الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من أين نبدأ "9".. موقف محمد الغزالي من حقوق المرأة السياسية غامض

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تأليف: عبدالمتعال الصعيدي
الأستاذ بكلية اللغة العربية من كليات الجامع الأزهر

قليلون هم الذين يعرفون أن كتاب «من أين نبدأ؟» لمؤلفه العالم الأزهري الفذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي «توفي عام 1966» كان «طرفا ثالثًا» في المعركة التي دارت عام 1950 بين الأستاذ خالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالي، الذي كتب «من هنا نعلم» ردًا على كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ».
أهمية كتاب الصعيدي ليست مجرد أهمية تاريخية هدفها معرفة طرف مجهول في معركة فكرية شهيرة، بل تكمن أهمية هذا الكتاب بالأساس في قيمته الفكرية والتجديدية.
ولن نكون مبالغين إذا قلنا لو أن الدولة أو مختلف الأنظمة السياسية التي تعاقبت على مصر منذ 1950 وحتى الآن قد تنبهت لخطورة الطرح الذي يقدمه «من أين نبدأ؟» عبر تدريسه للطلاب ونشره في مختلف وسائل الإعلام، لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من إرهاب وعنف ونشر لأفكار من عينة: نظامنا غير إسلامي.. أو: الذي يحكمنا هو القانون الفرنسي وليست الشريعة.. أو: الخلافة الإسلامية هي النظام الإسلامي للحكم.
تظهر قيمة «من أين نبدأ؟» التجديدية التي نحن في مسيس الحاجة إلى نشرها وإذاعتها، وهذه مجرد أمثلة لأفكار قال بها عالم أزهري بارز في مساجلته مع الغزالي وخالد محمد خالد:
أولا: القانون المصري متوافق مع الشريعة الإسلامية، إن لم يكن نصًا، فهو متفق بالتأويل، والنص الوحيد الذي كان مناقضًا للشريعة هو قانون إباحة البغاء في أربعينيات القرن الماضي، وعندما احتج شيوخ أزهريون ضده تم إلغاؤه، ماعدا ذلك الدساتير المصرية المختلفة لا تناقض الشريعة.
ثانيا: الخلافة ليست هي النظام الإسلامي الوحيد، فكل حكم عادل هو حكم إسلامي، والدولة العثمانية التي كانت تسمى نفسها خلافة- برأي عبد المتعال الصعيدي- لم تكن تتفق مع مبادئ الإسلام.
ثالثا: جنسية المسلم هي وطنه الذي يعيش فيه، وهناك رابطة قلبية تجمع بينه وبينه المسلمين في مختلف أنحاء العالم.
النقاط السابقة مجرد أمثلة لأفكار تجديدية قدمها وعرضها الصعيدي في «من أين نبدأ؟» الذي تنشره البوابة على حلقات طوال شهر رمضان المبارك، آملين أن ينتبه القائمون على المناهج التعليمية إلى أهمية ما يقدمه من أفكار عصرية ومن ثم يصبح مقررا دراسيا في مختلف مراحل التعليم- بعد صياغته تربويا- فبالتعليم- التعليم فقط- يمكننا محاصرة الإرهاب الديني الذي بات للأسف تهمة تلاحق الإسلام والمسلمين.
وكل هذا الكلام الذي ذكره الأستاذ الغزالي حسن وجميل، ولكنه في واد آخر غير الوادي الذي جال فيه الشيخ خالد في موضوع -الرئة المعطلة- لأنه ذكر أن ما كتب فيه الأستاذ الغزالى أصبح مفروغا منه، وقد كسبته المرأة من زمن، وإنما الشأن الآن لحقوقها السياسية التي تطالب بها، والأستاذ الغزالي لم يشر إليها إلا إشارة خفيفة لا تبين رأيه فيها صريحا، وقد آن لي أن أدلي بدلوى في الدلاء، ولكن بعد أن أنقل فتوى لجنة الفتوى بالأزهر في الحقوق السياسية التي تطالب المرأة الآن بها.

