الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

شريف رزق يكتب: حكاية بهاء طاهر مع الإسكندر الأكبر

حكاية بهاء طاهر مع
حكاية بهاء طاهر مع الإسكندر الأكبر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقرأ البعض التاريخ حسب ما هُم عليه وليس كما روي الأحداث التاريخية أطراف ذات مصالح وتوجهات مختلفة ويقرأ فقط فيما يُدعم ما يرضيه هو فيري البعض في الحروب الصليبية على أورشليم حرب دينية عنصرية ولكنه يُرحب بغزو إسبانيا بحجة أن العرب أرادوا تعمير وتعليم الإسبان ويري البعض في هزيمة سوريا نصرًا لانها هزيمة للشيعة والعلويين وكذا الحال في اليمن ويرى بعض الأمريكان أن غزو العراق كان لنشر "الديمقراطية"، وأن إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي كان ضرورة. وتلك هي إشكالية النظرة القبلية الحزبية الدينية الضيقة عند قراءة التاريخ.
فمن يرى في الحُريات والديمقراطية الطريقة الأقرب لتحقيق الأفضل ومن يري في الحاكم البطل الحل الأمثل للخلاص من الطغاة والفاسدين، ومن يري في الدين الحل لجميع المشاكل ومن يُبرر التجني على الحريات بحجة الأمن القومي ومن يبرر سوء أداء الحاكم بحجة أن من حوله فاسدين ولكنه هو بخير وصالح وعظيم. يقول هرب كوهن Herb Cohen المستشار السابق للرئيس الأمريكي " جيمي كارتر" " أنا وأنت لا نرى الأشياء كما هي بل كما نحنُ عليه" وهذا يفسر كيف يري الناس الشيء الواحد بطرق مختلفة، حيث يرى كل شخص الأشياء كما يحلو له رؤيتها، لكن جوهر الحقيقة لا يصل له سوي من يتجرد مما هو عليه كي يعي الأمور كما هي. وكلما زادت مهنية الأفراد كلما استطاعوا تجاوز الحدود القبلية وضيق الأفق وكُلما فهموا الحياة بعمق أكبر يتجاوز المحلي القبلي الذاتي وينطلق نحو الكوني والإنساني.
في رواية الكاتب الكبير " بهاء طاهر" " واحة الغروب" في الفصل الثامن بعنوان " الإسكندر الأكبر" وحسب الرواية فبعد خروج الإسكندر الأكبر من المعبد وإعلانه فرعون مصر، فنظر نحوه صديقه " فيلوتاس" وسأله بما يُشبه التأنيب " إذن فأنت إله؟" وحين لم يسمع منه ردا قال في أسف " كنا سعداء بأن بطلًا فحسب هو الذي يقودنا إلي النصر!"
و هذا المقطع من الرواية به الكثير من الفهم والإسقاطات السياسية لما قد يُصبح عليه الحال حين يقود البلاد والعباد حاكم تُصبغ عليه صفات وقدرات "إله" فهو لا يُخطيء ولا يُناقش ويعرف كل الأشياء ومن دونه يخسر شعبه كُل شيء، ومن ثم يُصبح وجوده ضرورة لا يستغني عنها مُريديه وحواريه والسادة المنتفعين.
"كُنا سعداء بأن بطلًا "فحسب" يقودنا إلي النصر" ما قاله فيلوتاس" وبالأخص كلمة " فحسب" توضح لنا أهمية فكرة تحديد الأدوار في العالم الديمقراطي، كان دور الإسكندر بطل عسكري فحسب وما أن تخطي دوره وأصبح "إله" حتي باتت الأمور تتعقد. وهذا هو جوهر تعقيدات المشهد السياسي في البلاد التي تتغير بفعل " حاكم إله" يأمُر فيُطاع لا يُناقش أو تختلف معه حتى في أدق الأمور.
جوهر الفعل الديمقراطي الحقيقي هو محاسبة ومراقبة المسئولين، وحين يختفي الجوهر تتزين الدولة بخرافات مظهرية لا تساعدها على التقدُم نحو المُستقبل، نظل في حالة اعجاب شديد بالعملية الديمقراطية في الغرب ولكن نظل نخشى الغوص في الفعل الديمقراطي الحقيقي خشية خسارة ما نملك من مناصب ونفوذ، ولكنها لنا تحررنا ابدًا، لأن الحق فقط هو ما يحررنا.
شريف رزق
باحث في العلاقات الدولية