الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأزهر.. منارة ثقافية تضيء العالم الإسلامي في رمضان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقدر مايتوهج حضور الأزهر الشريف في شهر رمضان فإنه يشكل منارة ثقافية تضيء أرض الكنانة والعالم الإسلامي كله.
ونظرة لقائمة المجد المرصعة بأسماء الآباء الثقافيين المصريين تكشف فورا عن أن الكثير منهم انتموا للأزهر الشريف مثل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق ومصطفى عبدالرازق ومحمد متولي الشعراوي وخالد محمد خالد وصولا للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر السادس والأربعين الدكتور أحمد الطيب.
والأحاديث الرمضانية المتلفزة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب تعيد للأذهان أحاديث الرمز الأزهري الحاضر دوما وإمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي التي حظت وتحظى بأعلى معدلات المشاهدة التلفزيونية وخاصة في شهر رمضان.
وابن الأزهر الشريف الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي ولد يوم 15 أبريل 1911 في بلدة دقادوس بمحافظة الدقهلية التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري وهو في الخامسة من عمره وأظهر نبوغا مبكرا في حفظ أبيات الشعر العربي ومأثورات الحكم، فيما حصل على "العالمية وإجازة التدريس من الأزهر عام 1943" وعمل ضمن رحلته الثقافية الإيمانية المديدة كأستاذ جامعي للشريعة والعقائد ووصل لمنصب وكيل الأزهر، كما تولى منصب وزير الأوقاف.
غير أن حضور الشعراوي الذي انتقل للرفيق الأعلى في 17 يونيو 1998 في القلوب والعقول يقترن دوما بتفسيره للقرآن الكريم وإمساكه بناصية اللغة بصورة تعبر عن فيوضات وإشراقات الروح المؤمنة مع قدرات لغوية فذة وبطريقة السهل الممتنع حتى أضحى أشهر من فسر القرآن في العصر الحديث. 
ورغم شهرته التي طبقت الآفاق، اعتبر الأزهري المبدع محمد متولي الشعراوي أن مايقدمه في تفسير القرآن الكريم مجرد خواطر قرآنية طافت بذهنه وهو يرتل كتاب الله، فيما يجمع المقربون منه على أن جلساته الخاصة كانت تشع بالفكر والشعر والإبداع وكان من المعجبين بأمير الشعراء أحمد شوقي وهو ذاته أبدع قصائد كثيرة من بينها قصيدة في مدح عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
والشيخ الشعراوي في تذوقه لجماليات اللغة العربية وتعمقه في فهم أسرارها ومكامن سحرها البديع يعبر عن قدرات ثقافية تمتع بها مثقفون قدمهم الأزهر الشريف للحياة العامة في مصر والعالم العربي مثل المفكر الراحل خالد محمد خالد. 
ومع اقتراب الذكرى الثامنة والتسعين لمولد المفكر خالد محمد خالد الذي ولد يوم 15 يونيو 1920 بقرية "العدوة" في محافظة الشرقية تتوالى طروحات لمثقفين حول هذا المفكر المصري الذي تخرج من كلية الشريعة بجامعة الأزهر.
ويروي خالد محمد خالد في مذكراته التي صدرت بعنوان:"قصتي مع الحياة" أنه أتم حفظ القرآن كله في خمسة أشهر قبل أن يلتحق في سن مبكرة كطالب مبتديء بالأزهر الشريف وظل يدرس فيه على مشايخه الأعلام لمدة 16 عاما حتى تخرج من كلية الشريعة عام 1945 وعمل بالتدريس بعد التخرج ثم انتقل للعمل كمستشار للنشر بوزارة الثقافة.
