الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من أين نبدأ؟.. "الخلافة" ليست من ضروريات الدين ولا تناسب العصر الراهن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يصح قصر صحة الحكم على شكل وحيد وهو «الخلافة»
شرطا الحكم الإسلامى الصحيح هما الشورى والعدل
الحكام بعد الخلفاء الأربعة ملوك ولا يصح ما ادعوه من خلافة
أزمة الشيوعية أنها تقف عند نظام اقتصادى معين تحاول فرضه على جميع العالم
النظام الجمهورى الحديث هو نظام الخلافة الإسلامية بعينه
قليلون هم الذين يعرفون أن كتاب «من أين نبدأ؟» لمؤلفه العالم الأزهرى الفذ الشيخ عبدالمتعال الصعيدى «توفى عام 1966»، كان طرفا ثالثًا «فى المعركة التى دارت عام 1950 بين خالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالى، الذى كتب «من هنا نعلم» ردا على كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ». 
أهمية كتاب الصعيدى ليست مجرد أهمية تاريخية هدفها معرفة طرف مجهول فى معركة فكرية شهيرة، بل تكمن أهمية هذا الكتاب بالأساس فى قيمته الفكرية والتجديدية. ولن نكون مبالغين إذا قلنا لو أن الدولة أو مختلف الأنظمة السياسية التى تعاقبت على مصر منذ 1950 وحتى الآن قد تنبهت لأهمية الطرح الذى يقدمه «من أين نبدأ؟» عبر تدريسه للطلاب ونشره فى مختلف وسائل الإعلام، لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من إرهاب وعنف ونشر لأفكار مغلوطة، وهذه مجرد أمثلة لأفكار قال بها عالم أزهرى بارز فى مساجلته مع الغزالى وخالد محمد خالد:
أولا: القانون المصرى متوافق مع الشريعة الإسلامية، إن لم يكن نصًا، فهو متفق بالتأويل، والنص الوحيد الذى كان مناقضًا للشريعة هو قانون إباحة البغاء فى أربعينيات القرن الماضى، وعندما احتج شيوخ أزهريون ضده تم إلغاؤه، ما عدا تلك الدساتير المصرية المختلفة لا تناقض الشريعة.
ثانيا: الخلافة ليست هى النظام الإسلامى الوحيد، فكل حكم عادل هو حكم إسلامى، والدولة العثمانية التى كانت تسمى نفسها خلافة لم تكن تتفق مع مبادئ الإسلام.
ثالثا: جنسية المسلم هى وطنه الذى يعيش فيه، وهناك رابطة قلبية تجمع بينه وبينه المسلمين فى مختلف أنحاء العالم. النقاط السابقة مجرد أمثلة لأفكار تجديدية قدمها وعرضها الصعيدى فى «من أين نبدأ؟» الذى تنشره «البوابة نيوز» على حلقات طوال شهر رمضان المبارك.
التعريف الصحيح للخلافة الإسلامية:
ولهذا أرى أن تعرف الخلافة الإسلامية بأنها رياسة عامة فى أمر الدين، والدنيا تقوم باختيار أهل الحل والعقد فى الأمة، وأهل الحل والعقد قد يشملون جمهور الأمة من كل بالغ عاقل، ولو كان أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وقد يشترط فيهم شروط تخصص حق اختيار الخليفة بطوائف معينة من الجمهور، لأنه لم يرد فى ذلك نص معين من النصوص، فيجب أن يترك لحكم الظروف والأحوال، وأن يكون الحكم فيه للأمة تطلقه أو تقيده كما تشاء.
وبهذا لا يكون الخليفة خليفة الله، ولا خليفة رسول الله، بل يكون خليفة المسلمين، أو أمير المؤمنين، ليكون أبعد عن نظرية الحق المقدس، ويعرف أنه يبقى فى خلافته ما رضوا عنه، ولا يبقى فيها إذا أرادوا عزله لسبب من الأسباب.
ولهم أن يقيدوا خلافته بمدة من الزمن قصيرة أو طويلة، وإن لم يفعل المسلمون ذلك فى الخلفاء الأولين، لأنه لم يرد فى ذلك نص معين من النصوص، فيجب أن يترك لاجتهاد الأمة تفعل فيه ما تشاء بحسب الظروف والأحوال، فتختاره خليفة مدة حياته، أو فى مدة معينة من الزمن، على حسب المصلحة التى تتغير بتغير الظروف والأحوال، ولا يصح الجمود فى الخلافة الإسلامية على شكل معين، لأننا نضيق من ذلك ما وسعه الدين، والإسلام دين يسر لا عسر.
