الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من أين نبدأ "17".. حق الملكية في الإسلام يخضع لظروف الزمان والمكان

 العالم الأزهرى الفذ
العالم الأزهرى الفذ الشيخ عبدالمتعال الصعيدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تأليف: عبدالمتعال الصعيدى
الأستاذ بكلية اللغة من كليات الجامع الأزهر

قليلون هم الذين يعرفون أن كتاب «من أين نبدأ؟» لمؤلفه العالم الأزهرى الفذ الشيخ عبدالمتعال الصعيدى «توفى عام 1966»، كان طرفا ثالثًا «فى المعركة التى دارت عام 1950 بين الأستاذ خالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالى، الذى كتب «من هنا نعلم» ردا على كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ». 
أهمية كتاب الصعيدى ليست مجرد أهمية تاريخية هدفها معرفة طرف مجهول فى معركة فكرية شهيرة، بل تكمن أهمية هذا الكتاب بالأساس فى قيمته الفكرية والتجديدية. ولن نكون مبالغين إذا قلنا لو أن الدولة أو مختلف الأنظمة السياسية التى تعاقبت على مصر منذ 1950 وحتى الآن قد تنبهت لأهمية الطرح الذى يقدمه «من أين نبدأ؟» عبر تدريسه للطلاب ونشره فى مختلف وسائل الإعلام، لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من إرهاب وعنف ونشر لأفكار مغلوطة، وهذه مجرد أمثلة لأفكار قال بها عالم أزهرى بارز فى مساجلته مع الغزالى وخالد محمد خالد:

أولا: القانون المصرى متوافق مع الشريعة الإسلامية، إن لم يكن نصًا، فهو متفق بالتأويل، والنص الوحيد الذى كان مناقضًا للشريعة هو قانون إباحة البغاء فى أربعينيات القرن الماضى، وعندما احتج شيوخ أزهريون ضده تم إلغاؤه، ما عدا تلك الدساتير المصرية المختلفة لا تناقض الشريعة.
ثانيا: الخلافة ليست هى النظام الإسلامى الوحيد، فكل حكم عادل هو حكم إسلامى، والدولة العثمانية التى كانت تسمى نفسها خلافة لم تكن تتفق مع مبادئ الإسلام.
ثالثا: جنسية المسلم هى وطنه الذى يعيش فيه، وهناك رابطة قلبية تجمع بينه وبينه المسلمين فى مختلف أنحاء العالم. النقاط السابقة مجرد أمثلة لأفكار تجديدية قدمها وعرضها الصعيدى فى «من أين نبدأ؟» الذى تنشره «البوابة» على حلقات طوال شهر رمضان المبارك.
المنهاج الاقتصادى فى الإسلام
إذا حاولت الرأسمالية أن تتقيد فى الحياة بمنهاج اقتصادى معين، وإذا حاولت الشيوعية أن تتقيد فى الحياة بمنهاج اقتصادى معين، فإن الإسلام لا يمكن أن يقع فيما وقعت فيه الرأسمالية والشيوعية من ذلك الجمود الاقتصادي، لأنه دين أتى صالحًا لكل الشعوب، موافقًا لكل مكان وزمان، ولهذا اكتفى بتحديد منهاجه الدينى فى الاقتصاد، وهو منهاج الزكاة، لأن هذا شأن كل ما يتصل بالدين، ثم ترك لشعوبه حرية التشريع فيما يتعلق بالمناهج الاقتصادية الدنيوية، ليبتكروا فيها على حسب ظروف زمانهم ومكانهم، ولينظروا فى كل ما وضعه الاقتصاديون فى العصر الحديث من المذاهب الاقتصادية فيختاروا منها أوفقها لهم، وأنسبها لأحوالهم، وهذه هى المرونة التى يمتاز بها الإسلام على غيره من كل تشريع دينى أو وضعي، وهى المرونة التى يجب أن نحتفظ بها له، ليضم إليه أصحاب المناهج الاقتصادية، فبدل أن يقف منهم من غير داع موقف المنابذ المخاصم، ويخاصمهم فى أمور دنيوية لا يصح أن يخاصمهم فيها، لأنه ترك تنظيمها للناس على حسب ما تقتضيه مصالحهم، فإذا زجَّ به أهله فى مخاصمة هذه المذاهب أساءوا إليه وهم لا يدرون، كما يسيء الصديق الجاهل إلى صديقه، ويكون العدو العاقل خيرًا منه له، وقديما قال الأُوَل: عدو عاقل خير من صديق جاهل.