فتوى لجنة الفتوى بالأزهر في الحقوق السياسية للمرأة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فقد شغل الناس في هذه الأيام بفكرة اشتراك المرأة المصرية في الانتخابات لعضوية البرلمان، وثارت حول هذه الفكرة عاصفة من الجدل، بين أنصارها ومعارضيها، وكأنه لم يكف لحسم هذا الخلاف ما كتبه بعض كبار العلماء، فتقدمت بعض الجماعات الإسلامية إلى لجنة الفتوى في الأزهر تسألها بيانا شافيا لحكم الشريعة في هذا الشأن، رجاء أن يتضح الحق، ويستبين وجه الصواب.
تمهيد:-
ولجنة الفتوى تقرر أولا -تمهيدًا لهذا البيان- أنه ليس بدعا في محيط الجماعات أن تعرض فكرة يراها بعض الناس صالحة فيدعون إليها، ويراها آخرون غير صالحة فيعارضونها ويصدون عنها، بل إن طبيعة الاجتماع تقضي باختلاف الآراء، وتشعب الأفكار.
ولكن البدع والشيء غير المستحسن -ولا سيما في البيئات المثقفة- أن يندفع أنصار الرأي أو معارضوه -قصد الانتصار والغلب- إلى الغمز في الشخصيات والسخرية من العقليات، وما إلى ذلك مما لا وزن له في مقام تعرف الحق أو التعريف به، بل إن ذلك أمر من شأنه أن يصرف النفوس عن متابعة صاحبه، ولو كان على شيء من صواب.
وأشد منه عيبا أن تنجر الخصومة في الرأي إلى الغض من أقدار سلف العلماء، والنيل من كرامتهم، والطعن عليهم فى طريقتهم التي سلكوها لمعرفة الصحيح وغيره من الأحاديث التي تروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كى يطمئنوا إلى صحة ما يأخذون به من ذلك في قضائهم وفتياهم، وفي استنباطم الأحكام من معين الإسلام.
هذه الطريقة التى يغمزها بعض من كتبوا في موضوع حق المرأة في الانتخابات معبرًا عنها -سخرية وتحقيرا- بطريقة «العنعنة» هي طريقة البحث عن رواة الحديث والوقوف على صفاتهم وأحوالهم من العدالة والأمانة والضبط ومبلغ تحرى العدل الأمين الثقة فيما يرويه أو يتلقاه عن عدل أمين ثقة مثله وهكذا.. وتمييز هؤلاء عن المعروفين بالكذب أو التدليس أو التهاون وعدم التثبت فيما يروون وعدم المبالاة عمن يأخذون، إلى غير ذلك مما استطاع به العلماء أن يعرفوا صحيح الحديث ويميزوه من الضعيف أو المكذوب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل استطاعوا بهذا البحث أن يقفوا على كيفية تلقي الراوي عن شيخه، وأنها كانت بالإملاء من محفوظة ومن كتاب بخطه أو خط أحد تلاميذه، وأن هذا الشيخ كان يروي الحديث لشخص واحد أو لجماعة، وأنه كان يروي في حالة شيخوخته وضعف ذهنه أو في حال قوته وسلامة ذا كرته، إلى غير ذلك.
واستطاعوا من هذا البحث أيضًا أن يحكموا في حديث أنه ملفق من حديثين لكل منهما راو وطريق، وأن يحكموا في كلمة من حديث أنها دخيلة فيه زادها الراري بقصد التفسير مثلا.
هذه الطريقة من البحث في الإسناد ومعرفة حال الرواة قد بذل فيها العلماء جهودا مضنية لا يستطيعها غيرهم، وهي لازمة ومتعينة لا سبيل غيرها في أول الأمر لمعرفة الصحيح وغيره من الأحاديث، ثم يأتي بعدها النظر في النصوص المروية أنفسها، مما عني به العلماء عناية لا تقل عن عنايتهم بتحقيق الإسناد، دون تقصير في ذلك كما يدعي بعض الناس.
