السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الصدر".. من متهور إلى "بعبع" لإيران وأمريكا

  زعيم التيار الصدري
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن شعبية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أصبحت تؤرق الكثيرين، لدرجة تناست معها كل من أمريكا وإيران خلافاتهما، وتحركا سويا، لإجهاض فوزه بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق. 

ففي الأيام الأخيرة، وتحديدا منذ 16 مايو، بدأ مبعوث الرئيس الأمريكي إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بريت ماكغورك، والسفير الأمريكي في العراق دوجلاس سليمان، في إجراء مباحثات مع عدد من القيادات العراقية، بينهم زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري. 
كما أجرى الأمريكيون محادثات في أربيل، استهدفت "التقريب بين القوى الكردية المنقسمة"، في إطار مساعي واشنطن إلى وضع الخطوط العريضة لتشكيلة الحكومة العراقية المقبلة". 
وحسب صحيفة "الحياة" اللندنية، أكد الوفد الأمريكي خلال اجتماع مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني "أهمية توحيد مواقف الأطراف الكردية لتلعب دورا فاعلًا مع القوى السياسية الأخرى في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة". 
ويبدو أن النتائج النهائية للانتخابات العراقية، زادت من وتيرة تحركات واشنطن، خشية أن يتمكن الصدر من جمع الكتلة البرلمانية الأكبر، المؤهلة لترشيح رئيس الحكومة. 

وكانت مفوضية الانتخابات في العراق أعلنت السبت الموافق 19 مايو النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، التي أجريت في 12 من الشهر ذاته، والتي أكدت تقدم كتلة الصدر "سائرون" على بقية الكتل، بحصولها على 54 مقعدًا برلمانيًا من بين 329 مقعدًا، تلتها كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري، المقرب من إيران، بـ47 مقعدًا، ومن ثم "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بـ42 مقعدًا. 
وحصل "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي على 26 مقعدًا، والتحالف الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني على 27 مقعدًا، وائتلاف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي على 21 مقعدًا، وتيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم على 20 مقعدًا، فيما توزعت بقية المقاعد على تحالفات وأحزاب مختلفة. 
وبعد إعلان النتائج النهائية، زادت الحركات في الكواليس لجمع الكتلة البرلمانية الأكثر عددًا المؤهلة لترشيح رئيس الحكومة، وتردد أن هناك فرصة لتحالف الصدر مع مع العبادي والحكيم وعلاوي والبارزاني لتكوين كتلة تصل إلى أكثر من نصف عدد المقاعد في البرلمان الجديد، فيما يكثف حلفاء إيران وعلى رأسهم نوري المالكي وقيادات كتلة "الفتح" تحركاتهم لإقناع العبادي بالانضمام إليهم، لتشكيل الحكومة الجديدة، بينما تحاول واشنطن الضغط على حلفائها الأكراد لتشكيل تحالف يتوافق مع مصالحها، ويبعد الصدر، ألد أعدائها في العراق، عن المشهد. 
من هو الصدر؟ 
ويزيد من مخاوف واشنطن، التصريح الذي أدلى به الصدر في 16 مايو، وانتقد فيه "تدخل مبعوث الرئيس الأمريكي في الشأن العراقي"، معتبرا إياه "أمرا قبيحا". 
وفي معرض رده على سؤال أحد أتباعه عن رأيه في الأنباء التي تحدثت عن "تواجد المبعوث الأمريكي داخل العراق لتحديد مسار العملية السياسية للمرحلة المقبلة"، قال الصدر:"ليس من المستغرب تواجده في العراق.. إلا أن القبيح هو تدخله في الشئون العراقية، وإذا استمر، صار تواجده قبيحا في العراق". 
وبالنظر إلى أن الصدر يرفض التواجد العسكري الأمريكي في بلاده، فإن تصريحاته السابقة، قد توحي بأنه قد يتخذ مواقف مناهضة جديدة لواشنطن، في حال نجاحه بتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يتطور الأمر، إلى طرد الجنود الأمريكيين المتبقين، خاصة بعد دحر تنظيم "داعش". 
ولعل السيرة الذاتية للزعيم الشيعي، تضاعف مخاوف واشنطن، لأنه معروف عنه الاندفاع، إذ يقول مقربون منه إنه سريع الغضب وقليل الابتسام. 