هذا وإن أخطر شيء فى المنهج الاقتصادى هو حق الملكية، وقد سبق أن الاجتهاد الإسلامى يصل فى جانب التضييق فيه إلى حد إنكار أبى ذَرِّ حق التملك لِماَ زاد عن قوت يوم وليلة، وإلى حد إنكاره حق ادخار شيء فى بيت المال، لأنه حق المسلمين جميعًا، فيجب أن يصرف عليهم أولاً فأولاً، وليس للولاة حق التصرف فيه لأنفسهم أو لغيرهم على وفق شهواتهم، ويصل فى جانب التوسع إلى حد إطلاقه إلى ما لا نهاية له فى الثراء، بعد أداء حق الزكاة فيه، وحق الضرائب الأخرى التى تقتضيها مصلحة الرعية، وإذا كان فى الصحابة مثل أبى ذر الغفارى ممن يرى أن يعيش الناس جميعًا فى فقر، ليتساووا جميعًا فيه، لأنه لا يمكن مساواتهم فى الغني، فإنه كان من الصحابة من يخالف هذا الفريق فى إيثار عيشة الفقر، وكان يمضى فى أسباب الغنى الحلال إلى أن يكون مثل أصحاب الملايين فى عصرنا، ولكنهم لم يبخلوا بها على الفقراء والمصالح العامة مثلهم، وقد كان من هذا الفريق كثير من كبار الصحابة، مثل عبدالرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وقد هاجر عبدالرحمن بن عوف إلى المدينة وهو لا يملك شيئًا، فآخى النبى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع من أهل المدينة، فقال له سعد: إن لى مالاً فهو بينى وبينك شطران، ولى امرأتان فانظر أيهما أحببت حتى أخليها لك. فقال له عبدالرحمن لا حاجة لى فى أهلك ومالك، بارك الله لك فيهما، دلنى على السوق. فدله سعد على السوق، فتاجر فيه حتى أثرى إثراءً عظيمًا، وكان يبذل منه فى الجهاد والصدقة ما يدل على مقدار عظمته، فقد بذل فى غزوة تبوك مائة أوقية من الذهب، وكانت فى وقت ضيق وعسر، وتصدق مرة على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله، فبلغ أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس وخمسمائة راحلة فى سبيل الله تعالي، وقدم له يومًا سبعمائة بعير تحمل الْبُرَّ والدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهلها رجة، فتصدق بها وبما تحمله فى سبيل الله، وقد أوصى بخمسين ألف دينار فى سبيل الله بعد موته، ولمن يبقى ممن شهد بدرًا لكل رجل أربعمائة دينار، فكانوا مائة رجل، ومع هذا ترك من الذهب ما قطع فى القسمة بين ورثته بالفؤوس، حتى مجلت منه أيدى الرجال، وكان له أربع نسوة صولحت واحدة منهن على ثمانين ألفًا.

وقد تصرف الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم فى بعض الملكيات تصرفًا يدل على أن حق الملكية يخضع لكل تصرف تقتضيه ظروف الزمان والمكان، ومن هذا ما سبق من قول عمر رضى الله عنه: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فرددتها على الفقراء.
