الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفلسفة والدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُشكك بعض الناس ممن لم يدرسوا الفلسفة، ولم يعرفوا شيئا عن تاريخها، أو موضوعاتها، أو مناهجها، فى الأثر الذى تتركه هذه الدراسة على معتقداتنا الدينية، ويذهبون إلى أن دراستها تعمل على زعزعة هذه المعتقدات، إن لم تقم بتقويضها بالفعل. 
غير أن ذلك لا يدل إلا على جهل فاضح، وفكر بالغ السطحية عن الفلسفة، ذلك لأن الدين بما يدعو إليه من قيم كالعدل، والخير، والحق، والفضيلة، والرحمة، والبساطة، والتسامح، والتواضع، والإخاء بين الناس.. إلخ، يلتقى مع الفلسفة على صعيد واحد من حيث الهدف والغاية، وإن اختلفت الوسيلة. 
فقد ظلت الفلسفة طوال تاريخها تدعو الناس إلى الإيمان بهذه القيم والتمسك بها، ولن تجد مذهبًا من المذاهب الفلسفية يدعو إلى هدمها.
المعارف السطحية الغثة هى وحدها التى تخلق التعارض بين الفلسفة والدين، ذلك لأن الفلسفة هى سبيلنا إلى الإيمان بالله عن طريق العقل، ومن هنا فقد ذهب الفيلسوف الإنجليزى فرنسيس بيكون (1561 – 1626) إلى أن «معرفة الإنسان الضئيلة والسطحية بالفلسفة قد تنحرف بذهنه بعيدًا عن الدين، لكن التعمق فى دراستها يلقى بالإنسان فى أحضان الدين ويرسخ إيمانه به»، فهى تساعدنا على تدعيم معتقداتنا الدينية عندما نضع لها أساسًا عقليًا صلبًا، وبذلك تجنبنا الكثير من الحيرة والشك والبلبلة.
والواقع أن الفلسفة والدين توأمان متلاصقان، وعلى حد تعبير ابن رشد «الحكمة صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة»، بل إنهما أحيانًا يطرحان أسئلة واحدة عن أصل الإنسان ومصيره، وعلاقته بالكون الذى يعيش فيه، وعلاقة الإنسان بالله، وخلود النفس، وحرية الإرادة، وعلاقة السلوك البشرى بالسعادة والإنسانية... إلخ. ولا شك أن اشتراكهما، من حيث الموضوع، فى مثل هذه المشكلات الكبرى يكفى فى ذاته لكى يجعلهما يتداخلان تداخلًا جزئيًا فى بعض الأمور.
الدين أسبق من الفلسفة، هذه حقيقة لا يتطرق إليها شك، إذ تثبتها دراسة الحضارات القديمة، ودراسة الشعوب البدائية. 
ولو شئنا أن نستعرض تاريخ العلاقات القائمة بين الدين والفلسفة منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا، لكان علينا أن نرتد إلى تلك الأساطير الدينية والخرافات السحرية التى ذهب الكثير من الباحثين إلى أنها كانت الأصل فى نشأة التفكير الفلسفى. 
غير أن فلاسفة اليونان الأقدمين لم يلبثوا أن تحققوا من أن تلك الأساطير الدينية لا تخرج عن كونها خيالات بشرية اصطنعها الناس (على صورتهم ومثالهم) لوصف الآلهة. ولعل هذا هو ما عناه «اكسينوفان» Xenophanes 570 – 480) ق.م ) حينما كتب يقول: 
«إن الناس هم الذين استحدثوا الآلهة، وخلعوا عليها هيئتهم وعواطفهم ولغتهم. ولو كان فى وسع الثيران أن ترسم صورة لآلهتها لصورت لنا الآلهة، على صورتها ومثالها. ونحن نعرف كيف نسب هوميروس وهزيود إلى الآلهة، كل ما هو موضع تحقير وملامة فى نظر الناس». 
ولم يشأ «اكسينوفان» الفيلسوف اليونانى القديم أن يخلع على الآلهة صفات البشر، بل ذهب إلى تنزيه الإله بوصفه عقلًا محضًا، كله بصر وكله فكر.