وإذا لا ينبغي أن يعاب على العلماء السابقين تحريهم ودقة بحثهم عن رواة الأحاديث لمعرفة من هو جدير بقبول روايته ومن لا يطمأن إليه، ومعرفة ما يؤخذ به من الأحاديث التي صح إسنادها وما لا يؤخذ به منها، لمعارضته ما هو أقوى منه، أو لمخالفته أمر مقطوع به.
ذلك منهج قد حفظت به الشريعة، واعترف بقيمته أرباب النظريات الحديثة، لما له من الميزات في حفظ المأثور وتنقيته من الشوائب.
كذلك لا ينبغي أن يعاب على من يستدل في أمر من الأمور بنص من الكتاب الكريم، أو الأحاديث الصحيحة، متى كان المعنى واضحًا، وكان النص صريحًا فيه، كالاستدلال بقوله تعالي: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ» على وجوب أن تلتزم المرأة كل ما يحفظ عليها شرفها وكرامتها، وينأى بها عن مواطن فتنتها أو الافتتان بها، لا ينبغي أن يعاب عليه في ذلك ثم يقال له: نحن في القرن العشرين، وأنت بهذا الاستدلال تريد أن ترجع بنساء الأمة إلى عهود الظلمات.
إن العيب عليه حينئذ بذلك ليس في الحقيقة إلا عيبا على النص ذاته وما يحمل من المعنى الواضح.

وهنا ينبغي أن نقولها كلمة صريحة قاطعة: فإما إيمان بالنصوص التي هي أساس الدين والشريعة وقبول لأحكامها، وإما غير ذلك.. أما أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض فهذا شيء قد حكم على أهله القرآن الكريم.
هذا: ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الكاتبين قد اعتمد- في سبيل الانتصار لدعوى حق المرأة في الانتخاب- على أن أمة أخرى أو أهل إقليم آخر قد سبقوا إلى الاعتراف بهذا الحق والأخذ به، وأنه ليس من الكرامة للوطن ولا للأمة المصرية أن تتخلف عن هؤلاء، فلا تعترف بهذا الحق، ولا سيما في القرن العشرين.
وتود اللجنة أن تلفت الأنظار إلى أن الإسلام في تشريعاته إنما يبني أحكامه على أصول ثابتة، ويستنبط قوانينه من مصادر معينة، ولا يجارى ما يضعه الناس، ولا ما يجري به عرف أمة، إلا أن يكون شيئًا تقره تلك المصادر والأصول، أو على الأقل لا يخالفها، ولا يهدم ركنًا من أركانها، فليس مما يشرف أمة إسلامية كأمتنا، ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام، أن تترك نصوص الإسلام ومصادره التشريعية، وتجاري غيرها في تشريعها لمجرد التقليد والمحاكاة، دون أن تزن ذلك بميزان الشريعة التي تؤمن بها، والتي فيها الوفاء بالمصالح والوقاية من المضار.
ومصادر شريعتنا هي الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، وما يرجع إليهما من الأدلة التي أرشد إليها، وأفادا اعتبارها والاعتداد بها.
وهذه المصادر والأدلة بما اشتلمت عليه من المبادئ العامة والقواعد الكلية لا تضعف عن النظر فيما يجد في الحياة من مشاكل، ولا تأبي الأخذ بما فيه مصلحة إلا أن تكون مصلحة براقة تلوح لبعض الأنظار من بعض النواحي، على حين تلازمها مفسدة مثلها أو أعظم منها، فمثل هذه المصلحة تلغيها الشريعة ولا تأبه لها.
الموضوع:
ولجنة الفتوى تتوخى جهدها هذه الأصول والمبادئ- في بحث ما يعرض لها من المسائل- وتسير على هذا النهج في بحث المسألة الحاضرة: مسألة حق المرأة في الانتخاب، وهى تقرر أن هذه المسألة ذات شقين:
الأول: أن تكون المرأة عضوًا في البرلمان.
الثاني: أن تشترك في انتخاب من يكون عضوًا فيه.