ولد الصدر في 12 أغسطس 1973 في الكوفة جنوبي بغداد، وهو نجل محمد محمد صادق الصدر، أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي قتله مع اثنين من أبنائه عام 1999". 
ووالد مقتدى هو أحد أبناء عم محمد باقر الصدر المفكر البارز، الذي أعدمه صدام مع شقيقته نور الهدى عام 1980. 
وحسب "فرانس برس"، منح هذا النسب المرموق اندفاعًا لمقتدى اعتبارًا من عام 2003، حين برز اسمه بتأسيس وحدات مسلحة تضم عشرات الآلاف من الشبان الشيعة تحت اسم "جيش المهدي". 
وسرعان ما خاضت هذه الميليشيات معارك ضد القوات الأمريكية في النجف في أغسطس 2004، أدت إلى مقتل نحو ألف من أنصار الصدر، الذي اعتبرته وزارة الدفاع الأمريكية عام 2006 من أكبر التهديدات التي تعوق استقرار العراق. 
ووجهت اتهامات لـ"جيش المهدي" بالوقوف وراء أعمال استهدفت السنّة خلال موجة العنف الطائفي التي ضربت العراق، خصوصًا بين عامي 2003 و2008. كما اتهم الصدر نفسه بالوقوف وراء مقتل منافسه عبد المجيد الخوئي في إبريل 2003. واتهم جيشه أيضًا بتنفيذ هجمات ضد محال بيع مشروبات كحولية وأخرى استهدفت مثليين، إلى أن أمر الصدر بوقف تلك الهجمات في أغسطس 2016. 
وتوارى الصدر أواخر عام 2006، ولم يعرف مكان إقامته حتى عودته إلى حي الحنانة في النجف حيث مقر إقامته في العام 2011، ليتبين لاحقًا أنه أمضى أكثر من أربعة أعوام في مدينة قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة الشيعية هناك. 
وعاش الصدر فترات من الانسحاب ظاهريًا من الحياة العامة، وتكريس نفسه لمزيد من الدراسة في حوزة النجف الشيعية، لكن "جيش المهدي" خاض معارك قاسية مع القوات الأمريكية والحكومية العراقية ربيع عام 2008 في البصرة ومدينة الصدر ببغداد، قبل أن يأمر الصدر في أغسطس 2008 بحل هذه الميليشيات، من دون أن يتخلى عن تأكيد معاداته "الاحتلال الأمريكي". 
وأشارت "فرانس برس" إلى أن شخصية الصدر ونهجه يشكلان مصدر قلق لدى إيران والولايات المتحدة على حد سواء، فإذا كانت واشنطن لا تنسى "جيش المهدي"، فإن طهران لا تنسى مواقف عائلته العدائية ضدها، خاصة أن آل الصدر معروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع في العراق وبين الشيعة بصفة عامة، بالإضافة إلى قيام الصدر قبل شهور بزيارة المملكة العربية السعودية، وإعلانه مرارا تمسكه بعروبة العراق، ورفضه التدخلات الإيرانية في شئون بلاده. 

وقال المحلل السياسي العراقي عصام الفيلي لـ"فرانس برس"، إن "للصدر مقبولية وقواعد شعبية واسعة، ومن يمتلك الشارع يشكل مصدر قلق لكثير من الأطراف". 
ومنذ ثلاث سنوات، يتظاهر أنصار الصدر جنبًا إلى جنب مع الشيوعيين، أعدائهم السابقين، ضد ما سموها طبقة سياسية فاسدة، وغير قابلة للإصلاح، وتصدر الصدر مشهد مكافحة الفساد "المستشري" في البلاد، بعد سنوات من قيادة فصائل مسلحة قاتلت الأمريكيين، ودعا أنصاره علنًا إلى الاعتصام خارج المنطقة الخضراء الشديدة التحصين في بغداد، للمطالبة بمحاسبة الفاسدين، ما أكسبه شعبية واسعة، خاصة في أوساط فقراء الشيعة، وفي مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد. 
ورغم أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وصل إلى بغداد في 15 مايو في مسعى لتوحيد الأحزاب الشيعية الموالية لطهران، لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي الجديد، إلا أن مهمته لن تكون سهلة في ضوء يقظة التيار الصدري، وإعلان زعيمه مقتدى الصدر نيته تشكيل حكومة جامعة بعضوية أحزاب كردية وسنية. 
وفيما يسعى زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في الانتخابات بعد فقدانه ثلثي مقاعده النيابية، إلى حشد قوائم انتخابية مقربة من إيران، إلا أنه لن ينجح على الأرجح، لأن مقاعده الحالية 26، ومقاعد الفتح 47، ويراهن على إقناع العبادي بالانضمام إليهم بـ 42 مقعدًا، و"الحكمة"بـ 20 مقعدًا، ولكن مجموعها لا يصل إلى الغالبية المطلوبة لتشكيل الكتلة الأكبر المؤهلة وفق الدستور لتشكيل الحكومة، والبالغة 164 مقعدًا. 
وفي تقرير لها في 16 مايو، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية،إن فوز مقتدى الصدر، في الانتخابات العراقية، التي جرت السبت الموافق 12 مايو، سبب ورطة كبيرة لكل من إيران والولايات المتحدة، على حد سواء. 
وأضافت الصحيفة أن هذا الفوز سيجبر الولايات المتحدة وإيران على إعادة حساباتهما بشأن العراق. وتابعت " الصدر انتقد التواجد الأمريكي في العراق، ولذا يتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في كيفية حماية المصالح الأمريكية في المنطقة". 
واستطردت "الصدر في السنوات ما بعد الغزو الأمريكي للعراق كان على قائمة أعداء الولايات المتحدة، حيث كان يقود جماعة جيش المهدي المسلحة، التي حاربت الجيش الأمريكي". 
وأشارت الصحيفة، إلى أن الصدر يعارض أيضا "النفوذ الإيراني" في بلاده، ولذا ستضطر طهران لإعادة حساباتها بشأن كيفية الدفاع عن مصالحها في العراق. 
ونقلت "واشنطن بوست" عن دبلوماسي غربي في بغداد، قوله، إن الصدر هو "السياسي الوحيد الذي له رؤية واضحة للعراق تستند إلى العراق أولا واستئصال الفساد وتشكيل حكومة تكنوقراط"، موضحا أن الصدر عمل خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تغيير صورته، وتصدر المشهد في إطار معركته ضد الفساد والمحاصصة الطائفية.