ومنذ كتابه الأول "من هنا نبدأ" انحاز خالد محمد خالد لقيمتي العدل والحرية، فيما ترك عند رحيله عن الحياة الدنيا يوم 29 فبراير عام 1996 ثروة ثقافية تربو على ال30 كتابا من أشهرها "رجال حول الرسول" و"خلفاء الرسول" و"لقاء مع الرسول" و"لله والحرية" و"معجزة الإسلام" و"كما تحدث القرآن" و"إنسانيات محمد" و"مواطنون لارعايا".
وإلى جانب أصالة الأفكار في كتبه ومقالاته الصحفية تميز خالد محمد خالد بجمال الأسلوب حتى وصفه الناقد المصري الراحل رجاء النقاش "بموسيقار الأفكار"، بينما عمد الكاتب والباحث الأردني الراحل الدكتور شاكر النابلسي في كتابه "ثورة التراث: دراسة في فكر خالد محمد خالد" لتقديم بعض النماذج من كتاباته بالعنوان الدال:"عزف لغوي" ورأى الكاتب الصحفي اللبناني الكبير سمير عطاالله أنه كان صاحب "شخصية عملاقة".
ونوه عطاالله بأن خريج الأزهر خالد محمد خالد "أعطى الصحافة بقدر ما أعطاها عمالقها وأعطى البحث الديني بقدر ما أعطاه ذو العلم الكبير ولم تغير المكانة الاجتماعية التي بلغها أي شيء في حياته فقد ظل يعيش في بساطة العلماء "تاركا للتراث بعض أهم الأعمال الفكرية وأكثرها جاذبية مركزا على الروح المتسامحة للإسلام فكان بحق "مصباحا من مصابيح الإيمان والتنوير معا". 
ويقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إن الثقافة المصرية شهدت في عهدها الذهبي ظهور مجموعة من الرموز التي شكلت العقل المصري بصورة حضارية وفكرية مستنيرة وكان في مقدمة هذه النخبة مفكرنا الجليل خالد محمد خالد وكانت لغته العربية التي أحبها "لغة أدبية ساحرة في رصانتها وجمالياتها وعمق معانيها".
وقائمة المبدعين التي قدمها الأزهر للحياة الثقافية المصرية والعربية ثرية للغاية ومتعددة الأطياف والألوان وتضم شخصيات مثل الأديب سليمان فياض الذي قضي يوم 26 فبراير 2015 عن عمر يناهز 86 عاما وكان صاحب إبداعات وكتابات متنوعة وبالغة الخصوبة على مدى نصف قرن مابين القصة والرواية وسير الأعلام العرب وعلم اللغة والمعاجم وتطور اللغة العربية مستندا في ذلك كله إلى تكوين ثقافي راسخ منذ أيام الصبا في الأزهر الشريف.
والسيرة الذاتية لسليمان فياض بإبداعاتها القصصية والروائية ومشاريعها اللغوية تكشف عن طرف من ظاهرة ثقافية مصرية أصيلة يمكن وصفها "بجدل المعممين والمطربشين" فسليمان فياض طالب العلم في الأزهر الشريف هو ذاته المثقف الطليعي وأحد دعاة الدولة المدنية الديمقراطية في مصر.
ومن هنا فثمة حاجة لتأمل الدور الثقافي للأزهر واستعادة "صفحات جميلة كتبها الأزهر في الحياة الثقافية المصرية" وتجليات هذا الدور في تكوين مثقفين ومبدعين كبار مثل سليمان فياض الذي انتمى بحكم أصوله للشريحة الصغيرة من الطبقة الوسطى. 
فنظرة لكتاب "أيام مجاور" وهو كتاب أقرب لسيرة ذاتية للكاتب سليمان فياض أثناء مرحلة الصبا وتلقي العلم بالأزهر تكشف عن مدى أهمية الدور الثقافي للأزهر في الحياة المصرية وشخصيات ملهمة في هذا المجال مثل الشيخ عبد الرحمن تاج والشيخ أحمد الشرباصي الذي دل تلميذه الصغير في المعهد الأزهري بالزقازيق على مجلات الرسالة والثقافة والهلال وغيرها من المطبوعات التي كانت تثري الثقافة المصرية والعربية.
