمة الاقتصادية وزيادة الفوائض المالية لديها نتيجة الزيادة المستمرة فى أسعار النفط حافزًا لها على التعامل مع دول المنطقة كسوق لنشاط قطاع الأعمال الروسي، كما ترغب على صعيد آخر فى ضمان عدم قيام تلك الدول بتوسيع تحالفاتها العسكرية السياسية مع الغرب، وهو ما يتطلب منها تكثيف تواجدها فى المنطقة خاصة مع التنافس بينها وبين الولايات المتحدة للسيطرة على المنطقة.
وبالنسبة لتركيا: كانت أول دولة تعترف باستقلال بلدان آسيا الوسطى، نظرًا للروابط التاريخية واللغوية والثقافية المختلفة التى تجمعها بهذه الدول، وسعت أنقرة للتعاون مع هذه البلدان على عدة أصعدة، ثم سرعان ما تطورت علاقاتها الاقتصادية مع جمهوريات آسيا الوسطى، وحققت تقدما كبيرا فى مجالات التجارة والنقل والاتصالات.
وبلغ حجم تجارة تركيا مع دول المنطقة نحو ٧ مليارات دولار بحلول عام ٢٠١٦، وتجاوز إجمالى استثمارات الشركات التركية فى المنطقة ١٣ مليار دولار فى ديسمبر ٢٠١٧، كما أصبحت القيمة الإيجارية للمشاريع التى حققتها شركات المقاولات التركية فى المنطقة حوالى ٨٦ مليار دولار، وما يقرب من ٤ آلاف شركة تركية تعمل على الأرض.
وتطورت العلاقات أيضًا فى مجال الثقافة والتعليم؛ حيث تأسست المنظمة الدولية للثقافة التركية عام ١٩٩٣، بهدف حماية الثقافة التركية والفن واللغة والتراث التاريخي، إلى جانب تقديم هذه القيم للعالم وتحويلها للأجيال الشابة، كما تقدم منح دراسية واسعة النطاق لطلاب المنطقة، وتوجد العديد من المدارس التركية التابعة لوزارة التعليم الوطنى فى جمهوريات آسيا الوسطى.
وتزعمت أنقرة قمة رؤساء الدول الناطقة بالتركية التى عُقدت عام ١٩٩٢ من أجل زيادة التضامن بين البلدان الناطقة بالتركية، وخلق فرص تعاون جديدة بينها، وقد اكتسبت تلك العملية هيكلًا مؤسسيًا من خلال معاهدة ناخيتشيفان فى ٣ أكتوبر ٢٠٠٩، والتى نصت على إنشاء مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، وتم تأسيس أمانة المجلس فى إسطنبول، ويعمل المجلس فى كل المجالات وعلى كل المستويات بالتعاون الوثيق بين الدول الأعضاء.
وبصفة عامة، فإن انهيار الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩٠، أفسح المجال أمام تركيا لزيادة نفوذها فى المنطقة، مستغلة خروج جمهوريات آسيا الوسطى من التبعية الروسية، وانشغال موسكو ببناء علاقات جديدة مع واشنطن، وعدم قلق الاتحاد الأوروبى من تواجدها بالمنطقة، حيث نظر إلى تواجدها بأنه سيؤدى لنشر الديمقراطية وتعزيز مبدأ السوق الحرة، ورغم أن بعض بلدان آسيا الوسطى أبدت قلقها من الاستراتيجية التركية، لكن حاجاتها للاستثمار والدعم التركى هو ما جعلها تُرحب بالتعاون مع تركيا.

دوافع التعاون
ظهرت مجموعة من العوامل عملت بمثابة حافز لكل من روسيا وتركيا لتحقيق مزيد من التعاون، منها استغلال روسيا وبلدان آسيا الوسطى الموقع الجغرافى التركى لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية الخاصة بها، كما تُساعد مشاريع التكامل الإقليمى على تعزيز التكامل بالمنطقة وخفض حدة التوترات فيها، وذلك فى ضوء نظرة دول المنطقة الإيجابية لكل من روسيا وتركيا بسبب مواقفهما المحايدة إلى حد ما للتطورات السياسية الداخلية لهذه البلدان، فيما يتعلق بقضايا الانتخابات وحقوق الإنسان والديمقراطية.