وكان النبى -صلى الله عليه وسلم- أقطع العقيق بلال بن الحارث، فحجره عن الناس ولم يعمل فيه شيئًا، فانتزعه عمر منه وأقطعه الناس، ولم يبتدع عمر هذا التصرف فى حق الملكية، وإنما كان يفهم الإسلام على أنه دين يبغى المصلحة للناس، ولهذا كان من قواعده أنه لا ضرر ولا ضرار، وحق الملكية لا يعدو أمره أن يكون من المباحات، فيجب أن يخضع لهذه القاعدة، وأن يكون لولى الأمر حق التصرف فيه بما يحقق المصلحة ويزيل الضرر، وقد جاء الإسلام بإباحة إجارة الأرض، ومع هذا روى عن جابر بن عبدالله أنه قال: كان لرجال منا فضول أرضين، فقالوا: نؤجرها بالثلث أو الربع أو النصف. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كانت له أرض - أى واسعة - فليزرعها أو يمنحها أخاه، ولا يؤاجرها إياه ولا يكريها. فهؤلاء الرجال كانت لهم ثروة واسعة، وكانت لهم فضول من هذه الثروة يهملونها ولا يزرعونها، فرأوا أن يؤجروها لغيرهم ليزرعها بالشرط السابق، ولكن النبى - صلى الله عليه وسلم - رأى أن يأخذهم بأمر يؤدى إلى انتزاعها منهم لمن هو أحق بها، لأنها من فضول ثروتهم، فهم فى غير حاجة إليها، فخيرهم بين أن يزرعوها بأنفسهم، أو يتركوها لمن يقدر على زرعها، قضاء لحق العدالة فى توزيع الثروة، ولحق المجموع فى استثمار كل الأرض القابلة للزراعة، وقد كانوا بحيث لا يقدرون على زرعها بأنفسهم لاتساع ثروتهم، فيكون مآل هذا التخيير أن يتركوها لغيرهم. ومن هذا ما روى عن ابن عباس أن النبى -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى أرض وهى تهتز زرعًا، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: أكتراها فلان من فلان. فقال: لو منحها إياه كان خيرًا من أن يأخذ عليها أجرًا معلومًا.
فهذه الأرض كانت متروكة عند مالكها، فكان لا يزرعها لاتساع ثروته، فأجرها لشخص آخر جعلها تهتز زرعًا، فرأى النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه أحق بملكها من هذا الذى يتركها من غير زرع لأنها من فضول ثروته، لأن ملكه لها يجعله أكثر اهتمامًا بها.
وقد أتى الإسلام فى نظام الوقف الخيرى والأهلى بما يشبه احتكار الدولة للأرض فى الاقتصاد الشيوعي، ولكنه لم يسرف مثله فى حبس كل الأرض، فالوقف ليس إلا حبسًا لأصل الأرض بحيث لا يمسها تصرف ما، وتوزع على المستحقين فيأخذ كل واحد من ثمارها ما يستحقه، وقد توسع الاقتصاد الشيوعى فى تطبيق هذا النظام وتنفيذه، فحبس الأرض عامة على أهل الدولة، بحيث لا يمسها بيع ولا إرث، وصار لكل واحد من أهل الدولة حق فيها على قدر حاجته، أو على قدر ما يؤديه من عمل، وهذا إسراف منه كما سبق.
وقد عرفت بعض الدول الإسلامية قبل ظهور الشيوعية هذا الاحتكار للأرض، فلم يكن الشعب يملك شيئًا منها، وإنما كانت الأرض كلها ملكًا للسلطان القائم، يتصرف فيها كيف يشاء، ويؤجرها للملتزمين أو الفلاحين على ما يراه من الْجُعْل، فكانوا يشتغلون فيها كما يشتغل العبيد، لا يصيبهم منها إلا اللقمة أو السترة، والنظام الشيوعى يشبه هذا وإن كان لا يقسم أهل الدولة إلى سادة وعبيد، بل يجعل كل واحد من أهلها سيد نفسه، ويعطيه من غلة الأرض كفايته، لأن موظفى الحكومة فيه لهم سلطة أولئك السادة، ويمكن أن يدخل فى احتكار الدولة للأرض ما جاء فى قصة يوسف عليه السلام فى القرآن الكريم، إذ احتكر فى مصر غلة الأرض فى سبع سنِى الجدب، ليوزعها على الناس بالعدل، ويعطى الضعفاء حقوقهم كالأقوياء، ولا شك أن خوف اعتداء الأقوياء على الضعفاء قد يحصل فى بعض الأزمان، وفى غير أوقات الجدب، فيكون من حق الدولة أن تحتكر الأرض عند هذا الاعتداء، لتمنع اعتداء الأقوياء على الضعفاء، وتوزع غلتها بين الناس بالعدل.
وهذا كله يجعل المنهاج الاقتصادى فى الإسلام يتسع لاجتهاد علماء الاقتصاد على اختلاف مذاهبهم، وإنها لمفخرة من مفاخر الإسلام، لا توجد فى المنهاج الاقتصادى الرأسمالي، ولا فى المنهاج الاقتصادى الشيوعي.