فلا يجب فى صحة الخلافة الإسلامية إلا أن تكون باختيار أهل الحل والعقد، فلا يقوم خليفة إلا بعد الرجوع إليهم فى اختياره، ولا يقوم فيهم خليفة إلا بمحض هذا الاختيار، ولهذا لا ينحصر فى قبيلة أو طائفة من المسلمين، ولا تدخل فى قيامه شائبة قوة أو وراثة، وإنما هو محض اختيار أهل الحل والعقد لا غير. وقد قام الخلفاء الراشدون الأربعة على هذا الأساس، فلم يختاروا للخلافة من أجل أنهم عرب، أو من أجل أنهم من قريش، أو من أجل عصبية من العصبيات، وإنما اختيروا للخلافة من أجل أنهم مسلمون لا غير، لأن كل مسلم له حق فى الخلافة، ولا يصح أن يستأثر بها عربى أو قرشى أو ذو عصبية من العصبيات، لأن الإسلام للناس كافة، فيجب أن تكون خلافته لهم كافة.
وهؤلاء الخلفاء الأربعة هم الذين كانت خلافتهم خلافة إسلامية صحيحة، لأنها قامت بمحض اختيار المسلمين، ولهذا روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا عضوضًا»، وهذه الثلاثون سنة هى مدة خلافة الخلفاء الأربعة، ومن قام بعدهم من بني أمية وبنى العباس وغيرهم كانوا ملوكا لا خلفاء، ولا يصح ما ادعوه من الخلافة لأنفسهم، لأنهم أخذوا ذلك بالقوة لا بالاختيار، ثم توارثوه فيما بينهم، والخلافة لا تؤخذ بالقوة ولا بالوراثة، ولكن من لا يفقهون حقائق الأمور من علمائنا تأولوا الحديث السابق لهم، ليصححوا ما ادعوه من الخلافة لأنفسهم، فذكروا أن خلافة العباسيين وبعض الأمويين كانت بإجماع أهل الحل والعقد من علماء المسلمين وعظمائهم، فهى خلافة شرعية صحيحة، والحديث السابق يراد منه أن الخلافة الكاملة ثلاثون سنة، وهذا تأويل بعيد، ولهذا لم يستحسنه العلامة عصام الدين ولا غيره من العلماء المحققين، ومن علماء عصرنا من ذهب إلى أن المراد من الحديث أن الخلافة التى لا تشوبها شوائب الملك تبقى مستمرة ثلاثين سنة، ثم تنقلب إلى ملك، فتارة تبقى معانيها ملتئمة مع مظاهر الملك، وتارة تتغلب على معانيها طبائعه، وهذا هو الملك المذموم فى الحديث، وقد تعود لها سيرتها الأولي، كما وقع ذلك فى خلافة عمر بن عبدالعزيز. والحق أن هذا تأويل بعيد أيضًا، وأن الخلافة خلافة ونيابة عن المسلمين، فلا تكون إلا باختيارهم لمن ينوب عنهم، والملك ليس فيه خلافة ونيابة عن المسلمين، وإنما يقوم بالوراثة والنيابة عمن ورث عنه، ولعل مما سهل على أولئك الملوك دعوى الخلافة ما ذكره المتقدمون فى تعريفها أنها نيابة عن النبى صلى الله عليه وسلم، لأن هذه النيابة يمكن أن يدعيها الملوك أيضًا، بخلاف ما ذكرناه فى تعريفها أنها نيابة عن المسلمين، لأن هؤلاء الملوك لا يملكون أن يدعوا النيابة عن المسلمين لأنفسهم، لأن ملكهم لم يقم باختيارهم، وإنما قام بوراثتهم لمن ملكوه عنهم.
صحة الحكم الإسلامى بغير شكل الخلافة:
وإذا كانت الخلافة مقصورة على ذلك الشكل من الحكم، فإنه لا يصح قصر صحة الحكم الإسلامى عليها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم مات ولم يعين شكلا للحكم، بل ترك تعيينه لاختيار المسلمين، حتى لا يكون هناك حرج عليهم فى اختيار شكل الحكم الذى يلائم ظروفهم وأحوالهم، والإسلام كما قلنا دين يسر لا عسر، فلا يهم فيه إلا أن يقوم الحكم فيه على أساس الشورى والعدل، ومتى قام على هذا الأساس كان حكما إسلاميا صحيحا، سواء أكان القائم به ملكا أم خليفة أم رئيس جمهورية، ولا شك أن الأمة قد ترضى قيام حكم وراثى فيها على ذلك الأساس السابق، فيكون ملكا لا خلافة، ومع هذا يكون حكما إسلاميا صحيحا.
