السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الصراعات.. سلاح "نتنياهو" للبقاء في السلطة

نتنياهو
نتنياهو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإسرائيليون يتغافلون عن قضايا الفساد مقابل الاهتمام بالإرهاب

مع تولى «بنيامين نتنياهو» ولايته الرابعة كرئيس وزراء لإسرائيل فى ٢٠١٥، تكهن الخبراء بموعد سقوط حكومته. بحسب داهليا شايندلن، المحللة السياسية وخبيرة الرأى العام، وزميلة فى المعهد الإسرائيلى للسياسات الخارجية والإقليمية، فى مقال لها فى «فورن بوليسي»، غير أن موعد رحيله عن السلطة ما زال فى علم الغيب.
واجه «نتنياهو» العديد من المصاعب بعد وقت قصير من فوزه فى ٢٠١٥، شملت عددا من الاستقالات الوزارية، وتحقيقات الشرطة، وقد ازدادت مؤشرات سقوطه، حين أوصت الشرطة فى فبراير بتحويله إلى المدعى العام لاتهامه فى قضايا فساد واستنادًا إلى التحقيقات التى تمت فى أربع حالات مختلفة. إضافة إلى تفاقم الأوضاع داخل قطاع غزه، واستمرار التحذيرات من وقوع حرب وشيكة مع «حزب الله» اللبناني. وعدم إحراز أى تقدم فى مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطينى منذ انهيار المفاوضات فى عام ٢٠١٤.
وفى الداخل، اندلعت موجة من الغضب تنديدًا بالصعوبات الاقتصادية والتفاوت الاجتماعى الهائل الذى مازال مستمرًا منذ أن كان «نتنياهو» رئيسًا للوزراء فى ٢٠١١.
وشهد عام ٢٠١٦ إجراء حزب «الليكود» استطلاع رأى حصل من خلاله على متوسط عدد مقاعد فى البرلمان الإسرائيلى «الكنيست» بنحو ٢٥.٧ مقعد أى أقل من ٣٠ مقعدًا التى فاز بها فى عام ٢٠١٥، لكنه لا يزال متقدمًا على جميع المنافسين. 
تقدم مستمر
وبرغم اتهامه فى قضايا فساد إلا أنه يحرز تقدمًا مستمرًا على الصعيد الداخلي، كما تزايد أعداد المنضمين إلى حزبه، وعليه فقد قفزت استطلاعات الرأى إلى أكبر مؤشراتها بنحو ٣٥ أو ٣٦ مقعدًا خلال العقد الحالي، وذلك فى أعقاب انسحاب الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» من الاتفاق النووى الإيرانى فى ٨ مايو ٢٠١٨.
وفى هذا السياق، يستند «نتنياهو» بشكل كبير على «الأمن»، حيث تشير كلمة «الأمن» فى الخطاب السياسى لإسرائيل إلى جميع التهديدات التى تواجهها إسرائيل من قبل الجانب الفلسطيني، سواء كان إطلاق صواريخ القسام، أو مظاهرات فلسطينية ومحاولات عبور حدود غزة، أو عمليات الطعن. فقد خاضت إسرائيل حربين ضد حماس وتعاملت مع موجة من عمليات الطعن، إلى جانب أزمة فى جبل الهيكل والآن التصعيد المميت فى غزة خلال حكم «نتنياهو». وعليه فكلما تزايدت حدة العنف، تزايد عدد المؤيدين لصالح اليمين، فى مقابل تراجع اليسار بزعامة حزب «العمل» منذ ٢٠٠١ وحتى الآن. 
استخدام الأزمات 
تمكن «نتنياهو» من استخدام الأزمات لدعم بقائه فى السلطة، فبرغم اختلاف الداخل الإسرائيلى حول عملية إحلال السلام، إلا أن السؤال الأهم بالنسبة لهم يكمن فى من يستطيع إدارة المشكلة الأمنية، وليس من يقوم بإحلال السلام. وفيما يتعلق بالتهديدات الإقليمية مثل إيران، وحزب الله، وتنظيم «داعش» باعتبارهم جزءًا من القضية الأمنية، وإلا أنها أكثر نظريًا لم تأخذ الطابع العملياتي، فحتى الآن لم تخض إسرائيل حربًا مع طهران، وكانت الحرب الأخيرة مع «حزب الله» قبل ١٢ سنة، كما لا توجد «داعش» بإسرائيل... تحدث نتنياهو، وبعد بضعة أيام، استمع أقوى رجل فى العالم وقامت بتنفيذ طلبه بالانسحاب من الاتفاق النووى الإيران.
العلاقات الأمريكية
وعلى صعيد آخر، عانت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فى عهد إدارة «باراك أوباما» من التوتر بين الجانبين، فرغم أن واشنطن الحليف الاستراتيجي، والصديق الأفضل لإسرائيل، غير أن الأوضاع لم تسر على وتيرة واحدة وكانت محفوفة بالمخاطر، ليس فقط على صعيد العلاقات بين البلدين، ولكن على الصعيد الداخلى فبعد انتخابات ٢٠١٥، اعتقد ربع الإسرائيليين أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية جيدة. بينما ثلاثة أرباع المواطنين صنفها بأنها سيئة أو محايدة.
