الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كيف بررت واشنطن فضيحة سفيرها بإسرائيل؟

سفير أمريكا بإسرائيل
سفير أمريكا بإسرائيل يحمل صورة للقدس الشرقية تخلو من الأقصى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ذروة الاستياء العالمي من الخطوات الأحادية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتكريسها لمنطق فرض الإملاءات على الآخرين، أقدم سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان على تصرف استفزازي جديد من شأنه أن يزيد الأمور في الأراضي الفلسطينية المحتلة اشتعالا، ويذكي العنف والإرهاب في المنطقة.
وقال قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس الفلسطيني للشئون الدينية محمود الهباش، الخميس، الموافق 24 مايو، إن المشهد، الذي ظهر فيه سفير أمريكا بإسرائيل، وهو يحمل صورة للقدس الشرقية المحتلة أزيل منها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، يشكل خطوة استفزازية جديدة وإشارة عنصرية وتحريضا إجراميا على هدم المسجد الأقصى.
وحسب "فرانس برس"، حذر الهباش من الخطوات الإسرائيلية المتلاحقة في مدينة القدس المحتلة، معتبرا أنها "تمهد الطريق لحرب دينية ستحرق الأخضر واليابس وسيكتوي بنارها الجميع".
وبدورها، أدانت مشيخة الأزهر في مصر في بيان أيضا صورة مركبة لمدينة القدس المحتلة تسلمها السفير الأمريكي لدى إسرائيل يظهر فيها الهيكل اليهودي المزعوم في مكان المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وقال الأزهر في البيان، إن "هذا التصرف غير المسئول يأتي في إطار استمرار الاستفزازات الصهيوأمريكية لمشاعر أكثر من بليون ونصف البليون مسلم حول العالم.
وأضاف أن "مثل هذه التجاوزات المقيتة لن تغير من التاريخ شيئًا، وستبقى القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وسيبقى المسجد الأقصى دونه أرواح المسلمين".
وزعمت السفارة الأمريكية في إسرائيل، في بيان، أن السفير ديفيد فريدمان تعرض لخدعة، عندما ظهر مبتسما، وهو يتسلم صورة للقدس الشرقية أزيل منها المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وادعى بيان السفارة الأمريكية أن الصورة دفعت أمام فريدمان دون علمه خلال زيارة قام بها إلى ما سمتها جمعية خيرية يهودية في بني براك بالقرب من تل أبيب. 
وتابعت السفارة "فريدمان لم يكن على دراية بمضمون الصورة التي دفعت أمامه عندما التقطت له صور في بني براك"، واستطردت "لقد شعر السفير بخيبة أمل عميقة لمحاولة استغلال زيارته إلى بني براك لإثارة الجدل".
وقالت السفارة إنها طالبت باعتذار رسمي من جمعية "أخياه" (الأخوة) التي قدم مسئول عنها الصورة إلى فريدمان، فيما زعمت هذه الجمعية اليهودية أن "أحد موظفيها قدم الصورة بمبادرته الخاصة دون استشارة آخرين، وأسفت "لإيماءة سياسية صغيرة أدت إلى إفساد هذا الحدث"، حسب ادعائها.
ونشرت صحيفة "القدس" الفلسطينية الأربعاء الموافق 23 مايو، صورة للسفير الأمريكي وهو يحمل صورة القدس، يتوسطها نموذج للهيكل المزعوم بحجم كبير، وهو يتبسم ابتسامة عريضة أمامها.
وكان موقع "كيكار هشابات" الإخباري اليهودي المتشدد نشر أيضا مساء الثلاثاء الموافق 22 مايو، صورة أزيل منها موقع المسجد الأقصى، واستبدلها بصورة لهيكل مزعوم يطالب اليهود المتشددون بإعادة بنائه في موقع المسجد الأقصى.
وأثار تصرف فريدمان غضب السلطة الفلسطينية، وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن "ظهور فريدمان وهو يبتسم مع صورة فيها آثار دمار لقبة الصخرة مع هذه الابتسامة يدل على موافقة الولايات المتحدة وإقرارها لمثل هذا الفعل".
وتساءل عريقات "إلى متى ستبقى هذه التصرفات المنحطة والحقيرة دون رد عربي وإسلامي يرقى إلى مكانة المسجد الأقصى وعظمته؟".
وأججت الصورة، التي حملها فريدمان أيضا، الغضب الشعبي الفلسطيني، خصوصا بعد قيام واشنطن بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في 14 مايو تزامنا مع الذكرى السبعين للنكبة وتهجير أكثر من 760 ألف فلسطيني في حرب 1948.
