الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صفحات من تاريخ التمدن بالإسلام.. الصيدلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتاد من يكتب عن الصيدلة، وعن العلوم بشكل عام أن يبدأ ببعض علماء اليونان الذين برزوا في الحقل العلمي الذي يكتبون فيه، ثم يأتي على ذكر رواد الترجمة من العرب والمسلمين الذين نقلوا المعرفة من اليونانية إلى العربية، ظنا منهم أن الحضارة اليونانية من الحضارات القديمة الأصيلة، رغم أن الحقائق تقول غير ذلك وتعتبر الحضارة اليونانية من الحضارات الوسيطة والتي نقلت عن الحضارات القديمة الأصيلة مثل حضارة وادي النيل وبلاد الرافدين والهند، وكذلك حضارة الصين، وهناك دلائل علمية من أثار هذه الحضارات ما يدل على أسبقيتها العلمية، مما يؤكد ان الحضارة اليونانية حضارة مكتسبة وليست أصيلة، بل أتت من حضارتي وادي النيل وبلاد الرافدين بالدرجة الأولى، وربما من الحضارة الهندية القديمة أيضا عن طريق الحروب والهجرة والتجارة.
والحضارات الوسيطة والحديثة امتداد للحضارات الأصيلة العريقة في القدم، وكل شعب من الشعوب ذوات الحضارة، قام بقسط في الحفاظ على الحضارات الاصيلة والاضافة إليها. فاليونانيون قد أضافوا إلى الحضارات القديمة، حضارة وادي النيل وبلاد الرافدين وحضارة السند شيئا ليس بالقليل. وحافظ العرب على الحضارة اليونانية وعظموها وأضافوا إليها الشيء الكثير ثم قامت النهضة الأوروبية الحديثة وبنت أسسها على أسباب الحضارة العربية التي امتدت من منتصف القرن الأول الهجري وحتى مطلع القرن السابع الهجري، ولا زلنا نرى التقدم العلمي الواضح والسريع في الحضارة الأوروبية الحديثة.
ولا بد من الاعتراف بأن العرب الذين كتبوا في الصيدلة والكيمياء لم يكونوا عربا من حيث الدم والجنس، بل من حيث الثقافة والولاء للعرب والإسلام، اذ لولا اللغة العربية لما كان للعلماء المسلمين والعرب أثرا ملموسا فجميعهم قد تلقى الثقافة باللغة العربية، وكتبوا معظم مؤلفاتهم فيهاان لم يكن بعضهم قد كتيها بالعربية كلها، وكانت اللغة العربية في ذلك الوقت لغة العلم، ولا سبيل إلى العلم الا عن طريق اللغة، شأنها في ذلك شأن اللغة اليونانية قبل بضعة قرون.
لقد نقلت الصيدلة كما نقلت العلوم الأخرى من الحضارة اليونانية المكتسبة جزءا والاصيلة بما أضاف اليها أهلها وكان من بين رواد المصادر اليونانية في الصيدلة الذين تأثر بهم العرب ونقلوا عنهم هم "أبقراط 357 قبل الميلاد"، وقد سماه العرب (أبا الطب) وكتبوا عنه كثيرا كما ترجموا كتبا عديدة له، وكذلك "دسقوريدس 60 ميلادية" وهو أول من كتب كتابا مسهبا في الأعشاب الطبية أسماه – كتاب الحشائش – و"جالينوس 201 ميلادية" ويعتبر هذا العالم والطبيب البارع أول من أخذ عنهم العرب في الطب اذ كتب عددا كبيرا من الكتب الطبية وفي شتى فروع علم الطب، كما قام بتفسير كتب أبقراط وعلق عليها، وما زال اسمه لامعا في المصادر العربية إلى يومنا هذا، لأن العرب ترجموا له كثيرا من الكتب الضخمة والرسائل القصار، وأشار ابن أبي أصيبعة إلى ما ترجم الى جالينوس بصورة مفصلة وذكر أن أطباء الإسكندرية قد وضعوا كتبه الستة عشر المختارة، على سبع مراتب، من حيث التدرج في المعرفة الطبية، وشغف القارئ في الانتقال من مرتبة إلى أخرى.
ولقد ابتدأ العرب بترجمة الكتب اليونانية العلمية منذ النصف الثاني من القرن الأول الهجري وذلك في عهد خالد بن يزيد بن معاوية، ألا أن هذه الترجمة لم تكن ترجمة جيدة من حيث تركيب الجمل العربية وأداء المعنى، بل كانت ترجمة حرفية نظرا لضعف المترجمين في إحدى اللغتين، ومكث حال الترجمة كذلك حتى جاء رائد الترجمة المضبوطة "حنين بن إسحاق". ومن هنا بدأت اضافات العرب في علم الصيدلة وبرز من العلماء العرب في هذا العلم ابن سينا وابن النفيس والبيروني وغيرهم، والذين سوف نتناول سيرتهم وبعض ما قدموه في "صفحات من تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية" حيث نتناول سير العلماء العرب الذين ساهموا بشكل واضح وكبير في بناء الحضارة الإنسانية.