الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الشفتشي".. كردان جدتي وأقراط أمي بشكمجية الزمن

الشفتشى
الشفتشى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنا كنت صياد، وصيد السمك غية، نزلت بحر السمك اصطاد ليّ بنية، وعجبنى شكل السمك فى البحر حواليه، واحدة بياض شفتشى، والثانية بلطية، والثالثة من بدعها سحرت مراكبية.. واحدة بياض شفتشى والثانية بلطية، والثالثة من بدعها غرقتنا فى الميه.. "موال شعبى". 
فى رحلة جديدة بين طيات الماضى فى قاهرة المعز نبحث عما تخفيه الأيام والسنوات الماضية من الفنون الجميلة التراثية التى اندثرت أو على شفى الاندثار، لتفتح أمامنا شكمجية الجدات وتظهر لنا أبدع الصناعات والفنون التراثية القديمة، فهى كنز يتلألأ بين أيدينا، ليظهر مدى دقة ومهارة الصناع ويكشف عن عالم المقتنيات المليء بالأسرار إنه فن «الشفتشى»، فكانت معظم الأسر قديمًا لا تخلو من كردان أو قرط إلا وعليه بصمة فن الشفتشى. 
وكلمة «الشفتشى» كانت تطلق على أنواع من القماش ذات النسيج الرقيق الذى يكشف عما ما تحته، وكان المصرى القديم أول من أبدعها قبل العثمانيين وقد أخذت الفكرة من هذه الأقمشة والتى سميت فيما بعد بـ«الشفتشى» مستخدمين قطع من أسلاك الذهب والفضة والنحاس لينسجوا منها أجمل وأدق المشغولات ذات التقنية المعقدة.
وتعتمد تقنية "الشفتشى" كليا على عملية برم الخيوط المعدنية من الفضة والذهب بدقة شديدة لتكوين أشكال تشبه الدانتيل، ونظرا لما تتطلبه هذه التقنية من وقت ودقة، من الصعب أن تتم إلا يدويا، وهو ما جعل صناعة هذا النوع من المجوهرات تختفى تقريبًا، باستثناء بعض الورش فى حى الحسين والأزهر، التى ما زالت تحاول المحافظة عليها منذ أكثر من قرن من الزمان، وبالتالى لا تزال اليد المحترفة هى التى تنسج خيوطها وتصوغها فى أشكال أقرب إلى الدانتيل.
كما أضاف المصريون المهرة إلى هذه المهنة الكثير من التقنيات التى صبغت عليها الروح المصرية القديمة ويأتى السياح من جميع أنحاء العالم ليحصلوا على قطعة فنية جميلة ولا مثيل لها وتعود كملة "الشفتشى" إلى كلمة تركية أصلها (شفت إشى) ومعناها مكشوف لأن الأشكال التى يتم تصنيعها تكون مفرغه، وكان فن الشفتشى مرتبط بالصاغة بشكل كبير ويتم تصنيع الحُلى والمجوهرات من الذهب والفضة مثل الكردان والأقراط وغيرها من الإكسسوارات التى تتزين بها النساء وفى متحف الفن الإسلامى ستجد قطعًا من الحلى المصنوعة بطريقة فن الشفتشى والتى لا يوجد مثيل لها، ولا يُعرف على وجه التحديد صاحبة هذا الكردان، وقبل عشرات السنوات كانت ورش الشفتشى منتشرة فى مصر بشكل كبير، ولكن الآن أوشكت على الاندثار وهذا بسبب ما تطلبه المهنة من صبر وقدرة على التحمل فالأجيال الجديدة ومنهم وللأسف لا يتمتعون بتلك الصفة ولذلك انصرفوا عن تلك المهنة لما تحتاجه من دقة وصبر وخيال خصب للإبداع والابتكار، بل أصبح عدد الفنانين والمحترفين فى صناعة الحلى بطريقة الشفتشى يتعدون على أصابع اليد الواحدة، على الرغم من المحاولات التى تحاولها بعض الجهات الحكومية وغيرها من إحياء فنون التراث والتى تتميز بالدقة الشديدة والثراء بالتفاصيل، ويظهر فيها تأثير البيئة والحضارة المصرية، فالتصميمات تشبه أوراق الشجر والمياه الجارية ومجموعة من الأشكال الهندسية الرائعة وبالغة الدقة