وهذا الكتاب المشوق حقا يتناول ضمن ماتناوله عبر صفحاته ال259 الصراع داخل المعاهد الأزهرية بين اتجاه تقليدي يركز على الحفظ والاستظهار وآخر يروم الفهم والابتكار وهو الاتجاه الذي دعا له سليمان فياض.
وبعد سنوات وسنوات من انتهاء حياته الدراسية في هذا المعهد الأزهري لم ينس سليمان فياض كتابا درسه في الصف الأول الثانوي وهو كتاب "الأحاديث النووية" ويقول "كان به 40 حديثا بديعا لا أظن حتى اليوم أن هناك أحاديث تضاهي معظمها جمالا وحكمة وقصصا ومحبة للعلم وبناء للضمير الخلقي".
ولئن ذهب ناقد كبير وأكاديمي لامع تقلد من قبل حقيبة وزارة الثقافة وهو الدكتور جابر عصفور في سياق تناوله لما يعرف "بزمن الرواية" إلى أن الرواية فإن الطبقة الوسطى من الأفندية الذين نالوا تعليما مدنيا في المدن فأسسوا فريق المطربشين في زمنهم الصاعد الواعد مقابل زمن المعممين الذين أخذ عالمهم الثقافي يفسح المجال لزمن قادم يحمل مشاعله مطربشو الطبقة الوسطى أبناء المدن الذين نهض بهم وتأسس على أيديهم فن القص فإن سليمان فياض بدأ "معمما في الأزهر وانتهى مطربشا أو أفنديا مندمجا كل الاندماج في الحياة المدنية خارج الإطار الأزهري بقدر مايمكن القول إنه جمع في تكوينه الثقافي مابين الوعي الأزهري والوعي المدني". 
وفيما نال سليمان فياض تعليما أزهريا وأفصح عن نزعة أقرب لليسار في كتاباته وإبداعاته فمن الطريف والدال أن الكاتب اليساري الراحل أحمد عباس صالح تحدث بحنين وإيجابية في سيرته الذاتية المعنونة "عمر في العاصفة" عن فترة من حياته عمل بها كموظف بالأزهر الشريف ممتدحا الدور الثقافي للأزهر وخاصة على صعيد العلاقات مع دول العالم الإسلامي.
ولعل الأصول الجامعة مابين "المجاور الأزهري والمثقف الطليعي" في شخصية وتكوين سليمان فياض ناهيك عن المفكر خالد محمد خالد يمكن ردها إلى نفر من الآباء الثقافيين المصريين كرفاعة الطهطاوي.
فرفاعة الطهطاوي يمكن وصفه في سياق القرن ال 19 بأنه من "الطليعة الأزهرية التي تقدمت بشجاعة لاكتشاف الآخر المتقدم في أوروبا وفتح أبواب الإفادة من ثقافة الغرب وآدابه وعلومه ونظرياته ومذاهبه السياسية القائمة على أن العدل أساس العمران وأن العمران يتقدم بالدساتير التي ترعى الحقوق الإنسانية وخاصة حق المساواة والحق في الإبداع".
وفي الكتابة والتوثيق حول دور الأزهر في الحياة الثقافية المصرية والعربية هناك حاجة لوقفة أمام آباء ثقافيين مروا بالأزهر دون إتمام تعليمهم الأزهري لسبب أو لآخر مثل الصحفي الكبير الشيخ علي يوسف والأديب مصطفى لطفي المنفلوطي أو قرروا مواصلة الحياة الأكاديمية في جامعات مدنية مثل عميد الآدب العربي الدكتور طه حسين.
وكذلك ثمة حاجة لتأمل ذلك التنافس الطريف وغير الخفي بين خريجي الأزهر وخريجي دار العلوم وآثار هذا التنافس في الحياة الثقافية ومايعرف "بالعصبية اللغوية" لأنصار كل فريق وهي عصبية لم تكن تخلو من نواحي فكاهية ومناوشات قلمية. 
