الروحانيات والطاعات والرغبة الجماعية في التقرب إلى الله بالصوم والصلاة والزكاة هي الصفات المميزة لشخصية الشهر الكريم، فهذا شاب قادته قدماه لأبواب المساجد وهذا شيخ كبير استعد لشهر رمضان بمصحفه ومسبحته وعزم على ترتيب ورد يومي من قراءة القرآن والذكر بمختلف صوره وأشكاله؛ وعلى قدر هذه الروحانيات هناك العديد من الظواهر السلبية في المجتمع التي تختبأ وسط زحمة تلك الحالة المفعمة بالإيمان، فهنا شاب ابتلي بداء التحرش يتراجع عن أفعاله البغيضة وهناك موظف اعتاد على الرشوة، إلا أنه قرر أخيرا ان "يقفل الدرج" وهو المكان الذي لطالما تجمعت فيه غنائمه اليومية من الرشاوى التى تحصل عليها نظير تخليص مصالح العباد والتى هي من صميم عمله.
وما بين الطاعات والأجواء الروحانية لا بد من منع الأفعال التى تخرجنا من هذه الحالة الروحانية ومن الممكن ان نطلق عليها "مؤجلات الشهر الكريم" والتي نستعرضها في هذا التقرير...
رمضان بدون رشوة ولا بقشيش
"الإكرامية، الشاي، البقشيش، العمولة"؛ ألفاظ متعددة لغرض واحد وهو التلاعب من أجل تبرير الرشوة وكلها تؤدي الى طريق الرشوة والحصول على مبالغ مالية مقابل تسيير أعمال غير مشروعة ومخالفة للقانون والتي قد تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
منير مزيد: سلوك الرشوة نابع من سوء النشأة الاجتماعية
وعن تأثير شهر رمضان على "أدراج الرشوة ومدى اختفائها في رمضان، يقول الدكتور منير مذيد، الخبير النفسي، إن الرشوة مثلها مثل أي سلوكيات كثيرة مرفوضة ومنبوذة وغير مرغوبًا بها في المجتمع فهي كما السرقة أو استيلاء شخص علي أي شيء بدون وجه حق، وحين نأتي لتفسير سلوك الرشوة نجده نابع من سوء النشأة الاجتماعية في البيئة الاجتماعية والأسرة هي بمثابة الدائرة التي يتم داخلها الإعداد والتربية قبل أن يخرج ويتعامل الإنسان مع المجتمع.
وتابع "مذيد" أن الإنسان بطبيعته سواء مسلم أو مسيحي أو كافر يعرف أن الرشوة ممنوعة قانونيًا وسلوك غير صحيح وهو متأكد من ذلك وهذا تأثير نفسي ينبع داخل الأشخاص الذي يري باقي الاشخاص من حوله لا يتعاملون بالرشوة وهذا ما يؤثر فيه ويجعله يقتدي بمن حوله ليصبح هذا سلوك داخلي لديه، وهذا يثبت أن السلوك الذي يرفض الرشوة في رمضان ويؤثر في الأشخاص في هذا الشهر هو سلوك فردي وينتشر ليصبح سلوك جماعي، ويصبح من يقوم به غير مرحب به في المجتمع مما يؤثر في نفسية القائم المرتشي ويجعله يمتنع عن هذا.
طه أبو حسين: في رمضان يحل التأثير الجماعي محل القانون
أما الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع، فيرى أن الرشوة هي سلوك مرتبط عادة بالحالة المادية والحالة الاقتصادية، والارتباط السلوكي بالمادة دائمًا تكون مبرراته مبررات فردية وشخصية، فيبدأ الشخص المرتشي يبرر سلوكه بطرق كثيرة منها "أنا بتعب في العمل، ومرتبي قليل، وأنا باخد كام رشوة يعني يروحوا يشوفوا المرتشيين الكبار اللي بياخدوا ملايين" وعلي هذا الأساس يبدأ الفرد داخل المؤسسة يجد مبررا لنفسه لأخذ الرشوة.
وواصل "أستاذ علم الاجتماع" رغم وجود القانون الذي يجرم الرشوة ويحاسب علي ارتكابها ولكن مرات كثيرة نسمع عن حالات رشوة في المجتمع ولكن التأثير الجماعي داخل المجتمع وخاصة في شهر رمضان يستطيع التأثير علي الرشوة ويجعل نسبتها تتراجع خلال تلك الفترة، وهنا يحل التأثير الجماعي محل القانون ويجعل القلة تمتثل وتتبع الجماعة. فالمجتمع له دور كبير في التأثير علي الرشوة بالسلب أو بالإيجابية.