وبعد فإن ظروف عصرنا يتعذر معها أن تقوم خلافة إسلامية يجتمع المسلمون فى ظلها جميعا، فلا تصح المطالبة بها مع هذا التعذر، ولا شك أن الخلافة الإسلامية بالشكل السابق ليست من ضروريات الدين، ولهذا اختلف المسلمون فى موضوع الحكم اختلافًا كبيرًا، فذهبت طائفة منهم إلى أنه لا يجب نصب إمام للمسلمين، وذهبت طائفة منهم إلى وجوب ذلك شرعًا، وذهبت طائفة منهم إلى وجوب ذلك عقلا، وذهبت طائفة منهم إلى وجوب ذلك شرعا وعقلا، وذهبت طائفة منهم إلى أنه يجوز نصب إمامين أو ثلاثة أو أكثر فى زمان واحد، إلى غير هذا من الخلافات الكثيرة فى موضوع الحكم فى الإسلام.
وقد ذهب بعض علماء عصرنا حين ألغى مصطفى كمال باشا خلافة آل عثمان إلى أنه يجوز أن يستغنى عنه الخليفة بملوك المسلمين وأمرائهم، فيكون كل واحد منهم خليفة فى بلاده، وذهب أيضًا إلى أنه يجوز أن يستنيب الخليفة عبدالمجيد - آخر خلفاء آل عثمان - عنه أولئك الملوك والأمراء فى بلادهم. وكل هذا لا داعى إليه، لأن الحكم الإسلامى يصح كما ذكرنا أن يقوم بغير شكل الخلافة الإسلامية الصحيحة، فلا داعى إلى ذلك الخلط الذى ذهب إليه بعض علماء عصرنا، لأنه يخلط فيه بين الخلافة والملك، وبين الخلافة الإسلامية الصحيحة والخلافة الصورية التى لا فائدة فى قيامها، لأنها تكون عبثًا يتنزه الإسلام عنه، وهو دين مرن واسع لا ضرورة فيه إلى هذا العبث، وقد آن للمسلمين أن يفقهوا أمور دينهم على حقيقتها، لتستقيم أمورهم فى الدنيا، وتصلح أحوالهم فى الآخرة.
وخلاصة ما أراه فى هذا الموضوع أن الخلافة لا تجامع المُلك، سواء أكان ملكًا استبداديًا أم كان ملكًا دستوريًا، وأن النظام الجمهورى الحديث هو نظام الخلافة الإسلامى بعينه، وإذا كان بعض الجمهوريات الحديثة يختار رئيس الجمهورية لمدة محدودة، فإن بعضها يختاره إلى وفاته، كما اتبع فى اختيار الخلفاء الأربعة الراشدين، وليس فى الإسلام ما يمنع اختيار الخليفة لمدة محدودة كما سبق، ويلى الملك الدستورى للنظام الجمهورى فى القرب من نظام الخلافة، لأنه يقوم برضا الشعب واختياره فى الجملة، وقد يجوز أن يطلق على الملك الدستورى لقب الخلافة، لأن فيه شيئًا من معناها، ولكن الراجح عدم جواز ذلك، لأن الفرق بينهما كالفرق بين النظام الجمهورى والملكي، وفى هذا كفاية لمن يريد الحق فى هذا الموضوع.
رجعية الشيوعية وجمودها:
يجب أولا قبل دراسة الشيوعية فى ذاتها أن نبين أنها ليست فكرة جديدة ظهرت فى هذا العصر الحديث، لأن كثيرًا من الناس يظنون أنها فكرة جديدة فى هذا العصر، ويكون هذا سببا فى استهوائها لهم، لأن الناس قد شغفوا فى عصرنا بالميل إلى كل جديد، فهم يأخذون الشيوعية على أنها تجربة جديدة، قد يكون فيها علاج ناجح لما يقاسيه الناس من شقاء بسبب الأنظمة الفاسدة التى فرضت عليهم من جبابرة الاستبداد والاستعمار، فهم يجرون فى التخلص من ذلك وراء كل أمل، ولو كان يبدو سرابا لامعا، أو يلمع برقا خادعا.
