الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصحافة في الولاية الثانية للرئيس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المقولات الشهيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى فى مستهل ولايته الأولى «يا بخت عبدالناصر بإعلامه»، ومن المقولات المفسرة لها مقولة الكاتب الصحفى حازم منير «إعلام عبدالناصر كان مؤمنا بمشروعه بينما إيمان إعلام السيسى ضعيف فى أحسن حالاته».
إيمان الصحافة بمشروع وطنى لبناء الدولة يعنى عدم اكتفائها بنقل قشوره، وإنما الخوض فى تفاصيله ومناقشة تداعياته الإيجابية والسلبية حتى تكتمل الصورة.
فهم أغلب القائمين على صناعة الصحافة والإعلام مقولة الرئيس على نحو خاطئ، دفعهم إلى الاعتقاد بإن الدولة لا تريد من يشاركها الرأى فى مشروع بناء الوطن، متجاهلين أحد أهم أدوار الصحافة، وهو خلق آلية حوار مجتمعى داعمة لاستراتيجية الدولة ومهذبة لسياسات وخطط الحكومة.

الصحافة سلطة رابعة، ليس فقط لأنها عين المجتمع على الحكومة، وإنما أيضا لأنها شريك للسلطة السياسية فى عملية إدارة الرأى العام بمساعدته فى تكوين اتجاهاته، دون أن تفرض عليه توجها بعينه.

أحد أهم مظاهر هذا الفهم الخاطئ لمقولة الرئيس والتى تستطيع عزيزى القارئ ملاحظتها خلال تصفح سريع لما تنشره أغلب الصحف والمواقع الإلكترونية، تشابه عناوين الأخبار والتقارير وتماثل المتون والتفاصيل فى أحيان كثيرة.
وبعين الصحفى أكاد أشعر فى معظم الوقت أننا أمام مالك واحد، ورئيس تحرير واحد، وفريق عمل واحد، يقوم على عملية إصدار هذا الكم الهائل من الصحف والمواقع الإلكترونية، التى تتبنى فيما يبدو سياسة تحريرية واحدة، وبالكاد تتمايز فيما بينها فى انتقاء كتاب المقالات والأعمدة.
السبب الظاهر لهذه الحالة انشغال أغلب صحفنا بنشر البيانات الرسمية الصادرة عن الأجهزة التنفيذية، دون بذل جهد يذكر فى تقديم معالجة صحفية مهنية لتلك البيانات وعرض أبعاد غابت عن البيان الحكومى، اللهم إلا فيما ندر حتى لا أبخس حق بعض الزملاء.
أغلبهم ظن أن الرئيس يغضبه كشف الفساد وجوانب القصور، فعزف عن التقصى والتحرى وطرح الأسئلة حتى حول الغامض فى بيانات الحكومة، ودليلى فى ذلك، الانطباع السلبى لدى الجمهور عن الصحافة بكونها عرابة للنظام، تمارس التهليل والتطبيل لا التوعية والتنوير.
مثال على ذلك، التقرير الرسمى حول الأعباء الإضافية التى تتحملها الحكومة بسبب ارتفاع أسعار البترول عالميا، الذى نشرته أغلب الصحف والمواقع بصيغة واحدة، فقد خلا تماما من أى مناقشة تجيب للقارئ عن بعض الأسئلة البديهية، منها من أين ستدبر الحكومة التكاليف الجديدة؟ ومدى تأثير ذلك على بنود الموازنة العامة فيما يخص الخدمات الأساسية وبرامج الحماية الاجتماعية؟! وما إذا كانت عائدات اكتشافات حقول الغاز الجديدة ستلعب دورا فى التخفيف من تلك الأعباء مستقبلا أم لا؟!
عندما تغيب الأسئلة البديهية فى الصحافة تتراجع مصداقيتها وتفقد قدرتها على التأثير.
هذا الفهم الخاطئ دفع بعض القائمين على صناعة الصحافة والإعلام إلى اختيار قيادات فاقدة للحدود الدنيا من المهارات المهنية والقدر الكافى من الثقافة، والكارثة أن جيلا كاملا من شباب الصحفيين لم يتعلم سوى أن يقوم بوظيفة «المحولجى» الذى ينقل نص البيان أو الشائعة المكذوبة من منصات التواصل الاجتماعى إلى صالات التحرير دون موجه أو رقيب.
أحد أمراض مهنتنا التى ساعدت على توظيف الصحفيين «محولجية» تعيين مستشارين إعلاميين لبعض الوزراء من صفوف الصحفيين، وقد كان لذلك نتائجة الكارثية، بعضهم يهدد الصحفيين الشباب مندوبى الصحف لديهم بحرمانهم من البيان الصحفى اليومى، إذا نشر معلومة تفضح فسادا أو تكشف قصورا، وأحيانا يصل الأمر لدرجة إخطار الصحيفة بأن المندوب «الفلانى» غير مرغوب فيه، وهذا الوضع لم نعرفه من قبل عندما كان المستشار الإعلامى للوزير متخصص علاقات عامة وإعلام، كنا ننشر ما نصل إليه من معلومات وأقصى رد فعل مبادرة مدير العلاقات العامة بالاتصال طالبا حق الرد بعبارات مرحبة ومتفهمة لما نشر حتى لو خالف الحقيقة.
قولا واحدا الدولة التى تسلط سيف الرقابة الإدارية على رقاب الفاسدين داخل أجهزتها التنفيذية لا يغضبها أن تقوم الصحافة بدورها، بل هى تحتاجه وتطلبه، والدولة التى يؤكد رئيسها فى مستهل ولايته الثانية أن الوطن يسع الجميع، تحتاج صحافة قادرة على إدارة الحوار بين أطياف المجتمع.