الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنواع الشرور "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان الله قد اختار أفضل العوالم الممكنة وفقاً لأحكم خطة اقتضاها علمه وخيره وحكمته، فمن أين جاء الشر إذن؟. حاول "ليبنتز" أن يحل هذه المعضلة – بشتى الطرق – فرأى أن الموجودات التى توجد حالياً فى العالم كانت توجد من قبل فى منطقة الحقائق الأزلية (أى فى العلم الإلهى)، وأنها كانت توجد على هيئة معان محددة ومقيدة؛ وكانت تحتوى على جميع خصائصها التى تظهر شيئاً فشيئاً عندما تخرج من عالم الإمكان إلى عالم الوجود الفعلى. وجاء الشر أو النقص حسب طبائع هذه الموجودات المحدودة والمتناهية. وقد فسر البعض السبب الحقيقى لوجود الشر بأنه صادر عن المادة. لكن المادة صماء وهى لا تكترث بما يوضع فيها من أشكال أو صور، فالأولى أن نقول: "إن الشر يأتى من الصور المجردة من المادة؛ أى من المعانى التى كانت توجد فى المنطقة المثالية ideal region وهى منطقة الحقائق الأزلية. ولما كان أفضل العوالم الممكنة لا يمكن أن يتحقق إلا بخروج معانى الممكنات من منطقة الحقائق الأزلية، فمن الضرورى أن تحتوى أفضل خطة لهذا العالم على الشر".
ويفسر لنا "ليبنتز" كيف يسمح الله بوجود الشر على أساس أنه يوجد فى المعانى التى تحتوى عليها منطقة الحقائق الأزلية فيقول: "إذا وُجد رجل شرير، فمن الضرورى أن يكون الله، قد أوجد فكرة هذا الرجل فى منطقة الممكنات Region of Possibles؛ وأنه سيصبح جزءاً من سلسلة الأشياء التى اقتضت الحكمة دخولها لتكوين الكمال الأفضل للكون. إذن، فوجود هذا الرجل يدل على أن الشرور والخطايا تساهم فى تحقيق الخير.
ويتجلى الشر – كما رأى "ليبنتز" – على ثلاثة أوجه هى على النحو الآتى:
• الشر الميتافيزيقى Metaphysical Evil ومصدره غياب الكمال المطلق أو النقص: هو الشر الذى يعبر عن النقص والذى يبدو أمامنا إذا نظرنا للمخلوقات نظرة جزئية، أما النظرة الكلية – التى تضع المخلوقات فى سياق العالم – تبين أن النقص فيها ضرورى من أجل الكمال المطلق؛ كما أن أوجه النقص هذه ترجع إلى طبيعتها الخاصة التى تُحد بقيود من كل جانب. وهذا هو أساس اختلافها عن الله، فلا تكون ثمة حدود – أعنى فى الله – ويكون الكمال لا متناهياً بإطلاق. يقول "ليبنتز": "لما كانت العدالة بأعم معانيها لا تخرج عن أن تكون هى الخيرية المطابقة للحكمة، فلابد أيضاً من أن يُوصف الله بالعدالة فى أسمى صورها. والسبب الذى جعل الأشياء تستمد منه وجودها، هو كذلك الذى يجعلها تعتمد عليه فى استمرار وجودها وسائر أفعالها وتتلقى منه على الدوام كل ما يضفى عليها نوعاً من الكمال، أما ما يبقى عن أوجه النقص فيرجع إلى ما فُطِرَت عليه المخلوقات من قصور أساسى متأصل فيها".
ونتعرض فى المقالة التالية للشر الطبيعى (أو الفيزيائى) Physical Evil ومصدره الألم، والشر الأخلاقى Moral Evil ومصدره الخطيئة.