الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حكايات مجهولة.. استقلال الأندلسيين في العلوم والفنون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه صفحة تاريخية جديدة يجب الالتفات إليها، إن التاريخ الأندلسى يحفل بالكثير من الأشياء المهمة، والتى تتطلب التركيز وإلقاء الضوء عليها لينتبه لها القارئ والإنسان المثقف.
منذ دخول العرب لأرض الأندلس ووصول لغتهم وفنونهم وعلومهم إلى تلك البلاد، وساد جو التشجيع على العلم، وسرعان ما استقلت الأندلس بشخصيتها الفريدة فى النحو واللغة والمذهب الفقهى والشعر وغير ذلك.
فهى لم تقبل النحو كما عرفته الكوفة والبصرة بل جاء ابن مضاء القرطبى وألف طريقة جديدة فى النحو عارض فيها أهل المشرق وسمى كتابه "الرد على النحاة" يناقش فيه نظرية العامل وتعقيدات النحاة، وكان مبعثه على التأليف قوله: «وإنى رأيت النحويين رحمهم الله جميعا قد بلغوا الغاية من تعقيد النحو وتجاوزوها»
ولقد أظهر هذا الكتاب فحققه وقدم له الدكتور شوقى ضيف رحمه الله، ثم ألف كتابه «تجديد النحو» الذى بسط فيه رأى ابن مضاء وانحاز له، ولقد قال فى مقدمته: «وإنى لشديد الأمل فى أن يصبح نهج هذا الكتاب وتبويبه ومادته عتادا يرجع إليه مؤلفوا كتب النحو التعليمى ليضعوا على أسسه كتبا لهم متدرجة مع سنوات الناشئة فى التعليم».
ولم يكن النحو فقط هو العلم الذى خالف فيه أهل المغرب العربى فى الأندلس المشارقة حيث المدينة ودمشق وبغداد، راقب مثلا الشعر العربى القديم الذى حافظ على شكله العمودى منذ تكونه فى العصر الجاهلى، وقد وضع قواعده وبحوره لأول مرة الخليل بن أحمد الفراهيدى، ووضعه على ١٦ بحرا من الأوزان الموسيقية التى اكتشفها أثناء سيره وسط السوق وسماع صوت المطارق الرتيبة والمتكررة كما قيل، نجد أن الشعر فى الأندلس لم يلتزم بتلك البحور الخليلية، وابتكروا شكلا جديدا عرف بفن الموشحات الأندلسية نتيجة للمتطلبات العصرية آنذاك، ومواكبة ازدهار الغناء والموسيقى بعد وصول الموسيقى الكبير «زرياب» إليهم، وكان من أشهر الموشحين ابن عبدربه صاحب كتاب «العقد الفريد» ومحمد بن أبى الفضل، وابن سهيل، أبوإسحاق الزويلى، وغيرهم.
واستدعاء تلك الفنون التى خالفوا فيها أهل المشرق والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة، ولكنه لا يمكن أن نهمل التأليف فى باب العشق والحب فلقد كتب أهل المشرق كتاب "الزهرة" لمحمد بن داواد، و«مصارع العشاق» لابن السراج القارئ، و«أسواق الأشواق» لداود الأنطاكى، والمتأمل تلك المؤلفات يجد أن موادها مستقاة من قصص دائرة بينهم، وكلها متقاربة ومتشابهة وتكاد تكون واحدة، وكل من أراد أن يكتب عن العشق نظر فى هذه الكتب فأخذ مادته منها، إلا ابن حزم الأندلسى الذى كتب "طوق الحمامة في الإلف والآلف" فقد ضرب صفحا عن مادة أهل المشرق، ونظر لأهل الأندلس فأخذ مادته حية مما عاصره وشاهده فانفرد بكتاب عن تلك العاطفة الراقية التى يشعر بها الإنسان وأظهر الحالة الاجتماعية لعصره وزمنه. وبهذا يتضح مدى براعة أهل الأندلس فى خلق شخصيتهم المستقلة فى جميع العلوم والفنون، فأبدعوا تراثا كبيرا يدعوا للفخر والاعتزاز.