الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدولة والإعلام والفرص الضائعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ازدحمت الصحف فى الآونة الأخيرة بعشرات المقالات التى عبرت عن ضجر الجمهور بما يصفه بالهجمة الشرسة بالإعلانات على مسلسلات رمضان، واعتدائها الصارخ على حقه فى متعة المشاهدة وكاد يصل الأمر عند البعض إلى حد الدعوة لإشهار مؤسسات حقوقية للدفاع عن حق المشاهدة الآمنة والتنديد بعمليات الاستيطان الممنهجة التى تقوم بها شركات الدعاية والإعلانات على نطاق واسع خلال ساعات البث التليفزيونى.
التحليل الأول لشيوع هذه الظاهرة فى أغلب فضائياتنا يؤشر إلى أن القائمين على صناعة الإعلام ليسوا من أهل المهنة، ولا يقيمون لها وزنا فى الأساس، ويجهلون قيمة الإعلام ودوره كوسيلة فى التواصل مع الجمهور والتأثير فى الرأى العام عبر إمداده بجرعات متوازنة من المادة الإعلامية المتنوعة بطبيعتها بين الخبر والتقرير والتحليل والرأى والتثقيف والترفيه والمتعة والتسلية ويتخلل كل ذلك الإعلان طبقا لقواعد وأصول تضمن حق المتلقى فى مشاهدة منتظمة لا تؤثر سلبا على عملية الاتصال.
هذا التفسير يتوافق مع واقع الإعلام خلال السنوات السبع الأخيرة الذى يتعامل مع أغلب قضايانا الوطنية بمنطق تجارى، فلا يهمه عرض وجهات النظر المختلفة بقدر اهتمامه بعرض وجهات النظر المتطرفة التى تقود إلى لا شىء، فلا تجد معلومة محايدة ولا رأيا مستقلا ولا تحليلا موضوعيا، بمعنى آخر انعكست طبيعة المالك الجديد ونظرته للإعلام على مستوى أداء وكفاءة القائم على الاتصال والمقصود به هنا الإعلاميون أنفسهم بدءا من رئيس التحرير ومرورا بالمعد ووصولا إلى المذيع.
وقد بلغ الأمر ذروة ما يمكن تسميته بالمهزلة الإعلامية فى بعض الفضائيات ذات الأسماء الرنانة، حيث تسمح هذه المحطات بعديمى الموهبة والخبرة بشراء ساعات بث مقابل أموال ضخمة يتم خلالها تمرير أقذر ما يمكن أن تراه على شاشة، فهؤلاء الإعلاميون المزيفون يقومون باستضافة رجال أعمال مشبوهين وشخصيات تافهة تسعى للشهرة مقابل أموال طائلة بهدف غسيل السمعة، أو تلميع الذات ولو بكلام فارغ وتافه يقدم على أنه حديث العلم، أو التحليل رفيع المستوى الذى لم يأت بمثله أحد.
الشاهد على تردى مستوى الأداء الإعلامى عجز كل فضائياتنا بلا استثناء عن تقديم برنامج تليفزيونى رمضانى واحد يجذب الجمهور على غرار البرامج التى كان ينتجها التليفزيون المصرى الرسمى قبل سنوات ليست بالبعيدة عن ذاكرتنا.
الإفراط فى تخصيص المساحات الإعلانية دفع بالفعل قطاعا كبيرا من الجمهور إلى متابعة مسلسلات رمضان عبر «يوتيوب»، ما يعنى هجر قطاع كبير من المصريين شاشات التليفزيون التقليدية،علاوة على أن نوعية الإعلانات المقدمة تعطى انطباعا بأننا مجتمع غير منتج، وأن كل ما أعلنته الدولة فى بياناتها الرسمية بشأن المشروعات القومية الكبرى من استصلاح أراض وإنشاء مزارع سمكية ومصانع فى شتى المجالات ومدن جديدة لا يعدو كونه مجرد حبر على ورق وإعلان نوايا مبدئى، خصوصا فى ظل المعاناة التى يعيشها المواطن البسيط بسبب إجراءات الإصلاح الاقتصادى، وعدم إحساسه بنتائج مباشرة لتلك الإجراءات.
يعزز هذا الانطباع لدى الجمهور إفراط الإعلام فى الاعتماد على ما تنشره منصات التواصل الاجتماعى من شائعات ونقلها بوصفها حقائق ومعلومات تضطر الحكومة فيما بعد إلى تكذيبها، لكن الرصاصة الأولى قد انطلقت بالفعل ووجدت ما يعزز تأثيرها فى مجمل الأداء الإعلامى.
للأسف تفتقد هذه الصناعة عقلا إعلاميا قادرا على إدارتها ولا أدرى أين يقف المجلس الأعلى للإعلام من كل هذه المهازل، ويكفى فى هذا الصدد طرح هذا التساؤل.. لماذا لم يقدم الأعلى للإعلام كونه المستشار الإعلامى الأول للدولة اقتراحا باستغلال نسب المشاهدة العالية على مسلسلات رمضان بشراء الدولة مساحات إعلانية تقوم خلالها بعرض ما أنجزته من مشروعات بالفعل، من خلال أفكار مبتكرة وقصص نجاح وكفاح لكل من شارك فى تلك المشروعات، بدءا من أصغر عامل وصولا إلى أكبر مسئول على أن يتضمن المحتوى معلومات مبسطة عن جدوى المشروع وفرص العمل التى أتاحها، وفرص العمل التى تحتاجها مشاريع أخرى مرتبطة، بشرط أن يقدم ذلك فى صورة جذابة ومشوقة ومثيرة وممتعة وعبر الاستعانة بكبار نجومنا من الفنانين والرياضيين والسياسيين، بل وبعض الكتاب والمثقفين الذين يحظون بمصداقيه لدى الرأى العام.
استمرار هذه الإدارة للمشهد الإعلامى والصحفى سيضيع كل الفرص المتاحة للدولة لخلق جسور المصداقية والثقة بينها وبين المواطن، وظنى أن المجلس الأعلى للإعلام مدعو لإعادة صياغة أجندة عمله، وإعادة توظيف الخبرات والكفاءات التى يمتلكها.