الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صفحات من تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية.. الجيولوجيا والمنهج العلمي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما نحاول تقديمه في هذه الصفحة من تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، يخالف كثيرا من الثابت والمستقر لدى بعض الباحثين خصوصا الغربيين من أن العرب لم يعرفوا المنهج العلمي وتفكيرهم ركن الى التفكير الغيبي وهذا ما يغاير الحقيقة تماما وهناك أمثلة متعددة في الفكر العربي العلمي كان لها السبق في التأسيس لمنهج علمي قائم على التجربة والملاحظة وغيرها من أدوات البحث العلمي.
الذي يؤكد ما ننطلق منه اهتمام العرب بعلم الجيولوجيا أو كما كانوا يطلقون عليه علم الأرض، وقد ارتبطت الجيولوجا العربية بغيرها من العلوم التي ساهمت في تدعيمها ونموها حتى يخيل للباحث أن الجيولوجيا العربية ما هي إلا نسيج محكم من دراسات لعدد من العلوم الأخرى.
وأول هذه الارتباطات وضوحا تتمثل في العلاقة بين الجيولوجيا والميتورولوجيا أو كما كان يسميها العرب (الأثار العلوية)، وقد كانتا وثيقتي الصلة منذ قديم الزمن وكتاب ابن سينا في (المعادن والآثار العلوية)، خير دليل على ذلك، وفي موسوعة (نهاية الأرب) للنويري، خصص الفن الأول في (السماء والآثار العلوية، والأرض والمعالم السفلية)، ثم نجد بعد ذلك ارتباطات واسعة المدى بين الجغرافيا (أو علم تقويم البلدان) والجيولوجيا وعلى وجه الخصوص الجيولوجيا الطبيعية، فالبحار والأنهار والجزر وغيرها من الظواهر تمثل مواضيع مشتركة بين العلمين، وإن اختلفت أحيانا نظرة كل منهما إليها. وخير مثال على ذلك كتاب (مروج الذهب) للمسعودي، فهو يحتوي على مناقشات جيولوجية بجانب معالجته الجغرافية لكثير من المواضيع. وقد اهتم العرب على وجه الخصوص بالبحار ودراستها والملاحة فيها وكذلك كانت هناك روابط بين علم الأرصاد وبعض المواضيع التي تهتم بها الجيولوجيا.
والمباحث الأولى لهذا العلم كانت أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين وأخذ هذا العلم ينمو ويزدهر إلى ان وصل عصره الذهبي في الفترة ما بين منتصف القرن الرابع والقرن الخامس الهجريين، وقد ساهم كل من المسعودي وابن سينا والبيروني، باضافات علمية فعالة في الفكر العربي الجيولوجي، وواصل الفكر العربي نموه حتى أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع الهجريين، هذا ما يؤكد ان التفكير العلمي العربي لم يكن ليختلف كثيرا عن المنهج العلمي الحديث، بل انه في كثير من الأحيان يعتبر المؤسس لهذا المنهج العلمي الحديث.
قد تبدو هذه النتيجة مفاجئة أو على عكس ما يتوقعه البعض، فقد اعتاد كثير من الكتاب والباحثين وخاصة الغربيين، أن يرموا الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر غيبي ينقصه الالتزام بالمنهج العلمي، ونسبوا المنهج العلمي الحقيقي إلى فرنسيس بيكون وديكارت في القرن السابع عشر الميلادي وجون ستيوارت ميل في القرن التاسع عشر، غير أن الدراسات الدقيقة تثبت أن العرب قد سبقوا هؤلاء جميعا وغيرهم إلى المنهج العلم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا كان منهج ديكارت العلمي يعتمد على عناصر أربعة، هي: الوضوح، والتحليل، والتدرج، والإعادة (الاحصاء)، فان منطق ابن الهيثم في أصول البحث العلمي لا يكاد يختلف عنه رغما عن وجود فارق زمني بينهما يصل الى ستة قرون.