وواقع الحال أن التاريخ الثقافي للأزهر والأزهريين واهتمام المصريين بمواقف الأزهر في اللحظات الفارقة أمر يكاد يكشف بجلاء عن حقيقة أن المصريين لايمكن أن يخاصموا هويتهم وينسوا تدينهم بقدر ماهم يرفضون التطرف لأنه يجافي الوسطية التي تعد سمة أصيلة من سمات الحياة المصرية واحتفال المصري بالحياة رغم كل المنغصات وأي كروب.
وتتفق جمهرة المثقفين في مصر على أن تجديد الخطاب الديني يعني التمسك بثوابت الدين مع مواجهة الأفكار الخاطئة والمفاهيم الغلوطة التي أنتجها أشخاص في عصور مختلفة وباتت تشكل إسنادا لجماعات التطرف والإرهاب.
وهكذا يقول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي إن "أركان الدين وأصوله ثابتة لاتتغير ولاتتحول من عصر إلى عصر آخر" وتجديد الخطاب الديني "لايعني إعادة النظر فيما نؤمن به من الأصول والأركان"، موضحا أن "الخطاب الديني ليس كلاما في الدين وإنما كلام في الدنيا من وجهة نظر دينية". 
وفيما يؤكد على "خطأ الفصل التعسفي" بين قضايا الخطاب الديني والثقافة يعيد الشاعر فاروق جويدة للأذهان دور ثلة من المثقفين المصريين في خدمة القضايا الدينية استنارة واجتهادا معددا بعض الأسماء مثل عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد "صاحب العبقريات والدراسات عن شخصيات ورموز إسلامية عظيمة" والتي كانت في جوهرها حوارات في الفكر والتاريخ والقيمة" وكذلك كتابات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والمفكر خالد محمد خالد والأديب عبد الرحمن الشرقاوي، فضلا عن العالم الأزهري والأديب أمين الخولي والدكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطيء".
ويتفق المثقفون على أن الأزهر يرأسه "شيخ جليل واسع الأفق لايكف عن أداء دوره التنويري الذي يؤكد القيم العقلانية للفكر الإسلامي ويمضي في السنة الحميدة التي تواصل فتح أبواب الاجتهاد"، كما يرى المثقفون في الأزهر حصنا أمينا للإسلام الوسطي المستنير.
وكان الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي قد نوه بأن الأزهر مؤسسة علمية عريقة، فيما تولى مشيخته علماء كبار جمعوا مابين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية من أمثال مصطفى المراغي وومصطفى عبد الرازق وأحمد الطيب وظهر فيه مثقفون ثوريون يطالبون بالتجديد ويدافعون عن العقل من أمثال علي عبد الرازق وخالد محمد خالد.
وإذا كان الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أحد المدافعين بقوة عن ضرورة حماية اللغة العربية الفصحى ورعايتها فلا ريب ان الأزهر الشريف بعلمائه الأجلاء وجامعته العريقة ومدارسه المنتشرة في كل مكان يقف في مقدمة المدافعين عن "لغتنا الجميلة". 
والأزهر الشريف الذي احتفل مؤخرا بمرور 1078 عاما هجريا على إنشائه وهي الذكرى التي توافق السابع من رمضان تضمن احتفاله إشارات دالة مثل إقامة ركن خاص في هذا الاحتفال للمواهب الأزهرية الشابة، فضلا عن ركن آخر للأطفال..ولعلنا نحظى بين هذه الوجوه الناشئة والموهوبة في رحاب الأزهر بشخصيات ثقافية تستكمل المسيرة المجيدة لهذا الصرح الديني والعلمي في الحياة الثقافية المصرية والعربية..أنها وجوه ناضرة نستفتح بها في أيام رمضانية كريمة أفاق مستقبل مشرق في أرض الكنانة.