روسيا والشيوعية
ويجب علينا نحن المسلمين أن ننظر إلى روسيا على حقيقتها، وأن يفرق من يتأثر منا بشيوعيتها بينها وبين مذهبها الشيوعي، لقد كانت روسيا قبل الشيوعية يحكمها آل رومانوف حكمًا استبداديًا ظالمًا، وكانت بجوارها دول إسلامية فى بلاد التركستان والقِرْم وما إليها من البلاد الإسلامية، فأقامت عليها حروبًا ظالمة حتى أسقطتها وضمتها إلى بلادها، وقضت على كل أثر للاستقلال فيها، فدخلت بهذا فى حكم المستعمرات التى انتزعتها الدول الأوروبية من البلاد الإسلامية وغيرها فى القرون الأخيرة، فلما ظهرت الشيوعية فى روسيا أنصفت أهلها من حكم آل رومانوف، وقضت على ما كانوا ينوءون به من استبداد وظلم، ولكنها لم تنصف تلك المستعمرات التى ضمت إلى روسيا على الرغم من أهلها، وكان العدل يقضى على دعاة الحرية الشيوعيين أن يمنحوها لأهل تلك المستعمرات، حتى لا يكون هناك استعمار روسى أو شيوعي، وحتى إذا قال الشيوعيون عن إنجلترا وفرنسا وأمريكا وسائر الدول الأوروبية الغربية أنها دول استعمارية - يذمونها باستعمار الشعوب الضعيفة وسلبها حريتها - كان ذلك منهم قولاً مقبولاً، وكان له أثره فى نفوس الشعوب الضعيفة التى يريدون إثارتها به على تلك الدول، ولكن هؤلاء الشيوعيين الروسيين مضوا مع أهل تلك المستعمرات كما مضت حكومة آل رومانوف قبلهم، فأبقوهم تابعين للحكم الروسى رغم أنوفهم، وفرضوا عليهم مذهبهم الشيوعى كما فرضوه على غيرهم، فكانت دولتهم استعمارية كدول أوروبا الاستعمارية، وكانت سياستهم ملتوية كسياسة هذه الدول، وقد ظهر التواء سياستهم فى قضية فلسطين، إذ وقفوا كثيرًا مع هذه الدول فى صف اليهود، ولم يقفوا فى صف العرب المعتدى عليهم فى بلادهم، ولم يكن لهم مصلحة استعمارية فى هذا الموقف، وإنما كانت المصلحة الاستعمارية لهذه الدول الاستعمارية، لأنها تستعمر بلاد العرب رغم أنوفهم، وتستولى على خيراتها بطرق السلب والنهب، وقد تنبه أهلها لمساوئ هذا الحكم الاستعماري، وأخذوا يعملون على التخلص منه بكل الوسائل، فرأت هذه الدول الاستعمارية أن تقتطع فلسطين لليهود من الوطن العربي، ليكون شوكة فى جنب العرب، ولتستعين بهم هذه الدول الاستعمارية على العرب إذا ثاروا عليها، وعلى روسيا أيضًا إذا أرادت محاربتها، وكان على روسيا أن تفهم هذه الحقيقة، وأن تقف فى صف المظلوم المسلوب الحرية إذا كانت حقيقة من أنصارها، لنكسب عطف العوب الضعيفة، ولتتفق سياستها ومذهبها الشيوعى الذى تدعى أنه قام لإنصاف العامل الضعيف من الرأسمالى القوي، ولكن كيف تعرف سياسة الإنصاف وهى تحكم شعوبًا ضعيفة أيضًا رغم أنوفها، وتستعمرها كما تستعمر هذه الدول الأوروبية من ابتلى باستعمارها، وقد يكون استعمارها أخف وطأة من استعمار هذه الدول، ولكنه استعمار على كل حال، وسلب للحرية كسائر أنواع الاستعمار.
ولكن سياسة روسيا شيء ومذهبها الشيوعى شيء آخر، وقد بحثنا مذهبها الشيوعى فيما سبق بحثًا مستوفى، أما سياستها فهى سياسة مكيافيلية كسياسة هذه الدول، لا تبغى من ورائها إلا مصلحتها، ولا تقصد منها إلا أن تضم إليها شعوبًا تستخدمها فى حرب الدول الرأسمالية لمصلحتها، لا لتخلص هذه الشعوب من استعمار هذه الدول، وإنما هو استعمار يذهب واستعمار يأتي، وحكم أجنبى ينسخه حكم أجنبى آخر، فلا مصلحة لهذه الشعوب ترجى عند الدول الرأسمالية، ولا مصلحة لها ترجى عند الدول الشيوعية، ولا أنسب لها من أن تراعى مصلحتها وحدها بين الكتلتين المتنافستين على استعمار الشعوب الضعيفة، وعلى الشعوب الإسلامية أن تعمل على إصلاح شأنها، وعلى تطهير دينها من الأوساخ التى لصقت به، لتعود إليه طهارته الأولي، ويوميئذ لا يقف أمامه رأسمالية ولا شيوعية، لأنه الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والدين الذى كفل للناس سعادة الدنيا والآخرة.