والحقيقة أن الشيوعية فكرة قديمة رجعية، وليست بفكرة جديدة كما يظن كثير من الناس، وقد دعا إليها كثير من الدعاة فى العصور القديمة، قبل أن يدعو إليها كارل اركس وغيره فى هذا العصر الحديث، ومن أقدم من دعا إليها مزدك الفارسي، وكانت ولادته حوالى سنة ٤٨٧م، وقد ظهر فى بلاد فارس بعد زرادشت وماني، وقام بتعاليم تنسب إليه فيقال لها المزدكية، وهى تقوم على أساس ديانة زرادشت، كما تقوم تعاليم مانى على أساسها قبله، ولكنها كانت تذهب إلى الاشتراكية بين الناس فى الأموال والنساء، وكان مما دعا إليها قيام طبقة فى بلاد فارس قليلة العدد واسعة الثراء كثيرة الامتياز - طبقة الأشراف - وشمول الفقر باقى طبقات الشعب، فلما قام مزدك بهذه التعاليم ودعا إلى هذه الاشتراكية وافقه عليها قباذ ملك الفرس، طمعًا فى أموال طبقة الأغنياء، وقام بنشرها فى بلاد فارس وبلاد العرب، فلم يوافقه عليها المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، فعزله وولى عليها الحادث ابن عمرو ملك كندة، وقد مكث يعمل بها ويقوم بنشرها إلى أن مات وملك بعده ابنه الملك العادل كسرى أنو شروان، فأبطل المزدكية وما تدعو إليه من تلك الاشتراكية، وهى بعينها ما تدعو إليه الشيوعية الآن. وأما جمود الشيوعية فلأنها تقف عند نظام اقتصادى معين تحاول فرضه على جميع العالم، مع اختلاف حال الشعوب فيه، واختلاف حال الزمان والمكان، فقد يقبلها بلد ضاق بأهله واستأثر بخيراته عدد قليل منهم، ولكنها لا يمكن أن تقبل فى بلد كالولايات المتحدة الأمريكية، لأنها أوسع من سكانها، فلا يصح أن يضيق عليهم فى استثمارها بحسب طاقة كل فرد منهم، وكذلك مصر، لأنها لا تضيق بأهلها، وإنما كان فيها سوء توزيع الثروة والسكان.
مشابهة الشيوعية الروسية للاستعمار الرأسمالى:
ويجب ثانيًا قبل دراسة الشيوعية فى ذاتها لنعرف حكم الإسلام فيها، أن نبين أنها تدخل علينا الآن كنظام أجنبي، فهى تغزونا بهذا الشكل كما غزانا الاستعمار الأجنبى الرأسمالى قبلها، وهى بهذه الصفة لا يقل ضررها فينا عن ضرر هذا الاستعمار، ولا عن ضرر أخذنا بالتشريع الأجنبي، ولا عن ضرر استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، ولا عن ضرر كل ما يجعلنا فى بلادنا ذيولا للأجانب، لأنه ليس وراء هذا إلا القضاء على شخصيتنا وقوميتنا، وإلا أن نفنى فى شخصية غيرنا وقوميتهم، فنكون منهم بمنزلة التابع للمتبوع، ولا نستفيد من هذا إلا أن نستبدل استعمارا شيوعيًا باستعمار رأسمالي.
وكنت قد ذكرت فى سنة (١٩٢٤م) فى بعض كتبي، وقبل أن يصير أمر الشيوعية الروسية بيننا إلى ما صار الآن إليه، من افتتان بعض من فتياننا به، وعملهم على أن نصير به من روسيا كما كنا من إنجلترا وغيرها من الدول الاستعمارية، كنت قد ذكرت فى هذه السنة أن لنا اشتراكية معتدلة فى نظام الزكاة، واشتراكية متطرفة دعا إليها أبو ذرٍ الغفاري، حين أنكر حق الملكية فيما زاد عن قوت يوم وليلة، وأن كلا من الاشتراكيتين يصلح أساسًا لبناء نظام اقتصادى إسلامى وسط بينهما، يقوم بوضعه رجال منا، ويطبعونه بيننا بطابعنا، فلا نكون فيه عالة على غيرنا، ولا نقع فيما وقعنا فيه من الأخذ بالتشريع الأجنبي، فصرنا فيه عالة على غيرنا من المشرعين الأجانب، ولا شك أننا إذا أخذنا أيضا باقتصاد أجنبي، فسنظل فيه عالة على غيرنا من الاقتصاديين الأجانب، ولا شك أن كلا من هذا وذلك يدخل فى الاستعمار الفكري، وهو أشد ضررًا من الاستعمار السياسي.