السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

صفحات من تاريخ التمدن في الإسلام.. الفقه ودوره في الحياة الاجتماعية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين الحديث عن تاريخ التمدن في الإسلام لا بد لنا من إلقاء نظرة ولو سريعة عن الفقه الإسلامي، حيث إنه يمثل الروح الإسلامية أصدق تمثيل، كما يمثل لنا التفكير الإسلامي وطريق الحياة في الإسلام؛ لأنه لم يتأثر بشكل كبير بمؤثرات أجنبية كعلم الكلام مثلا الذي تأثر بالفلسفة والمنطق، بينما قام الفقه على القرآن والسنة وناقش حياة الناس ومعاملاتهم.
ومن هنا نستطيع القول بأن صورة المجتمع الإسلامي تظهر في الفقه والتشريع؛ لأن الفقه في تطوراته المختلفة وفي استعمالاته وألوانه في البيئات المختلفة، مرآة كبيرة تعكس صورة هذا المجتمع في الأزمنة والأمكنة المختلفة، وفي عصور النهضة والازدهار وفي عصور الركود والانحلال، والباحث الاجتماعي الذي يتتبع هذا المجتمع لا بد له من تتبعه في الفقه لأنه طريقة الحياة للمسلم وخلاصة التفكير الإسلامي الأصيل.
ولقد كانت معرفة الشريعة في الأصل قائمة على الكتاب والسنة مستقاة منهما مباشرة، ولكن هذا الاستنباط المباشر من هذين المصدرين أصبح آخر الأمر غير مستطاع لكل واحد من أفراد الأمة، فأخذ المتأخرون يتعرفون الأحكام من الفقه المشتمل على المسائل، ومن هنا جاءت أهمية الكتب الفقهية، وعلى الأخص الكتب التي ترجع إلى العصور المتأخرة والتي أصبحت معترفا بها عند الجمهور، ففيها يجد كل مسلم شريعة الله بشكل إلزامي حسب المذاهب المختلفة بينما أصبح القرآن والحديث لا ينظر فيهما غالبا إلا لمجرد الدرس أو معرفة شؤون التهذيب، وليس لكل أحد أن يستنتج منهما أمور الحلال والحرام، وعندما اقتنع الناس بأنه يجب متابعة الخلف للسلف، وأن ما أجمع عليه الأسلاف يجب أن يرتبط به المسلمون، عندئذ أصبح التشريع المحدد لكل حياة المسلمين، فقها مقدسا معبرا عن ارادة الله التي لا تبديل فيها.
الغريب في الأمر أنه لم يكن الفقه في أثناء تطوره معمولا به على الإطلاق، لأنه لم يكن من عمل الدولة وأعضائها، ولكنه كان على الأكثر من عمل المؤلفين الفقهاء، وبالرغم من أن جزءا كبيرا منه من فتوى المجتهدين، فقد بقي مقدسا، من أجل أن المجتهد يعتبر شارعا في إنشائه للأحكام، وقد انعقد الإجماع على ذلك.
وقد عرف ابن خلدون في المقدمة ج 3 ص 1 علم الفقه "بأنه هو معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والندب والكراهة والإباحة، وهي مستقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من الأدلة قيل لها فقه".
وعرفه صاحب مفتاح السعادة "بأنه علم باحث عن الأحكام الشرعية الفرعية العملية من حيث استنباطه من الأدلة التفصيلية، ومبادئه هي مسائل أصول الفقه وله استمداد من العلوم الشرعية والعربية، وفائدته حصول العمل به على الوجه المشروع. ولما كانت الغاية والغرض من العلوم العملية تحصيل الظن دون اليقين، بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة، وأنه وان كان قطعي الثبوت، لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد".
ومن المسلم به أن الفقه نما وتطور مع الجماعة، واذا كان الفقه مظهرا للإرادة الإلهية، فهذا لا ينافي أنه في الأجيال المتعاقبة في التاريخ قد مرت به تطورات مختلفة زمانية ومكانية، وليس بد من دراسة هذه الظواهر وتتبعها تاريخيا لفهم هذه التطورات وتتبعها فكريا وموضوعيا، وهذا البناء الضخم الذي خططته إرادة الله قد نما وتطور في أحضان الحياة الاجتماعية والحضارة الإسلامية، وعمل الفقهاء بتفكيرهم وصنعهم وجهدهم على توضيح معالمه ومبادئه.
وفي هذا الصدد لا يمكن أن يتصور أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا يقضون بالفقه، لأنه لم يكن له وجود بعد، وكل ما هناك أنهم كانوا يراعون تعاليم القرآن الكريم وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم كما يراعون في المسائل الجديدة هذه الروح، ولكن الغالب أنهم كانوا يحكمون برأيهم، وبالعرف القائم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبعادات البلاد المفتوحة، ويقبلون من غير تفكير طويل الأمور الغريبة عنهم، ما دام لا يوجد ضدها اعتراض ديني أو خلقي، أو واقعة حصلت، فأمر الفقه كما يرى كان موضوعا جانبا، وبقاء هذه الحالة التي لم يكن فيها فقه يرجع إليه، كان يمكن أن يؤدي إلى قانون عملي ناشئ عن الحياة العملية وقائم على ما يتطلبه العمل.