الخلاصة
ويمكن تلخيص هذا البحث على طوله فيما يأتي:
١- إذا ثبت أن الشيوعية نظام صالح للبشرية كلها فإن الإسلام لا يأباها، لأنه يراعى المصلحة فى تشريعه، وقد سبق أنه لا يمكن إثبات هذا فى الشيوعية.
٢- يجب أن ينظر فى الشيوعية على أنها مذهب اقتصادى فقط، ولا يصح أن نؤاخذها بما يضيقه إليها بعض أصحابها من معادة الأديان، ولا بما يتخذونه فى الدعوة إليها من مبدأ العنف، لأن كلا منهما لا يدخل فى صميم دعوتها، ويجب أن يحسب على أصحابها لا عليها.
٣- يقوم الاقتصاد الرأسمالى على ثلاثة أصول: أولها المصلحة الشخصية، وهى الهدف، وثانيها المزاحمة، وهى الوسيلة. وثالثها الحرية، وهى الشرط. وقد أدى هذا إلى قيام نظام الطبقات، وانتشار الأزمات الاقتصادية، وتحكم رؤوس الأموال فى طبقات العمال، وانتشار الفقر والفاقة بين الجمهور.
٤- يقوم الاقتصاد الشيوعى على ثلاثة أصول: أولها محو الملكية الفردية محوًا تامًا، وثانيها توزيع السلع الاستهلاكية على كل فرد بحسب حاجته، وثالثها المنهاج الاقتصادي، وهو يقوم على أساس ضبط الإنتاج وتوجيهه على حسب حاجة المجموع.
٥- يقوم الاقتصاد الاشتراكى الذى دعا إليه كارل ماركس على ثلاثة أصول: أولها الاحتفاظ للحكومة بإدارة الصناعات الكبيرة والتجارة الخارجية والمصارف والتجارة الداخلية الكبيرة والمشروعات العامة، وترك الصناعات الصغيرة والتجارة الوسطى والصغيرة للأفراد. ثانيها توزيع السلع الاستهلاكية لكل حسب ما يؤديه من عمل للدولة، ومن لا عمل له فلا حق له فى أن يأكل. وثالثها تخفيف المنهاج الاقتصادى إلى حد الطاقة، وقد أخذ الشيوعيون أخيرًا بهذا الاقتصاد الاشتراكي، وجعلوه معبرًا إلى الاقتصاد الشيوعي، ليأخذوا الناس إليه بالتدريج، لأنهم لم ينسوا ما ألفوه فى الاقتصاد الرأسمالي.
٦- يرى جمهور الباحثين أن للإسلام اقتصادًا يقابل الاقتصاد الرأسمالى والاقتصاد الشيوعى والاقتصاد الاشتراكي، ويميزونه بأمور كثيرة: منها أنه يقوم على قاعدة خُلقية هى عدم افساح المجال لمظلمة من المظالم، بحيث يسود نظام التكافؤ فى المغرم والمغنم بين المتعاملين، سواء أكانوا عمالا أم رأسماليين، إلى غير هذا مما ميزوه به.
٧- رأيى أن الاقتصاد الإسلامى يجب أن يكون فيه مجال للاجتهاد، فلا يحصر فى نظام خاص يقابل الاقتصاد الرأسمالى والاقتصاد الشيوعى والاقتصاد الاشتراكي، بل يكون له كيان مطلق يجعله اقتصادًا مرنًا، يدخل فيه كل اقتصاد يثبت أنه نافع، ولا يجمد على وضع معين كما يجمد الاقتصاد الرأسمالى والاقتصاد الشيوعى والاقتصاد الاشتراكي.
٨- مراعاة المبدأ الخلقى لمصلحة المجموع موجودة فى كل اقتصاد، وإن كانت تختلف كما يختلف كل ما يقبل الاجتهاد، فلا يصح أن تحصر فى الاقتصاد الإسلامى وحده، نعم إن الاقتصاد الإسلامى يمتاز بمبدأ الثواب والعقاب، ولكن هذا المبدأ لا يجعل الخلاف ذاتيًا بينه وبين غيره من أنواع الاقتصاد.
