الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب إسطفانوس راثيا الكهنة الثلاثة: موتكم أفزعنا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في وسط الام الفراق التي يعيشها الاقباط الكاثوليك في مصر علي اثر فقدان ثلاثة من كهنتهم في حادث سيارة.كتب الاب اسطفانوس دانيال جرجس الكاهن بايبراشية طهطا بسوهاج وهي نفس الايبراشية التى كان يخدم بها الكهنة الراحلون رئاء وتعزية كما رصد جهاد وخدمة الاباء فقال
لنا تعزية كبيرة... وصبرًا كاملًا... ورجاءً ثابتًا...وإيمانًا ويقظةً... وشفعاء لنا
«أَمَّا نُفوسُ الأَبْرارِ فهي بِيَدِ الله فلا يَمَسَّها أَيّ عَذاب» (حكمة3: 1)
لقد تنيّح الآباء الأفاضل لوقا نجيب، متى عابدين، ميخائيل رزق الله، وكان موتهم لدي الجميع صاعقة تصدعت لدويها القلوب وتفتت لهولها الأكباد.
كانوا يسيرون معًا في أوّل النهار في إشراقٍ وبهاءٍ كأنّهم الكواكب اللامعة وفي انتهائهم كانوا في أفول وخسوف. فبموتهم فقدت كنيستنا أعظم سند لها. نعم بموتهم سقط ركنها المتين وهوي كواكبها المنيرة وانطفأت أنوارهم الساطعة وذوي مجدهم الباهر وكيف لا.
فإنّهم كانوا إذا اعتلوا المنابر صاروا خطباء عظماء، وإذا صعدوا المذابح صاروا رجال الله الأتقياء والأطهار، وإذا جلسوا على منصة القضاء الرّوحي صار عنوانها العدل ومثال النزاهة.
انظروا الآن كيف هؤلاء الآباء يخصصون أغلب أوقاتهم ولقاء المواعظ الشائقة تثقيفًا للعقول وتهذيبًا للنفوس، كم وقاموا بالرياضات الرّوحية تذكيرًا للمؤمنين بأمر خلاصهم وإرجاعًا بهم إلى ربّهم.
انظروا إليهم كيف كانوا يؤدون خدمة الأسرار المقدّسة كانوا يؤدونها بكلّ بأمانة فقبل أن تطلع الشمس كنتم تجدونهم في المحراب في بيت الله لتقدمة الذبيحة الإلهية عاملين بقول الوحيّ الإلهيّ: «حتَّى يُعلَمَ أنّه يَجِبُ أَن نَسبِقَ الشَمسَ إِلى حَمدِكَ وأَن نَلتَقِيَ بِك عِندَ شُروقِ النور» (حك16: 28).
وإذ طلب من أحدهم أي خدمة سرّ كنسيّ تجده كان أسرع من البرق في إجابة الطلب.
ذهبوا سويًّا ليشاركوا قداس السيامة الأسقفيّة للأنبا توماس عدلي المدبر الرسوليّ لأبرشية الجيزة، وبني سويف والفيوم، وكأنّهم ذهبوا ليشاركوا آخر ذبيحة إلهيّة تقام بينهم، ذهبوا أيضًا ليودعوا رأس الكنيسة غبطة أبينا البطريرك وأعضاء السينودس البطريركيّ وكل الجسد الكهنوتيّ الحاضر لهذا القدّاس الطاهر.