بدأت العلاقات فى التحسن مع فوز «ترامب» فى الانتخابات الرئاسية الأمر الذى أحدث نقلة نوعية فى مسار العلاقات بين الجانبين، تجلى فى دفع «تل أبيب» واشنطن لتتخلى عن الاتفاق النووى الإيراني، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وبالتالى انعكس ذلك على الناخبين بشكل عميق، فقد ترسخت لديهم فكرة أن «نتنياهو» على حق ولديه من الأولويات التى يؤمن بها ويسير وفقًا لها. 
علاقات غامضة مع روسيا
وعلى الجانب الآخر؛ انتهج «نتنياهو» سياسة خارجية أكثر انفتاحًا مع الدول الكبرى والصاعدة فى النظام الدولى بجانب الولايات المتحدة، بما فى ذلك الهند وأذربيجان لبناء روابط اقتصادية، وتعزيز المصالح الأمنية والإقليمية للبلاد. وهنا يمكن التطرق إلى العلاقة الغامضة بين «موسكو» و«تل أبيب»، فليس من قبيل المصادفة - على سبيل المثال - أن يلتقى «نتنياهو» الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» الأسبوع الماضى إبان الغارات التى شنتها إسرائيل على الأهداف الإيرانية فى سوريا. 
من السهل أن نقول إن الإسرائيليين يتغافلون عن قضايا الفساد التى تواجه رئيس الوزراء، مقابل الاهتمام بالإرهاب، والاستمرار فى انتصاراته العسكرية والدبلوماسية التى ستنعكس بشكل إيجابى على سياسته الداخلية. ولكن فى واقع الأمر ليس هناك بديل محتمل يمكن أن يقارن بـ«نتنياهو».
يرجع ذلك إلى تعثر معظم حكومات الائتلاف الإسرائيلى من استكمال مدتها، فقد شهدت إسرائيل نحو ٣٤ ائتلافًا على مدار ٧٠ عامًا. على النقيض من ذلك، تمكنت حكومة «نتنياهو» الثانية من عام ٢٠٠٩ إلى عام ٢٠١٣ من اكتمال مدة ولايتها كاملة. هذا بجانب قدرة «نتنياهو» على الاستمرار ما يقرب من ١٣ عامًا، كثانى أطول رئيس وزراء، كما استطاع تحقيق قدر من الاستقرار السياسى لإسرائيل.
ثمن الانتصارات
وعليه فهناك ثمن لهذه الانتصارات، فقد بدأ «نتنياهو» يطلق العنان لذاته بأنه الأقدر والأقوى، فالفترة من الوقت فى أوائل عام ٢٠١٦، شغل خمسة مناصب وزارية، بالإضافة إلى رئيس الوزراء، قبل أن يقوم بتوزيعها ببطء؛ ولا يزال يشغل منصب وزير الخارجية. وأغلقت حكومته سلطة البث العامة التاريخية لإسرائيل. فحكومته فى مأزق ضد المحكمة العليا وتناقش حاليًا مشروع قانون يسمح للكنيست بتجاوز حق المحكمة فى المراجعة القضائية.
فعندما أراد «نتنياهو» إبرام صفقة ضخمة لاستخراج الغاز الطبيعي، استقال مدير هيئة مكافحة الاحتكار فى إسرائيل ووزير الاقتصاد احتجاجًا على ذلك، قائلًا إن هذا الترتيب يمنع المنافسة. الأمر الذى ترتب عليه أن تولى «نتنياهو» منصب وزير الاقتصاد، مما سمح له بتفعيل بند خاص للتهرب من قوانين مكافحة الاحتكار. وللقيام بذلك، طُلب منه التشاور مع لجنة «الكنيست» بموجب القانون. وصوت أعضاء اللجنة ضد البند. ولكنه تجاهلهم.
أسس الديمقراطية
ونتيجة لسياسات «نتنياهو» على الصعيد الداخلى والخارجي، أصبح الناس أقل حماسًا لأسس الديمقراطية مفضلين الإنجازات الشخصية التى حققها. والمفارقة أن فكرة توطيد السلطة ستضر بالديمقراطية، ولكنها تولد فى الوقت نفسه بيئة يحظى فيها شخص واحد بالاعتماد عليه فى كل شيء، مما يعزز الدعم لهذا الزعيم.
عاجلًا أم آجلًا، سيخرج «نتنياهو» فى النهاية من المسرح السياسي. لكن بالنظر إلى الطريقة التى عزز بها حكمه باستغلاله للأزمات، وما كانت عليه سنوات حكمه لإسرائيل، لا يبدو من المرجح أن يتأرجح البندول فى الاتجاه الآخر قريبًا.