٩- يوجد فى حق الملكية فى الإسلام خلاف كالذى يوجد الآن فيه بين الرأسمالية والشيوعية، فرأى أبى ذر الغفارى تقييد حق الملكية بما يقرب من تقييدها فى المذهب الشيوعي، ورأى غيره إطلاقها بعد أداء حق الله فيها، وهذا الخلاف يجعل المسألة اجتهادية، وقد يكون رأى أبى ذر خطأ، ولكنه يجب أن ينظر إليه كما ينظر إلى رأى غيره من المجتهدين، بقطع النظر عن كونه خطًأ أو صوابًا، وأن يشمله ما جاء فى خلاف المجتهدين من أنه رحمة.
١٠- يجب أن يتفق كل نظام اقتصادى فى مراعاة القدر الضرورى من المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، ثم يترك ما عدا هذا لاجتهاد علماء الاقتصاد، ليراعى فيه ظروف الزمان والمكان لكل شعب من الشعوب، وقد راعى الإسلام القدر الضرورى من المصلحة العامة بفريضة الزكاة، وهى ضريبة دينية لا تمنع من أن يفرض غيرها من الضرائب الدنيوية عند اقتضاء المصلحة العامة لها، ولا من أن يستعان معها بكل نظام اقتصادى دنيوى يثبت صلاحه بالنظر الصحيح، لأنه تشريع دنيوى لا يتقيد بما يتقيد به التشريع الديني.
١١- يجب أن ينظر الإسلام إلى أصل المزاحمة الاقتصادية على أنها نظام دنيوي، فيترك لكل شعب حريته فيما يصلح له منها، ولا يصح أن يتحكم فيها شعب على آخر، وكذلك شأن الحرية الاقتصادية.
١٢- يجب أن يكون المنهاج الاقتصادى الإسلامى فيما عدا الزكاة مطلقا، فلا يتقيد بما يتقيد به الاقتصاد الرأسمالي، ولا يتقيد بما يتقيد به الاقتصاد الشيوعي، ليكون منهاجًا مرنًا يصلح لكل الشعوب، ويوافق كل زمان ومكان، وقد ذهب فيه الصحابة مذاهب مختلفة فى جانب التقييد والإطلاق، واجتهدوا فيه على حسب ظروف زمانهم، فلننتفع باجتهادهم فيه على اختلافه فى جانب الإطلاق والتقييد، ولنضف إليه ما يمكننا إضافته على حسب ما يقتضيه زماننا، وعلى وفق ما جد فيه من المذاهب الاقتصادية الصالحة.
١٣- يجب علينا معشر المسلمين أن نفرق بين روسيا ومذهبها الشيوعي، وأن نعرف أنها تحكم شعوبًا إسلامية رغم أنوفهم، فلا فرق فى هذا بينها وبين الدول الأوروبية الاستعمارية فى غرب أوروبا وأمريكا، وقد يكون استعمارها أخف وطأة من استعمار هذه الدول، ولكنه استعمار على كل حال، وحكم أجنبى كحكم هذه الدول، فلنقف فى النزاع القائم بين روسيا وهذه الدول موقفًا نراعى فيه مصلحتنا وحدها، ولنعرف أنه ليس نزاعًا على الرأسمالية والشيوعية، وإنما هو نزاع على النفوذ والسلطان فى الشعوب الضعيفة، وليته كان نزاعًا على إرادة الخير لهذه الشعوب، ولو كان كذلك لوقفنا فى صف من يريد لنا الخير، ولكنا لا نرى من الفريقين إلا سياسة مكيافيلية ملتوية، فلنكن من سياسة كل منهما على حذر، ولنعمل على ما فيه الخير لنا ولغيرنا من شعوب الأرض، ولاسيما الشعوب الضعيفة التى بُليت بما بُلينا به من ذلك الاستعمار الأوروبى الجشع، حتى يتمتع كل شعب فى الأرض بحقه فى الحرية، ولا يكون ذيلاً لدولة رأسمالية أو شيوعية، وبهذا يكون لنا موقف أنبل من موقف تلك الدول المعتدية على حرية هذه الشعوب، ونسعد بهذا فى دنيانا وأخرانا؟