ويقع المسجد الأقصى في القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وتدعي إسرائيل أن القدس بشطريها هي عاصمتها "الأبدية والموحدة"، بينما يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة.
والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، ويتوسط مدينة القدس الشرقية المحتلة.
ويزعم اليهود المتشددون أن "حائط البراق" أو ما يطلقون عليه "حائط المبكى"، الواقع أسفل باحة المسجد الأقصى، آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل)، الذي دمره الرومان في العام 70، ويسعون لهدم المسجد الأقصى لإعادة بناء هذا الهيكل المزعوم مكانه.
ويعرف عن السفير الأمريكي لدى إسرائيل انحيازه الأعمى لتل أبيب ومواقفه المتطرفة الداعمة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغير مرحب به في أوساط الفلسطينيين.
وجاءت فضيحة الصورة، بعد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل ضد المتظاهرين السلميين في شرق غزة الاثنين الموافق 14 مايو، وأوقعت حوالي 60 شهيدا ً، وأكثر من 2410 جريحا، بينهم 1200 بالرصاص الحي والمتفجر. 
وفيما كان القادة الإسرائيليون يحتفلون في 14 مايو مع مسئولين أمريكيين بما سموه بـ"اليوم العظيم" بتدشين السفارة الأمريكية في حي "تلبيوت" الاستيطاني في القدس المحتلة، أطلقت قوات الاحتلال النار في شكل مفرط على المتظاهرين السلميين في شرق غزة المحتجين على نقل السفارة. 
وكان الاثنين الأكثر دموية منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في صيف 2014، ونددت السلطة الفلسطينية بـ"المجزرة"، بينما بررها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بما سماه بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن حدودها إزاء أعمال حركة حماس".
وصباح اليوم التالي للمجزرة، توفيت رضيعة فلسطينية تدعى ليلى الغندور (8 أشهر) إثر استنشاقها غازًا مسيلًا للدموع في مجزرة الاثنين في شرق غزة.
وأثارت المجزرة استنكارا دوليا واسعا واستدعت جنوب أفريقيا سفيرها لدى إسرائيل، كما عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية بناء على طلب من السعودية، وعقدت أيضا قمة إسلامية طارئة في إسطنبول، وقررت مصر استمرار فتح معبر رفح مع قطاع غزة.
وفي 18 مايو، قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنشاء آلية دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الأحداث الأخيرة في غزة والتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية.
وتبنى المجلس هذا القرار خلال دورة خاصة عقدت لبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية. وقدمت مشروع القرار باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، وصوت إلى جانب القرار 29 عضوا في المجلس، وعارضته أستراليا والولايات المتحدة، فيما امتنعت 14 دولة عن التصويت.
ونص القرار على "تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وخاصة في قطاع غزة، على خلفية الهجمات العسكرية على الاحتجاجات المدنية الواسعة النطاق، المستمرة منذ 30 مارس".
ومن بين مهام لجنة التحقيق في أسباب وملابسات الانتهاكات، بما فيها تلك التي قد ترتقي إلى جرائم حرب، وعلى اللجنة أن تحدد المسؤولين وتقدم التوصيات بشأن معاقبتهم.
ومن المقرر أن ترفع اللجنة تقريرا شفهيا حول سير التحقيق إلى الدورة الـ 39 لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر المقبل، وتقريرا خطيا إلى الدورة الـ 40 في مارس عام 2019.
وكان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، أثار غبطة الاسرائيليين وغضب الفلسطينيين.
وشكل الإعلان الأمريكي الأحادي الجانب تحديا صارخا للقانون الدولي، لأن إسرائيل الشطر الشرقي من القدس في العام 1967 ثم أعلنت العام 1980 القدس برمتها "عاصمة أبدية"، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وشكل هذا الإعلان تكريسًا للموقف المنحاز بشكل واضح للجانب الإسرائيلي والذي يتبناه ترامب منذ توليه منصبه في 2017، وتجاهلا لمطالب الفلسطينيين حول القدس.
ولا تزال الأسرة الدولية تعتبر القدس الشرقية أرضًا محتلة، وأنه من غير المفترض إقامة سفارات في المدينة طالما لم يتم البت في وضعها عبر التفاوض بين الجانبين المعنيين.
ولم يحدث القرار الأمريكي بنقل السفارة الأثر الذي كان ترجوه إسرائيل اذ لم تعلن سوى دولتين هما جواتيمالا وباراجواي أنهما ستقومان بالأمر نفسه.