وينبنى التعاون التركى الروسى مع بلدان المنطقة على أساس الرفض للإسلاميين الراديكاليين، فتهتم الدولتان بالحفاظ على الطبيعة العلمانية للأنظمة السياسية بالمنطقة، والتى تُساعد فى القضاء على عدم الاستقرار بأفغانستان المجاورة، ويتماشى ذلك مع التزام روسيا لضمان سلامة كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان فى إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعى وغيرها من الهياكل منها منظمة شنغهاى للتعاون، والتى أعطت لتركيا وضع شريك الحوار فى ٢٦ أبريل ٢٠١٣.

مجالات التعاون المحتملة
يوجد عدد من المجالات التى تفتح فرص للتفاعل الروسى التركى يوجزها بعض الباحثين فى العناصر التالية، أولًا إمكانية حدوث تعاون بين البلدين فى إطار التكامل الأوروبى الآسيوى الناشئ (الاتحاد الجمركى والاتحاد الاقتصادى الأوراسي) بسبب الجهود ذات الصلة التى تبذلها الوزارات الاقتصادية والوكالات الحكومية فى الاتحاد الروسى وكازاخستان، التى تهتم بتعزيز التجارة والعلاقات الاقتصادية مع تركيا.
ثانيًا، احتمالية تأسيس مشاريع للطاقة بمشاركة روسيا والدول المُصدرة من آسيا الوسطى (كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان)، فضلًا عن تركيا كأكبر بلد فى أوروبا يمر عبره الطاقة.
ثالثًا، أن هناك مجالا للتعاون بين الوكالات العسكرية والدبلوماسية لروسيا وتركيا فى مجال الأمن الإقليمي، وبخاصة بأن المشكلة الملحة على المدى القصير تكمن فى القدرة على مواجهة التهديدات المحتملة من أفغانستان، بعد أن أكملت الولايات المتحدة والقوة الدولية للمساعدة الأمنية مهمتهما فى عام ٢٠١٤، وتبدو أفضل الطرق لمعالجة هذه المشكلة فى إطار منظمة شنغهاى للتعاون، والتى تضم روسيا وآسيا الوسطى إلى جانب تركيا وأفغانستان.
رابعًا، تتيح قضايا مكافحة الجريمة والاتجار بالمخدرات والنقل غير المشروع للأشخاص والسلع والأسلحة بعض الفرص للتعاون بين تركيا وروسيا فى آسيا الوسطى، ويتم ذلك عن طريق التعاون بين الوكالات الحكومية الروسية والتركية.
وبالتالى؛ فإن ثمة مؤشرات توضح تحسن العلاقات الروسية التركية حديثًا، منها اللقاء الذى جمع الرئيس أردوغان مع نظيره الروسى بوتين فى سان بطرسبرج أغسطس ٢٠١٧، ولعب رئيس كازاخستان نور سلطان نازارباييف دورًا مهمًا كوسيط بين الطرفيين لعقد ذلك اللقاء، بما يدل على احتمالات التعاون فى المنطقة بينهما، خاصة فى ضوء تصاعد التهديدات الإرهابية للمقاتلين العائدين إلى آسيا الوسطى من بؤر الصراعات فى سوريا والعراق، ولمحاصرة النفوذ الأمريكى بالمنطقة، بالنظر إلى الرؤية الأمريكية المنزعجة من التواجد الروسى فى وسط آسيا، والتى اتضحت مؤخرًا فى التقرير الذى عرضه رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل أمام لجنة شئون القوات المسلحة فى مجلس الشيوخ الأمريكي، وحذر فيه من تصاعد النفوذ الروسى بدول المنطقة، والذى يرى أنه يُعرقل الجهود الأمريكية للتواصل مع هذه البلدان.