في مساء يوم الجمعة الموافق 25 من شهر مايو لسنة 2018م أخذ ينتشر كالبرق خبر الحادث الغشيم الذي ذهب ضحيته هؤلاء الكهنة وذلك بسبب انتشار السوشيال ميديا بين أيدينا، وكأنّهم يقولون مع ألعازر وهو من كبار علماء الشريعة: «وأَبقَيتُ لِلشُّبَّانِ قدوَةَ بُطولَةٍ بِميتَةٍ حَسَنةٍ طَوعِيَّةٍ وسَخِيَّةٍ» (2مك6: 28)، وأيضًا قالوا مع يشوع ابن سيراخ: «لا تَخْشَ قَضاءَ المَوت واذكُرِ الَّذينَ قَبلَكَ والَّذينَ بَعدَكَ. هذا هو القَضاءُ الَّذي قَضاه الرَّبّ على كَلِّ ذي جَسَد فلِماذا ترفُضُ ما هو مَرْضاةُ العَلِيّ؟ سَواءٌ أَعِشتَ عَشرَ سِنينَ أَم مِئَةً أَم أَلْفًا فلَيسَ في مَثْوى الأَمْواتِ تَوبيخ على العُمْر»(سيراخ41: 3و 4)
شاءت العناية الإلهيّة وسمحت إرادة الله القديرة أن يحدث هذا الحدث والكنيسة تستعد لعيد حلول الرّوح القدس وكأنّ الله ضابط الكلّ سمح بذلك في هذا التوقيت حتى أن الرّوح القدس الذي يُرسله يسوع المسيح كما قال لتلاميذه قاله لنا في يوم الأحد: «ولكِنَ المُعزِّي، وهوَ الرُّوحُ القُدُسُ» (يو14: 26).
وأيضًا سبّحت الكنيسة بعد قراءة الإبركسيس في القطعة الرابعة من قطع الساعة الثالثة التي تُصلّي في عيد العنصرة: «أيّها الملك السماوي المعزّي...».
فالرّوح القدس هو عربون تعزية ومنبع تعزية للجميع، لقد اتحد الجسد الكهنوتيّ بأكمله يوم الأحد وكانت نيته رفع الذبائح الإلهيّة من أجل راحة الذين تنيحوا في الكهنوت المقدّس الأبوان متى وميخائيل ومن أجل شفاء الأب لوقا...ولكن كانت إرادة الله هي أن ينضم إليهم وكأنّ ينطبق عليه كلام الوحي الإلهيّ: «ولَقَد صَبَرَ إِخوَتُنا على أَلَمِ ساعةٍ، سَعْيًا لِحَياةٍ لا تَزول، وسَقَطوا في سَبيلِ عَهدِ الله» (2مك7: 36).
في كلّ مرّة نواجهُ موت الآخرين نجدُ أنفسُنا في مواجهة موتنِا الخاصّ، نتساءلُ عندها عن معنى وجودنا. عبّر آباء المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور "الكنيسة في العالم المعاصر"، رقم12: «سرّ الموت: إن لغز الوضع البشري يبلغ الذروة أمام الموت» فالموت هو لغز أمام البشرية كلّها.
المدهش ظهر Profile (البروفايل) لأصحابه علامات الحداد والحزن والدموع وكل ما يخص ذلك... أنا شخصيًّا أرفض ذلك وأعتبره ضد إيماننا المسيحي.... وكأنّهم ليس لهم تعزية... أو أنهم معترضين على إرادة الله... وكأنّهم معترضين على كلام الكتاب المقدّس...
عاش يسوع موته كما عاش كلّ حياته. أعلن أنه جاء ليعمل مشيئة الآب. كان موته لكي يُتِمّ كل شيء. الحياة التي نالها من الآب يبذُلها في سبيل إخوته: «إِنَّ الآبَ يُحِبُّني لِأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً. ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً وهذا الأَمرُ تَلَقَّيتُه مِن أَبي» (يو10: 17و 18).
الموت الذي كان يسوع يتوقعه، لم يعانِهِ مُكرهًا، بل تقبّله بإرادته، تقبّلهُ ببصيرةٍ وجعل منه تقدمة. جعل يسوع من موته طاعةً وتقدمةً وشكرًا. ويسوع بموته المقرّب، جدّد العهد بين الله وبيننا.
يشدّد العهد الجديد على أن القيامة هي جواب الله الآب ليسوع على الصّليب. فالمصلوب هو الذي قام من بين الأموات. ابن الإنسان الذي مات على الصليب هو الذي دخل الحياة. وبموته، أمات الموت. وبذلك لم يُعد الموت موتًا، بل أصبح عبورًا وانتقالًا إلى الحياة.
يسوع يبذل ذاته بملء حرّيته فيعبّر بذلك عن طاعته للآب. وعذابه وموتُه يفتحان الطّريق أمام إنسانية جديدة: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا» (يو12: 24).