ولمعرفة الحكم فى هذين الأمرين اللذين يتضمن أولهما نوعا من ولاية التصرف في شئون عامة، يلزم بيان أن الولاية نوعان: ولاية عامة: وولاية خاصة.
فالولاية العامة: هي السلطة الملزمة فى شأن من شئون الجماعة، كولاية سن القوانين، والفصل في الخصومات، وتنفيذ الأحكام، والهيمنة على القائمين بذلك.
والولاية الخاصة: هي السلطة التي يملك بها صاحبها التصرف في شأن من الشئون الخاصة بغيره، كالوصاية على الصغار، والولاية على المال، والنظارة على الأوقاف.
وقد فسحت الشريعة للمرأة في هذا النوع الثاني من الولاية، فهي تملك منها ما يملكه الرجل، كما تملك التصرف في شئون نفسها الخاصة بها. 
فلها حق التصرف في أموالها بالبيع والهبة والرهن والإجارة وغيرها من التصرفات، وليس لزوحها ولا لأحد من أهلها حق معها في ذلك.. ملكتها الشريعة ذلك كله، مع إرشادها إلى ما يحفظ كرامتها، وحياطتها بما فيه ضمان شرفها ومكانتها.

الحكم في الولاية العامة:
أما الولاية العامة- ومن أهمها مهمة عضو البرلمان، فهي ولاية سن القوانين والهيمنة على تنفيذها- فقد قصرتها الشريعة الإسلامية على الرجال إذا توافرت فيهم شروط معينة.
وقد جرى التطبيق العملي على هذا من فجر الإسلام إلى الآن، فإنه لم يثبت أن شيئًا من هذه الولايات العامة قد أسند إلى المرأة، لا مستقلة ولا مع غيرها من الرجال، وقد كان في نساء الصدر الأول مثقفات فضليات، وفيهن من تفضل كثيرًا من الرجال، كأمهات المؤمنين.
ومع أن الدواعي لاشتراك النساء مع الرجال في الشئون العامة كانت متوافرة، لم تطلب المرأة أن تشترك في شيء من تلك الولايات، ولم يطلب منها هذا الاشتراك، ولو كان لذلك مسوغ من كتاب أو سنة لما أهملت مراعاته من جانب الرجال والنساء بإطراد.
وهذه قصة سقيفة بني ساعدة في اختيار الخليفة الأول بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ فيها الخلاف أشده، ثم استقر الأمر لأبي بكر، وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد، ولم تشترك امرأة مع الرجال في مداولة الرأي في السقيفة، ولم تدع لذلك، كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك البيعة العامة.
وكم من اجتماعات شورية من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ومن الخلفاء وإخوانهم، في شئون عامة، لم تدع إليها المرأة ولم تشترك فيها.
الدليل:
أما الدليل الشرعي على هذا المنع، فهو ما رواه البخاري في صحيحه وأخرجه أحمد في مسنده والنسائي في سننه والترمذي في جامعة- قال البخاري: حدثنا عثمان بن الهيثم قال حدثنا عوف عن الحسن البصري عن أبي بكر قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس ملكوا ابنة كسري قال «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
وظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم، لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح.. وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسار، وإنما يقصد نهى أمته عن مجاراة الفرس فى إسناد شيء من الأمور العامة إلى المرأة وقد ساق ذلك بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال، وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمرًا من أمورهم.
ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة، وهذا العموم تفيده صيغة الحديث وأسلوبه، كما يفيده المعنى الذي من أجله كان هذا المنع.
وهذا هو ما فهمه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع أئمة السلف، لم يستثنوا من ذلك امرأة ولا قومًا ولا شأنًا من الشئون العامة، فهم جميعا يستدلون بهذا الحديث على حرمة تولي المرأة الإمامة الكبرى وقيادة الجيوش، وما إليها من سائر الولايات العامة.
هذا الحكم المستفاد من الحديث- وهو منع المرأة من الولايات العامة- ليس حكما تعبديًا يقصد مجرد امتثاله دون أن تعلم حكمته، وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق الطبيعية بين نوعي الإنسان: الرجل والمرأة.
