الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قدماء موحدون.. الحكيم آني.. المؤمن بأسرار "الله" وتجاوزها مدارك العقول

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». 
منذ ما يقرب من ٢٢٨٠ عام قبل الميلاد، عاش الحكيم آنى فى قصر أحد ملوك الأسرة الثامنة، وهو صاحب الحكم والمواعظ التى اشتهرت فى هذه الحقبة التاريخية والتى كتبها لابنه، وقال عنها الدكتور سليم حسن فى كتابه الأدب المصرى القديم، أنها تُعد من أحسن ما وصل إلينا من الأدب المصرى من النصائح والحِكم والتجارب والمُعاملات الإنسانية، من حيث الأخلاق والدين والسلوك فى الحياة الدنيا. ومن أبرز ما جاء فى هذه الحكم والمواعظ التى تؤكد على عظمة الإيمان بالإله الواحد إيمانًا مطلقًا لا تشوبه شائبة، وتُعكر صفوه عارضة شك أو اختلال يقين، فيقول الحكيم «آنى»: «لا تبحث عن أسرار ملكوت ربك فهى فوق مدارك العقول»، ويقول أيضًا: «خف الله واتق غضبه»، ويقول: «لا تفعل ما يكرهه ربك واحفظ وصاياه وإرشاداته فإنه يرفع من يمجّده، دع عينك تعرف قيمة ربك واحترم اسمه، لأنه هو الذى يُعطى القوة لملايين المخلوقات، كن شهمًا شجاعًا فإن الجبان لا يستفيد من الحياة غير ما وهب الله له، إخلص لله فى أعمالك، لتتقرب إليه وتُبرهن على صِدق عبوديتك حتى تنالك رحمته وتلحظك عنايته». وهذه الأقوال والحكم والمواعظ تؤكد أن كلمة الإله فى كل أقواله جاءت فى صيغة المفرد أى أنه كان من الموحدين الخالصين، ذلك إلى ما تنطق به الكلمات من إيمان وورع وتقوى، ودفع للزهد والإيثار والخضوع لله والتواضع له، وهذه المواعظ والحكم العظيمة توافق بعض مواعظ أشهر الحكماء فى تاريخ البشرية وهو الحكيم لقمان والتى خلّد الله حكمته فى كتابه الحكيم. فعلى سبيل المثال يقول الحكيم آنى لابنه وهو يعظه «لا تغضب أمك، لئلا ترفع يديها إلى الله فيستجيب دعاءها عليك، واجعل نصب عينيك كيف حملتك أمك ووضعتك وكيف ربتك»، فيما يقول الحكيم لقمان لابنه وهو يعظه: «يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»، ويقول الحكيم آنى لابنه وهو يعظه «لا تمش الخيلاء فإن الله هو الذى يجعل من يشاء عظيمًا»، ومقارنة بقوله فنجد الحكيم لقمان يقول: «ولا تمش فى الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد فى مشيك»، ويقول الدكتور سليم حسن: يحث الحكيم «آنى» ابنه على ألا يمشى الخيلاء، وهو ما يذكرنا بقوله تعالى: «لَا تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا».
إذن القصة لم تعد قصة توحيد فقط، إنها قضية تراث دينى قد نزل من عند الله وحيًا فى كُتب سماوية وهذا مثال لواحد من ذلك الشعب المصرى القديم، الحكيم «آنى» الذى يقول عنه المؤرخ عبدالقادر باشا حمزة «إن أعظم ما تمتاز به مواعظ آنى هو ما فيها عن الصلاة والخوف من الله، كما يذكر عنه الدكتور سليم حسن أن أهدافه من تلك النصائح لابنه كانت لأجل أن يذكره بتقوى الله، وصدق هيردوت عندما وصف الشعب المصرى بأنه «أنقى الأمم» إلا أن التوحيد فى مصر كان أقدم من عصر الحكيم آنى أيضًا أى أنه أقدم من عصر الأسرة الثامنة، فلنحاول الرجوع إلى الوراء أكثر لنبحث فى زمن أقدم وهو عصر الدولة القديمة والذى يضم الأسرات من السادسة وحتى الثالثة، ولنبدأ بالأسرة السادسة ولكن فى الحلقة المقبلة.