يقدّم لنا العهد الجديد شهادات عن ظهورات القائم من بين الأموات. القارئ مدعوٌ للإصغاء إلى المعلّم. إلهُ القيامة يدعوه للسيّر على طريق التخلّي عن الذات بإعطاء الحياة. إيمان المسيحيين بالقيامة وُلد يوم الفصح، أمام القبر الفارغ. لكي نفهم هذا الإيمان، فلنتبعْ يسوع الذي يُواجه الموت ولنصغ إلى شهادة المسيحيين الأولين.
عاش يسوع حياة كلّ البشر. ولد وترعرع في منطقةٍ، بين شعب، وفي مجتمع حيث لعب دورًا فاعلًا، مجاهدًا في سبيل الحق، مما سبّب له أن يُطرح خارجًا ويُحكم على بالموت. كان موته حقيقيًّا وعنيفًا. موت كهذا يكشف لنا معنى حياة البار الذي، في موته، يبقي الشاهد الأمين للإله الحيّ.
«فإِذا كُنَّا قَد مُتْنا مع المسيح، فإِنَّنا نُؤمِنُ بِأًنَّنا سنَحْيا معَه. ونَعلَمُ أَنَّ المسيح، بَعدَما أُقيمَ مِن بَينِ الأَموات، لن يَموتَ بعدَ ذلِك ولن يَكونَ لِلمَوتِ علَيه مِن سُلطان، لأَنَّه بِمَوتِه قد ماتَ عنِ الخَطيئَةِ مَرَّةً واحِدَة، وفي حَياتِه يَحْيا لله. فكَذلِكَ أحسَبوا أَنتُم أَنَّكم أَمواتٌ عنِ الخَطيئَة أَحْياءٌ للهِ في يسوعَ المسيح. فلا تَسودَنَّ الخَطيئَةُ جَسَدَكمُ الفاني فتُذعِنوا لِشَهَواتِه، ولا تَجعَلوا مِن أَعضائِكم سِلاحًا لِلظُّلْمِ في سَبيلِ الخَطيئَة، بلِ أجعَلوا أَنفُسَكم في خِدمَةِ الله، على أَنَّكم أَحْياءٌ قاموا مِن بَينِ الأَموات، واجعَلوا مِن أَعضائِكم سِلاحًا لِلْبِرِّ في سَبيلِ الله، فلا يَكونَ لِلخَطيئَةِ مِن سُلطانٍ علَيكم. فَلَستُم في حُكْمِ الشَّريعة، بل في حُكْمَ النِّعمَة» (رو6: 8- 14).
ما جرى ليسوع أولًا علامة لنا. وهو ما كان الله قد وعد بتحقيقه في نهاية الأزمنة. وفي قيامة يسوع، يُصبح حدث النهاية حاضرًا أمام أعينُنا. ويمكنُنا أن نُشاهد منذ الآن، في القائم من الموت، الغاية التي نسيرُ إليها. فما يُكشفُ لنا هو معني وجودنا البشريّ، الفردي والجماعيّ. وفي القائم من الموت نعلم، بل "نرى"، أن للموت وجهًا آخر، إذ إنّه لا يهدِمُ كياننا، بل هو ولادةٌ ثانية.
إن قيامة يسوع هي استباق لقيامتنا. وبصفته "ابن الإنسان"، يجسِّدُ جميع الذين سيدخلون في حياة الله، في آخر الأزمنة، ليعيشوا معه للأبد. فيه، ومنذ الآن، يدخلُ جميعُ الناس إلى مجد الله. لا شكّ أن المسيحيّ يتأمّل في موته، لكنّ هذا الموت لم يعُد يُخيفُه، وقد تغلّب عليه يسوع. إن الله، منذ الآن وبيسوع "ابن الإنسان"، «مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المَسيح. وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع» (أف2: 5و6). وهكذا تمّ كل شيء بالمسيح القائم من الموت.
اذهبوا بسلام المسيح أيها الكهنة الأنقياء، وصليب ابن الله فليكن لكم رفيقًا، وهناك فلتروا موسي والأنبياء الذين سلكوا في طريق البرارة، وتختلط مع ذلك جوق الأبرار والصديقين، ونهتف له باسفرار الوجه: لك المجد أيّها الرّب.