الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كهنة مصر القديمة درسوا مبادئ التوحيد في جامعة أون

قدماء المصريين أول
قدماء المصريين أول الموحدين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال "لا إله إلا الله". 
تحدثنا في الحلقات السابقة عن التوحيد فى مصر القديمة في زمن كل من "إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف"، وجميعهم كانوا فى مصر إبان فترة حكم الهكسوس، بطبيعة الحال فإن أهل مصر كانوا من الموحدين فى زمن موسى عليه السلام، من أبرز الأدلة على ذلك أن موسى عليه السلام تعلّم على أيدى كهنة مصر، وكان ذلك قبل الرسالة والنبوة، فالمعلوم للجميع أن موسى بلغ مبلغ النبوة يوم أن تجلّى له الله على جبل الطور فى سيناء، فيقول سبحانه: «وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ*إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى»، ويذكر الطبرى فى أن الله ترآى لموسى بسيناء وكان عمره حينها ثمانين عامًا، وهو العمر الذى أصبح فيه نبيًا رسولًا، أما ما قبل ذلك العمر فلم يكن قد وصل للنبوة بعد، ومن المعلوم فى جميع الديانات أن موسى قد نشأ فى كنف الفرعون الهكسوسى، ويقول الشيخ عبدالوهاب النجار، أن القرآن الكريم شهد بصريح عبارته أن موسى لم ينقطع عن البلاط الفرعونى بمجرد فطامه، ففرعون قال له: "ألم نربيك فينا وليدا"، والوليد هو الغُلام الذى لم يبلغ الحُلُم، وثم أتبع فرعون قوله بـ"ولبثت فينا من عمرك سنين"، وقال البيضاوى فى قصص الأنبياء أن موسى مكث فى قصر فرعون ثلاثين سنة، وفى القرآن الكريم قوله تعالى: "ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما"، وعن قوله تعالى: "ولما بلغ أشده واستوى"، يذكر الألوسى فى قصص الأنبياء أن المراد بها "لما قوى جسمه واعتدل عقله"، وأما قوله تعالى: "آتيناه حكما وعلما"، ففى مختار الصحاح الحُكم هو الحكمة، أى أن موسى عليه السلام لما بلغ أشده آتاه الله العِلم والحِكمة بالتلقين على أيدى البشر، إذ لم يكن آنذاك رسولًا بعد، يوحى له.
ولا شك أن كل ما سبق تم وهو فى كنف "الفرعون الهكسوسي"، على أيدي الكهنة المصريين القدماء، فليس من المنطق بمكان أن يكون الهكسوس الرعاة المجرمين أرباب البداوة أصحاب علم وحكمة، حتى يُقيموا حكمتهم فى مصر ويُعلموها لأهل مصر، وإنما الراسخ فى الوجدان أن مصر منذ قديم الأزل وهى دولة ذات سيادة على أرضها ولها حدودها الثابتة، ولها تاريخها وحضارتها وثقافتها فى المجالات المختلفة، وهذا أكبر دليل على أن موسى تلقى تعليمه ودروسه على أيدى معلمين مصريين قدماء، ليسوا من البدو الرعيان الآراميين الهكسوس، ويذكر تشارلز ماكنتوش في "شرح الكتاب.. مذكرات على سفر الخروج»، أن يد العناية الإلهية هى التى ساقت موسى إلى بيت الفرعون، لكى يتربى ويتهذب بكل حكمة المصريين وعلومهم"، ويذكر العالم الفرنسى دى بوا ايميه، أن ابنة الفرعون أمرت بتعليم موسى كل حكمة المصريين وعلومهم»، وبالطبع فقد تم ذلك على أيدى معلمين من القدماء المصريين، فكما قلنا «الفرعون» وقومه كانوا من البدو الرعاة لا ثقافة لهم ولا علم ولا حكمة، هذا إلى جانب أن الذى تعلمه موسى كان علمًا مصريًا وحكمة مصرية، ومن الطبيعى أن الفرعون الهكسوسى قد عهد به إلى كهنة قدماء المصريين لتعليمه، وما حدث فى جامعة أون التى تلقى فيها يوسف الصديق دروسه أيضًا.
ويقول الشيخ عبدالوهاب النجار فى قصص الأنبياء: لمن قد يندهش من القول بأن «كهنة مصر» هم الذين تولوا تربية وتثقيف وتعليم موسى عليه السلام، أؤكد أن الكهنة كانوا كل شيء لكل شيء وأنهم كانوا مُعلمى القراءة والكتابة والحساب والهيئة والتاريخ والحكمة، وفى يدهم وحدهم كل علوم الثقافة، وكانوا متمكنين فى توحيد الله الحق، ويذكر المؤرخون أن من بين العلوم التى كانت تُدرس فى جامعة أون مادة تُسمى مباديء التوحيد.
إذن فقد كانت مدينة أون "عين شمس"، وجامعتها وكهنتها، وسكانها وجيمع قدماء المصريين فى كل أنحاء مصر فى عصر موسى يدينون بعقيدة التوحيد، تلك هى مصر القديمة، وأولئك هم قدماء المصريين، أول أقدم المؤمنين الموحدين، أما فرعون موسى وآل فرعون فأولئك لم يكونوا من أهل مصر أصلًا ولا علاقة لهم بقدماء المصريين سوى أنهم كانوا محتلين لبلادهم، وهذه حقيقة يجب أن نتذكرها دائمًا وتثبت فى الأذهان كحقيقة تاريخية لا جدال فيها، ولكن التوحيد فى مصر كان أقدم من عصر الهكسوس الذى شمل الأسرات 15، 16، 17، فلنرجع إلى الوراء قليلًا إلى عصر الدولة الوسطى، ولكن في الحلقة المقبلة.