ذلك أن هذا الحكم لم ينط بشيء وراء الأنوثة التي جاءت كلمة- امرأة- في الحديث عنوانًا لها، وإذًا فالأنوثة وحدها هي العلة فيه.
وواضح أن الأنوثة ليس من مقتضاها الطبيعي عدم العلم والمعرفة، ولا عدم الذكاء والفطنة، حتى يكون شيء من ذلك هو العلة، لأن الواقع يدل على أن للمرأة علما وقدرة على أن تعلم كالرجل، وعلى أن لها ذكاء وفطنة كالرجل، بل قد تفوق الرجل في العلم والذكاء والفهم، فلا بد أن يكون الموجب لهذا الحكم شيئًا وراء ذلك كله.

إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة وحضانة النشء وتربيته، وهذه قد جلعتها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة، وهي من هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام، من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية، وتوهن من عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به، والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله، وهذا شأن لا تنكره المرأة من نفسها.
ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها.
فقد دفعت هذه الغرائز المرأة في أسمى بيئة نسوية إلى تغليب العاطفة على مقتضى العقل والحكمة.
وآيات من سورة الأحزاب: تشير إلى ما كان من نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتطلعهن إلى زينة الدنيا ومتعتها، ومطالبتهن الرسول أن يغدق عليهن مما أفاء الله به عليه من الغنائم، حتى يعشن كما تعيش زوجات الملوك أو رؤساء الأمم، لكن القرآن قد ردهن إلى مقتضى العقل والحكمة فى ذلك (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا).
وآية أخرى من سورة التحريم تحدث عن غيرة بعض نسائه عليه الصلاة والسلام، وما كان لها من الأثر في تغليبهن العاطفة على العقل، مما جعلهن يدبرن ما يتظاهرن به على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ردهن القرآن إلى الجادة (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ).
هذه هى المرأة فى أسمى البيئات النسوية لم تسلم من التأثير الشديد بداعى العاطفة، ولم تنهض قوتها المعنوية على مغالبة نوازع الغيرة، مع كمال إيمانها ونشأتها في بيت النبوة والوحي، فكيف بامرأة غيرها لم تؤمن إيمانها ولم تنشأ نشأتها، وليس لها ما تطمع به أن تبلغ شأوها أو تقارب منزلتها؟
فالحق أن المرأة بأنوثتها عرضة للانحراف عن مقتضى الحكمة والاعتدال في الحكم، وهذا هو ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بنقصان العقل ورتب عليه- كما جاء في القرآن الكريم- أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل.
وقد بنت الشريعة على هذا الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة التفريق بينهما في كثيرة من الأحكام:
جلعت القوامة على النساء للرجال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) وجعلت حق طلاق المرأة للرجل دونها، ومنعها السفر دون محرم أو زوج أو رفقة مأمونة، ولو كان سفرها لأداء فريضة الحج.. وجعلت لها حق الحضانة للصغار دون الرجال، وأوجبت على الرجل حضور الجمعة والجماعات والجهاد ولم توجب عليها شيئًا من ذلك.
وإذا كان الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة قد أدى في نظر الشريعة إلى التفرقة بينهما في هذه الأحكام التي لا تتعلق بالشئون العامة للأمة، فإن التفرقة بينهما بمقتضاه في الولايات العامة- تكون في نظر الحكمة أحق وأوجب.
ومن هنا تقرر لجنة الفتوى أن الشريعة الإسلامية تمنع المرأة- كما جاء في الحديث الشريف- أن تلى شيئًا من هذه الولايات، وفي مقدمتها ولاية سن القوانين التي هي مهمة أعضاء البرلمان.
هذا- وليس من الولايات العامة التي تمنع منها المرأة ما يعهد به إلى بعض النساء من الوظائف والأعمال، كالتدريس للبنات وعمل الطبيبة والممرضة في علاج المرضى من النساء وتمريضهن، فإن هذه الأعمال وما شابهها ليس فيها معنى الولاية العامة: الذي هو سلطان الحكم وقوة الإلزام.