رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرية أو الإرادة الإنسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشكلة الحرية الإنسانية، بوجه عام، من المشكلات التى خلَّفت وراءها تراثًا طويلًا، وعُولجت بإسهاب خلال تاريخ الفكر الإنسانى. فقد ظهرت هذه المشكلة فى عدة صور متباينة (عبر المراحل المختلفة التى مر بها التطور العقلى للإنسان) فكانت فى صورتها البدائية البسيطة مشكلة لاهوتية تتعلق بكيفية التوفيق بين وجود إله قادر على كل شىء، عالم بعلم سابق، وبين حرية الإنسان المسئول أخلاقيًا. أى هى إمكان التوفيق بين حرية الإنسان وإرادة الله. وكانت فى المرحلة الثانية، من التطور العقلى للإنسان، مشكلة ميتافيزيقية بصفة خاصة، تبحث فى كيفية العلاقة بين الحرية الأخلاقية، وبين الفكرة السببية وصرامة القانون وشموله. وأصبحت فى العصور الحديثة، بعد أن سلم العلم بنظرية التطور، مشكلة الحياة نفسها، أى العملية المنتظمة التى تتحكم فى أشكال الحياة ذاتها. وارتبطت المسألة بهذا التساؤل: هل الحياة هى حصيلة لعدة عوامل من الممكن حسابها رياضيًا والتنبؤ بها بدقة؟ أم أنها حدث جديد فى مجرى التطور؟ وبمعنى آخر: هل سلوك الإنسان ليس إلا نتيجة ضرورية للظروف المحيطة به؟ أم أن سلوكه المرتبط بالحاضر حدثٌ جديدٌ لا يمكن حسابه؟.
على أن «الحرية» التى نود أن نبحثها هنا هى «الحرية السيكولوجية»، التى شغلت، فى مذاهب الفلاسفة، مكانًا لا يستهان به، فنجدها أحيانًا مرتبطة بالحرية الأخلاقية، كما هو الشأن فى فلسفة «ديكارت»، ونجدها أحيانًا أخرى بعيدة عنها، كما هو الحال عند «اسبينوزا»، الذى ينكر «الحرية السيكولوجية» ولكنه يضع «الحرية الأخلاقية» فوق كل شىء. أما «ليبنتز»، فقد ارتبطت الحرية عنده بنوع من الحتمية السيكولوجية التى ترى أن الإرادة مشروطة بالبواعث أو الدوافع، وهذه الدوافع هى التى تدفعنا إلى الفعل؛ ومن ثمَّ يتمثل وجود الحرية فى اللحظة التى نعمل فيها وفقًا للدوافع؛ وعلى حد قول «ليبنتز»: «لا شك أن الدوافع التى تحفزنى إلى العمل هى دوافعى أنا، وحينما أعمل وفقًا لها فإنما أنصت لصوت نفسى وأعمل ما تمليه علىّ إرادتى».
والحق أن «ديكارت» هو أول فيلسوف بين الفلاسفة المحدثين، الذى عنى بتحديد معنى «الحرية»، حيث نجد عنده –لأول مرة فى تاريخ الفلسفة– دراسة ميتافيزيقية حقيقية لهذه المشكلة، فالحرية كما يقول: «إنما تقوم على استطاعتنا أن نفعل الشىء أو لا نفعله، وأن نثبته أو ننفيه، وأن نقدم عليه أو نحجم عنه. وبعبارة أدق لكى نثبت أو ننفى الأشياء التى يعرضها الذهن علينا، ولكى نُقْدِم عليها أو نحجم عنها، إنما نتصرف بمحض إرادتنا دون أن نحس ضغطًا من الخارج يملى علينا ذلك التصرف». ولكن هذه القدرة أو الاستطاعة –كما رأى «ديكارت»– بعيدة كل البعد عن أن تكون مجرد حالة استواء أو عدم اكتراث Indifference، ولذلك يمضى فيقول: «ولهذا أرى أن «عدم المبالاة» أو «استواء الطرفين» –الذى أشعر به حين لا يدفعنى سبب من الأسباب إلى ترجيح جانب على آخر– هو أدنى مراتب الحرية، وفيه دلالة على عيب فى المعرفة أكثر مما فيه من دلالة على كمال فى الإرادة».